الجمعة 19 أبريل 2024 06:20 صـ 10 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    قراءة موضوعية في قانون ”سحق” الأزهر

    رابطة علماء أهل السنة

    لا يمكننا أن نقرأ "مشروع" قانون تطوير الأزهر وهيئاته من دون أن نحيط بالسياق العام المحلي والإقليمي والدولي الذي يصدر فيه هذا المشروع، فالسياق – كما قال العلماء – مُوجِّه للرؤية الصحيحة، وحارس من الفهم الخاطئ.

    السياق الذي يُطرح فيه مشروع القانون

    من الناحية المحلية فإن مشروع القانون يصدر في ظل انقلاب عسكري دموي شهد العالم كله ومؤسساتُه الحقوقيةُ الدولية وحشيتَه وجرائمَه الفردية والجماعية والدولية، السياسية والإعلامية والاقتصادية، الدينية والفكرية والثقافية، التربوية والاجتماعية والسلوكية والأخلاقية .. وباختصار تجريف البلاد وقمع العباد.

    ومن الناحية الإقليمية يصدر المشروع في ظل مجتمع إقليمي داعم لهذا الانقلاب، ومعزز لبقائه، ومقدم كل ما يمكنه لتقويته وإحكام سيطرته من خلال المال والسلاح والوقود الذي يقدمه له؛ خشية مصالحه الضيقة التي لا تضع للشعوب اعتبارًا، أي اعتبار!

    ومن الناحية الدولية فالمجتمع الرسمي الدولي يتعامى عن جرائم الانقلاب العسكري، وهي جرائم تكفي جريمة واحدة منها، أو بعضاها لأن ينتفض هذا العالم وتقوم قيامتُه، لكنهم يمررون هذا كله من أجل مصالحهم الشخصية؛ ولأن الشعوب إذا انتزعت حريتها وامتلكت إرادتها فسوف تسير في طريق الاستقلال والتحرر وتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يمكّنها من الحرية في اتخاذ قرارها، وقد قال الشيخ الشعراوي: "من كان طعامه من فأسه كان قراره من رأسه".

    يصدر هذا القانون كذلك إثر عودة قائد الانقلاب من زيارته للرئيس الأمريكي ترمب، وهو ما زامنتْه أحداث تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية، وبترتيب متعمد وواضح شنت وسائل الإعلام معها حملةً معادية للأزهر تتهمه فيها بفشله في تجديد الخطاب الديني وبأن مناهجه تعزز الإرهاب، بل وصل الأمر بالبعض أنْ طالب شيخ الأزهر بالتنحي، وهو ما يمهد الرأي العام لطرح مشروع القانون على البرلمان.

    وبعد هذه الحملة المسعوردة هُرعت إدارة جامعة الأزهر إلى تكوين لجنة للتفتيش في مكتبات الجامعة والمساجد التابعة لها للبحث عن كتب تمثل الإرهاب في نظرهم، وهي كتب الأعلام: سيد قطب، ومحمد قطب، وسعيد حوى، ويوسف القرضاوي، والعمل على إعدام هذه الكتب تماما، لكي تدفع الجامعة بذلك شبهة الإرهاب عن نفسها في شكل من أشكال الخضوع التام للحملة الإعلامية المقصودة والموجهة.

    كما يأتي هذا المشروع في سياق إلغاء مادة التربية الدينية من مدارس مصر بمراحلها المختلفة، واعتزام إقامة قُداس لبابا روما في استاد القاهرة الدولي، مما يشير إلى علامات استفها كثيرة في هذا الصدد!!

     

    ملحوظة إجرائية أولية على مشروع القانون

    المعهود في مثل هذه القوانين أن تتبناها اللجان المتخصصة التي يمثل عملُها أكثر من 80% من أعمال المجلس، واللجنة المتخصصة في هذا الموضوع هي اللجنة الدينية والاجتماعية التي جاء نائبها نصرانيا، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ اللجنة، ثم تتبنى هذه اللجنة عمل مشروع قانون من خلال الاستماع إلى أهل الذكر من الأزهريين البارزين الذين لهم تاريخ في الحرص على الأزهر وتاريخه وإصلاحه وتطويره، وتستقدم الخبراء وتسمتع إليهم وتفيد منهم، ثم يُكتب في ضوء هذا كله مشروع القانون، ثم يُرفع للجنة المقترحات والشكاوى، ثم يطرح على المجلس لإقراره ..

    لكن الذي حدث أن تم ترتيب هذه الهجمة الإعلامية بعد افتعال أحداث التفجير الإجرامية، ثم نزل بـ "البراشوت" نائب لا علاقة له باللجنة الدينية ولا الأزهر ليقدِّم فجأة ودون مقدمات مشروعا متكاملا لتطوير الأزهر وهيئاته كما أسماه.

     

    النظر في القانون حِزَمًا حِزمًا

    بلغت مواد هذا القانون 125 مادة تحدثت عن كل ما يخص الأزهر، وأدخلت عليه تعديلات من شأنها إخضاع الأزهر وهيئاته تماما للسلطة الحاكمة، يضاف لهذا أنها تفرغ الأزهر من مضمونه الحقيقي ورسالته المقدسة ..

    ولأجل استجلاء هذه الحقيقة سنقسم هذا القانون مجموعات، ونركز على مجموعات منه بعينها؛ لما لها من أهمية تأسيسية في هذا المشروع، ليتجلى لنا ما فيها من تآمر على الأزهر، والذهاب بالبقية الباقية منه إلى حيث تقف كل هيئات وجهات المجتمع كله تحت سلطة قمعية مستبدة.

     

    ما يخص شيخ الأزهر

    أول ما يلفت النظر في هذا المشروع أن شيخ الأزهر إذا أخل بوظائفه فإنه يخضع للتحقيق ويصدر قرار – كما تنص المادة رقم (5) منه بموافقة ثلثي هيئة كبار العلماء بتبرئة ساحته، أو بإدانته مع اقتراح أحد الجزاءات التالية: الإنذار. اللوم. عدم الصلاحية .. ولا شك أن هذا مخالف لدستور الانقلاب نفسه الذي ينص على عدم جواز عزل شيخ الأزهر من منصبه، وأنه باقٍ في منصبه إلى الوفاة؛ حيث تنص المادة (7) من دستور الانقلاب 2014م على أن: (شيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل). فكيف سيقررون قانونا يتعارض مع الدستور الذي هو أبو القوانين؟!

    بطبيعة الحال نحن ضد تصنيم الأشخاص وفرعنتهم فضلا عن تأليههم وإطلاق يدهم يأتون ما يحبون ويذرون ما يكرهون، وإنما نحن مع الشفافية والمحاسبة والانتخاب الحر النزيه، لكن يجب أن تأخذ الأمور مجراها الإجرائي والتراتبي الصحيح!

    أما في المادة رقم (3) من مشروع القانون نصت على أن تكون جنسية شيخ الأزهر مصرية فقط، وفي هذا تحجيم لمكانة الأزهر ودوره من مؤسسة عالمية مر عليها زمانٌ كان فيها شيخه تونسيًّا ونائبه سودانيًّا إلى مؤسسة محلية داخلية، والحق أن الأزهر ليس ملكا لمصر ولا ملكا للأزهريين، وإنما هو ملك للأمة كلها، بل ملك للإنسانية التي لا قرار لها ولا أمان إلا بنشر الفكر الوسطي الذي يتبناه الأزهر الشريف.

    كما قررت هذه المادة أن يكون الثلاثة الذين ترشحهم هيئة كبار العلماء لمنصب شيخ الأزهر مراعًى فيهم ثلاثة أنواع من التنوع: (الفكري، والمذهبي، والعمري)، فهل التنوع العمري يعني أن يكون شيخ الأزهر شابًّا؟ وهل يعني التنوع المذهبي أن يكون سنيًّا أو شيعيًّا؟ وهل يعني التنوع الفكري أن يكون شيخ الأزهر سلفيًّا أو إخوانيًّا؟..

    وفي المادة نفسها نصت على أن شيخ الأزهر يعامل معاملة رئيس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش، وذلك ليرضى بما جاء في المادة رقم (9) التي تنص على أن سلطات شيخ الأزهر هي السلطات المقررة للوزير!! فانظر كيف تَقزَّم المنصبُ في هذا القانون من العالمية إلى المحلية، ومن الاستقلالية إلى التبعية تحت رئيس الحكومة الذي هو تحت رئيس الجمهورية!!

     

    ما يخص المجلس الأعلى للأزهر

    حددت المادة رقم (9) الهيئات التي يتكون منها الأزهر، ومنها ما أسماه المشروع (المجلس الأعلى للأزهر) .. وفي المادة رقم (10) جاءت الجهات التي يتشكل منها هذا المجلس وهي أربع عشرة جهة، منها: نقيب السادة الأشراف، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية!! وأنا لا أدري ما علاقة نقيب السادة الأشراف وشيخ مشايخ الطرق الصوفية – مع التقدير لشخصيهما، والأخير منهما يعمل مديرا لبنك!! – بالأزهر والأغراض التي أنشئ من أجلها الأزهر، علما بأن من واجبات وصلاحيات هذا المجلس – كما جاء في المادة رقم (11) النظرَ في السياسات العامة للأزهر تعليميا وأكاديميا وفكريا ودعويا وماليا وإداريا وفنيا .. الخ؟!

    كما أن أمينه العام يصدر قرار بتعيينه من رئيس الجمهورية، ويناط به تصريف الشئون المالية والإدارية، وتنفيذ القوانين واللوائح والأحكام القضائية التي تصدر بشأن الأزهر، وله في هذا الشأن جميع الاختصاصات المقررة لرؤساء المصالح في كافة القوانين واللوائح!

     

    ما يخص هيئة كبار العلماء

    من أخطر ما جاء في هذا المشروع تشكيل هيئة كبار العلماء وكيفية هذا التشكيل، ولعلنا نتذكر أن آخر قرارت المجلس العسكري عشية الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق هو اعتماد تعيين هيئة كبار العلماء التي رشحها أحمد الطيب شيخ الأزهر!

    وخطورة ما ورد في هذا المشروع بشأن هيئة كبار العلماء أن الهيئة هي التي سترشح ثلاثة يختار منهم شيخ الأزهر وفق تنوع فكري ومذهبي وعمري، وتتولى أمورا كبيرة عالية تتعلق بالاجتهاد وتسيير شئون الحالة الدينية في مصر، وغير ذلك من أمور كبيرة وخطيرة.

    جاء بالمادة رقم (17) أنه "تنشأ" بالأزهر هيئة تسمى هيئة كبار العلماء، يرأسها شيخ الأزهر، وتتألف من عدد لا يزيد على خمسين عضوًا .. ولم توضح المادة كيفية هذه النشأة، لكن المادة التي تليها وضحت هذه الكيفية فجاء فيها: (يصدر بتعيين أعضاء هيئة كبار العلماء قرارٌ من رئيس الجمهورية عقب إصدار هذا القانون). إذن هيئة كبار العلماء "تُعين" بقرار من رئيس الجمهورية، ولا تنبع نشأتها من إرادة الأزهريين أساتذةً وعمداء.

    وتتألف الهيئة من عدد لا يزيد عن (50) عضوا: 40 من كبار علماء الأزهر من بينهم أربع سيدات على الأقل بالإضافة لـ 10 أعضاء من الخبراء في العلوم الدنيوية.

    أما المادة رقم (18) فهي التي تنص على أن الهيئة تعين بقرار من الرئيس، ويتوزع علماؤها على النحو التالي: (15) عضوًا من علماء الأزهر في التخصصات العلمية الشرعية المختلفة من بين ثلاثين مرشحا يرشحهم شيخ الأزهر مع رعاية التنوع، و(15) عضوا شرعيا: خمسة من علماء الأزهر في التخصصات العلمية الشرعية المختلفة من بين عشرة مرشحين يرشحهم رئيس جامعة الأزهر، وخمسة من علماء الأزهر في التخصصات العلمية الشرعية المختلفة من بين عشرة مرشحين يرشحهم وزير الأوقاف، وخمسة من علماء الأزهر في التخصصات العلمية الشرعية المختلفة من بين عشرة مرشحين يرشحهم مفتي الديار المصرية .. وهؤلاء ثلاثون عالما لا إشكال فيهم غير أنهم يعينون من قبل الرئيس الذي يختار من بين متنوع بهذه السعة.

    يبقى عشرون عالما (3) يختارون من ترشيحات نقيب السادة الأشراف، و(3) يختارون من ترشيحات شيخ مشايخ الطرق الصوفية، و(4) سيدات يختارون من ترشيحات المجلس القومي للمرأة، و(5) خبراء يختارون من ترشيحات المجلس الأعلى للجامعات، و(1) لمشكلات الشباب يختار من ترشيحات وزير الشباب ووزير التربية والتعليم، و(2) خبراء يختاران من ترشيحات المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، و(2) من السيدات الخبراء في مجال مشكلات المرأة يختارون من ترشيحات المجلس القومي للمرأة!!

    والسؤال المتبادر للذهن هنا: ما علاقة السادة الأشراف، والطرق الصوفية، ووزير الشباب ووزير التربية والتعليم والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجلس الأعلى للجامعات .. بشئون الأزهر، وهيئة كبار علماء الأزهر؟! وما الإسهام الذي سيسهم به هؤلاء في القضايا التي تناقشها هيئة عليا مثل هيئة كبار علماء يناط بها البحث والاجتهاد والتوجيه الديني في البلاد؟!

     

    ظاهرة أخيرة تتصل بالتعيين وبغير الأزهريين

    مما سبق يتبين لنا أن شيخ الأزهر بالتعيين، وهيئة كبار العلماء بالتعيين، والأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر بالتعيين، ويعين كل هذا من خلال ترشيح الجهات المنوط بها الترشيح عددا يختاره الرئيس من بينهم، وهذه الترشيحات توحي بأن هناك متنفسًا للاختيار غير أنك سرعان ما تصطدم بأن هذه الجهات التي ترشح هي الأخرى بالتعيين!! ولا شك أن كل هذا يصب في إخضاع المؤسسة للسلطة الحاكمة حتى لا تخرج عن طوعها ولا تسبب لها أي حرج!

    ومن الملحوظ أيضا بوضوح هو تكثير الهيئات والأفراد المشاركين في كيانات الأزهر، سواء مجلسه الأعلى، أو هيئة كبار علمائه .. حيث ضما أعضاء من جهات لا علاقة لها بالعلم الشرعي: نقيب السادة الأشراف، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، مجلس المرأة، مجلس الجامعات، مجلس البحوث الجنائية، وزيري الشباب والتعليم...الخ؛ فضلا عن تقليل الكليات المندرجة تحت الأزهر بفصل الكليات العلمية والأدبية عنه (31 كلية) وإلحاقها بإشراف المجلس الأعلى للجامعات كما نصت عليه المادة (41).

    كل هذا يثبت لنا أمرين بوضوح شديد: الأول: تفريغ الأزهر من مضمونه من خلال إدخال أعضاء دخلاء على العلم الشرعي ولا علاقة لهم بالأزهر ولا رسالته. والثاني: هو قمع الأزهر وإخضاعه وعسكرته، وتضييق أو إنهاء ما تبقى من مساحات للحرية تلفظ أنفاسها الأخيرة على عتبة فصل عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر إذا شارك في مظاهرات احتجاجية هي صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق كفلته قوانين الدنيا جميعا.

    مصر الأزهر الارهاب العلمانية الإعلام

    مقالات