فتيان صنعوا التاريخ - 6 - زيد بن ثابت .. كاتب الوحي وشيخ المقرئين ومفتي المدينة
رابطة علماء أهل السنةأبطال لا نعرفهم، فتيان عظماء شاركوا في إثراء الحياة الإنسانية لا نعرف عنهم بالكاد إلا أسماءهم، نحاول معا كشف اللثام عنهم، لنرفع القدوة لشبابنا كي لا تخدعهم أكذوبة المراهقة وصغر السن.
زيد بن ثابت
( 11 سنة )
كاتب الوحي، شيخ المقرئين، مفتي المدينة، روى الحديث عن النبي، وقرأ عليه القرآن
هو فتى يتيم أحضروه إلى النبي ﷺ ، وأسلم مع أهله ودعا له النبي صلى الله عليه وسلّم.
تعلم اليهودية في خمسة عشر يوما، وتعلم السريانية في سبعة عشر يوما.
يقول زيد: أُتيَ بيَ النبي مَقْدَمه المدينة، فقيل: هذا من بني النجار، وقد قرأ سبع عشرة سورة. فقرأت عليه فأعجبه ذلك، فقال: " تعلّمْ كتاب يهود، فإنّي ما آمنهم على كتابي ". ففعلتُ، فما مضى لي نصف شهر حتى حَذِقْتُهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له . ثم طلب إليه الرسول أن يتعلم «السريانية» فتعلمها في سبعة عشر يوماً.
خرج مع قوم من الأنصار إلى غزوة بدر، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ردّه لصغر سنه وجسمه، وكذلك حدث في غزوة أحد، ووعدهم الرسول بالغزوة المقبلة، وهكذا بدأ زيد الجهاد فيف سبيل الله بدءا من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة. وشهد أيضاً غزوة تبوك مع الرسولصلى الله عليه وسلّم.
وكان يتابع وحي القرآن حفظا، وكان الرسول كلما نزل الوحي عليه، بعث إلى زيد فكتبه.
وقال النبي عنه : أفرض أمتي زيد بن ثابت.( يعني أعلمهم بعلم الفرائض "المواريث" )
روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم، وحدّث عنه: أبو هريرة، وابن عباس،وغيرهم الكثير.
تألق زيد في المجتمع الأسلامي بفضل علمه وتبوأ فيه مكانا عاليا، وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم.
ففي غزوة تبوك حمل عُمارة بن حزم أولا راية بني النجار، فأخذها النبي منه فدفعها لزيد بن ثابت فقال عُمارة : «يا رسول الله، أبلغكَ عنّي شيءٌ؟» فقال له الرسول: لا، ولكن القرآن مقدَّم .
وذكر ان زيد ذهب ليركب، فأمسك ابن عباس بالركاب، فقال له زيد: تنح يا ابن عم رسول الله! فأجابه ابن عباس: لا، فهكذا نصنع بعلمائنا .
قال عنه ثابت بن عبيد : ما رأيت رجلا أفكه في بيته، ولا أوقر في مجلسه من زيد .
وكان عمر بن الخطاب يستخلفه إذا حجّ على المدينة، وزيد هو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وهو أحد أصحاب الفَتْوى الستة: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسى وزيد بن ثابت، فما كان عمر ولا عثمان يقدّمان على زيد أحداً في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة، وقد استعمله عمر على القضاء وفرض له رزقاً.
قال الزهري: لو هلك عثمان وزيد في بعض الزمان، لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمها غيرهما.
وقال جعفر بن برقان: سمعت الزهري يقول: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض، لرأيت أنها ستذهب من الناس.
قال ابن سيرين: غلب زيد بن ثابت الناس بخصلتين، بالقرآن والفرائض .
قرأ زيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه مرتين، وإنما سميت هذه القراءة قراءة زيد بن ثابت لأنه كتبها لرسول الله وقرأها عليه، وشَهِدَ العرضة الأخيرة، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات.
رجل الموقف
بعد وفاة الرسول اجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، اجتمع المهاجرون والأنصار لاختيار خليفة منهما، فقد قال الأنصار للمهاجرين رجل منا ورجل منكم، ولكن زيد بن ثابت كاتب الوحي قال رأياً سديداً جعل الناس جميعاً ترضى بحكمه، قال:(إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصاره، وإني أرى أن يكون الإمام من المهاجرين ونحن نكون أيضا أنصاره)
بعد وفاة رسول الله شُغِل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبيرا، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبي بكر الصديق راغبا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ، واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له: «إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتَتَبَّع القرآنَ فاجْمَعْهُ.
فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم! فقال: هو والله خير. وقال زيد بن ثابت، فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.
ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيها، يقابل ويعارض ويتحرى مكانه، وقال زيد بن ثابت كلمته المشهورة في جمع القرآن قال: والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن، فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف وصدور الرجال
وفي خلافة عثمان بن عفان كان الإسلام يستقبل كل يوم أناسا جددا عليه، فأصبح جليا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين الأولين، فقرر عثمان والصحابة وعلى رأسهم حذيفة بن اليمان ضرورة توحيد المصحف، فقال عثمان: « مَنْ أكتب الناس؟ ». قالوا: كاتب رسول الله زيد بن ثابت . قال: « فأي الناس أعربُ؟ ». قالوا: سعيد بن العاص ». وكان سعيد بن العاص أشبه لهجة برسول الله، فقال عثمان: « فليُملِ سعيد وليكتب زيدٌ .
واستنجدوا بزيد بن ثابت، فجمع زيد أصحابه وأعوانه وجاءوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر وباشروا مهمتهم الجليلة، وكانوا دوما يجعلون كلمة زيد هي الحجة والفيصل.
توفي زيد بن ثابت سنة 45 هـ في عهد معاوية. وعند موته قال ابن عباس:(لقد دفن اليوم علم كثير).
وقال أبو هريرة: مات حبر الأمة ! ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا.
رحم الله زيد بن ثابت، وحفظ شباب أمتنا، ليكونوا كأجدادهم فتيان الإسلام، الذين حملوا الراية لم يمنعهم عن ذلك منصب ولا مال ولا خوف، وأخرج من بينهم كأمثال زيد، ومعاذ والزبير وطلحة وذوالبجادين والأرقم.