هناك تعريفات كثيرة للقرآن الكريم ، فقيل هو : (( كلام الله الذي نزل به جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم ... ، ونقل إلينا بين دفتي المصحف نقلًا متواترًا )) ، وقيل هو (( الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته)) .
جمال القرآن الكريم وحسنه .
للقرآن الكريم أسماء و صفات كثيرة تدل على جمال مبانيه ومعانيه ، وسلامته من العيوب والنقائص ومن تلك الأوصاف ما يلي :
1- كونه أحسن الحديث ، ولا يضاهيه كلام آخر من جنسه ، قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } ، قال الماوردي رحمه الله (( ويحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين : أحدهما : لفصاحته وإعجازه ، الثاني: لأنه أكمل الكتب وأكثرها إحكاماً )) ، وكلا الوجهين صالح ، فالقرآن فصيح ومعجز ، وهو محكم أيضا ، وكل ذلك من مظاهر حسنه وجماله .
2- كونه غير ذي عوج ، فلا نقص ولا زيادة في ألفاظه ولا معانيه ، فكل ذلك منه على الكمال والجلال والجمال ، قال تعالى { قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ، أي (( مستقيما ، بريئا من التناقض والاختلاف )) ، وقيل (( غير ذي لبس )) ، ولا تناقض بين التفسيرين ، فالقرآن الكريم سليم من التناقض والاختلاف ، ولا لبس فيه أو شك ، وكل ذلك من عيوب الكلام ونقائصه التي لم يسلم منها على الإطلاق إلا كلام الله تعالى ، والقرآن الكريم كلام الله .
3- حلاوة ألفاظه وشرف معانيه ، فألفاظ القرآن الكريم حلوة عذبة يلذ سماعه ، ويسكن إليه القلب ويستريح ، فقد وصفه الوليد بن المغيرة وهو من هو في معرفة أسرار اللغة العربية وأفانينها ، فقال (( فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا ، ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله ، وإنه ليعلو وما يعلى وإنه ليحطم ما تحته .. )) ، فهذا القرآن بشهادة رجل من أعلم الناس بكلام العرب الفصحاء البلغاء في زمانه أفضل الكلام وأشرفه فليس قول شاعر ، ولاسجع كاهن ، وليس من كلام الإنس ولا الجن ، وقال تعالى في وصف القرآن الكريم { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
مشروعية تزيين القرآن بالأصوات .
لقد أمر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به بقراءة القرآن الكريم وترتيله وتحسينه وتجويده ، فقال تعالى { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } ، : (( والترتيل هو أن يذكر الحروف والكلمات مبينة ظاهرة ... )) ، وهو من الناحية اللغوية (( : التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه : ثغر رتل ، ورتل، بكسر العين وفتحها : إذا كان حسن التنضيد )) ، وعن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، يُحَدِّثُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ )) ، قال الخطابي رحمه الله (( قلت معناه زينوا أصواتكم بالقرآن ، هكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث وزعموا أنه من باب المقلوب ، كما قالوا عرضت : الناقة على الحوض أي عرضت الحوض على الناقة )) .
ومن فوائد ترتيل القرآن وتجويده :
1- أنه يعين على فهم المسموع .
إن تلاوة القرآن وتجويده ، بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه ، مع مراعاة قواعد الوقف والإبتداء ، وسائر الأحكام الواجبة والمستحبة ، يعد من أهم الأسباب في فهم معاني القرآن الكريم ، ولابد لمن يريد تدبر القرآن الكريم والوقوف على مظاهر جماله وجلاله أن يقرأ القرآن بترتيل وحسن أداء يناسب عظمة القرآن وجلاله ، قال الرازي رحمه الله (( والفائدة فيه أنه إذا وقعت القراءة على هذا الوجه فهم من نفسه معاني تلك الألفاظ ، وأفهم غيره تلك المعاني، وإذا قرأها بالسرعة لم يفهم ولم يفهم ، فكان الترتيل أولى ))
2- فيه راحة للأذن وحاسة السمع .
لايخفى على أحد ما لوقع الحروف والكلمات على أذن السامع والمتلقي ، فالحروف في أجراسها متفاوتة وفيه أيقاعها متباية ، وكذلك الكلمات بعضها أسهل وأخف على طبقات الأذن من بعض ، وليس في القرآن الكريم تنافر للحروف ولا للكلمات ، ولا ركاكة في الأساليب والتعبيرات ، ولذلك لا يمل سماعه ، ولا يسأم من تلاوته وتدبره ، قال ابن حجر رحمه الله مبينا المقصد من تزيين القرآن بالأصوات : ((فأحال صلى الله عليه وسلم على الأصوات التى تتزين بها التلاوة فى الأسماع، لا الأصوات التى تمجها الأسماع لإنكارها ، وجفائها على حاسة السمع، وتألمها بقرع الصوت المنكر)) .
3- ويعين على تذوق حلاوة المسموع :
و قال الشيخ عبد العظيم الزرقاني رحمه الله : (( ذلك أنك إذا استمعت إلى حروف القرآن خارجة من مخارجها الصحيحة ، تشعر بلذة جديدة في رصف هذه الحروف بعضها بجانب بعض في الكلمات والآيات ، هذا ينقر ، وذاك يصفر ، وهذا يخفى ، وذاك يظهر ، وهذا يهمس ، وذاك يجهر ، إلى غير ذلك مما هو مقرر في باب مخارج الحروف وصفاتها في علم التجويد ، ومن هنا يتجلى لك جمال لغة القرآن حين خرج إلى الناس في هذه المجموعة المختلفة المؤتلفة الجامعة بين اللين والشدة والخشونة والرقة والجهر والخفية على وجه دقيق محكم )) .
وأخيرا :
تلك بعض جوانب الجمال ومظاهره في القرآن الكريم في حروفه وكلماته ومعانيه ، يدركه من له أدنى ذوق أو معرفة بجماليات المعاني والمحسوسات . وفي الحلقة القادمة سنتناول مظاهر الجمال في القرآن الكريم ، مع التركيز في مقاصد ذكر الجمال بأنواعه وألوانه كمدخل للتأثير في النفس الإنسانية ومخاطبة الروح والوجدان بلسان الإيحاء والأسلوب العاطفي .