السبت 20 أبريل 2024 12:21 صـ 10 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    القرآن الكريم رؤية جمالية ( 2 )

    رابطة علماء أهل السنة

    من مقاصد القرآن في عرض مظاهر الجمال .


    هناك مقاصد جليلة وغايات عظيمة في عرض القرآن لمظاهر الجمال والزينة ، وتناولها من زوايا متعددة ونواح مختلفة ، وليس في القرآن الكريم شيء زائد عليه يصح أن يوصف بأنه من الحشو أو من فضول الكلام ، ذلك لأن الله تعالى عليم حكيم ، لا يعزب عن علمه مثقال حبة ، ولا يقول شيئا عبثا أو لغوا سبحانه وتعالى ، والحديث عن الجمال حديث عن صفة الله تعالى وتجلياته في الكون والحياة ، وهو خطاب للعاطفة والوجدان ، يهيج المشاعر ، ويرهف الأحاسيس . 
    ولعل من أجل مقاصد القرآن الكريم وأعظم غاياته في عرض مظاهر الجمال ما ياتي : 

    1-  الدلالة على عظم قدرة الله تعالى . 

    إن كل صنعة تدل على صانعها ، وأي صفة في المصنوع تعكس مثلها في من صنعها ومنحها تلك الصفة ، ولا شك أن ما في هذا الكون وهذه الحياة من حسن وجمال ، ودقة وترتيب ، ولطافة وإعجاز ، ليدل على عظمة قدرة الله تعالى ، وكمال علمه ، وحكمته سبحانه وتعالى ، ولا عجب في أن نجد كثيرا من الآيات الكريمات التي تصف جمال هذا الكون وهذا الحياة مختوما ومزيلا بذكر تلك القوة المبدعة والخالقة والفاطرة ، ومن الأمثلة والشواهد على ذلك ما يلي : 

    -  جمال خلق السماوات ودلالته على عظمة الله وقدرته. 


    قال تعالى { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }   . 

    تدبر ! : 

    فقوله تعالى {تبارك} : أي تعاظم وتعالى ، {الذي بيده الملك} : أي (( بيده ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما نافذ فيهما أمره وقضاؤه )) ، {وهو على كل شيء قدير} : وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة لا يمنعه من فعله مانع، ولا يحول بينه وبينه عجز ))   ، ومن آيات عظمته ودلائل قدرته سبحانه وتعالى ما أودعه في هذا الكون من البهاء والحسن والكمال. 
    وقوله تعالى { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } ، (( هو العزيز العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره ))   ، ومن عظمته ما ينشئه في هذا الكون والحياة من مخلوقات عظيمة في ذواتها وصفاتها ، لا يقدر عليها غيره سبحانه وتعالى ،.
    و قوله { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا } أي : (( مطبق بعضها عَلَى بَعْض))   ، { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ } أي : (( لا ترى فيما خلق تفاوتا ينافى آثار الحكمة ولا يدل على كمال القدرة))   ، { فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } : (( أي هل ترى فيها فروجاً أو صَدُوعاً ))   ، وقوله { ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } ، أي (( ثم ارجع البصر كرتين أي: رجعتين مرة بعد مرة... ،  { ينقلب إليك البصر خاسئا أي: يرجع إليك البصر ذليلا صاغرا عن أن يرى شيئا من ذلك، وقيل: معنى خاسئا: مبعدا مطرودا عن أن يبصر ما التمسه من العيب ، ... { وهو حسير }  أي: كليل منقطع ))   .
     يقول سيد قطب رحمه الله   (( وهذه النظرة الحادة الفاحصة المتأملة المتدبرة هي التي يريد القرآن أن يثيرها وأن يبعثها ، فبلادة الألفة تذهب بروعة النظرة إلى هذا الكون الرائع العجيب الجميل الدقيق، الذي لا تشبع العين من تملي جماله وروعته، ولا يشبع القلب من تلقي إيحاءاته وإيماءاته ولا يشبع العقل من تدبر نظامه ودقته))   . 


    -  جمال خلق الإنسان ، وعجائب القدرة الإلهية في أطواره التكوينية ، ودلالة ذلك على عظمة الله تعالى وقدرته. 


    وقال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }   .

    تدبر ! :
     
    فقوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ } : (( وهو آدم عليه السلام خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون ))   ، وقوله { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً }  أي خلقنا سائر بني آدم من نطفة المني ، وأودعناه { ِفي قَرَارٍ مَكِينٍ } : (( يعني الرحم معد لذلك مهيأ له ))   ، وقوله { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً } أي : ((ثم خلقنا النطفة علقة ... فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة ))   ، وقوله { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا } : ((يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين ، بعظامها ،  وعصبها ، وعروقها))   ، وقوله { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } : ((أي ثم نفخنا فيه الروح ، فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر ، وإدراك وحركة واضطراب  ))   ، وقوله تعالى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } : (( يعني حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النطفة من حال إلى حال ، وشكل إلى شكل ، حتى تصورت إلى ما صارت إليه من الإنسان السوي الكامل الخلق ))   ، و قوله : { فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ} : وليس هناك من يخلق سوى الله ، فأحسن هنا ليست للتفضيل، إنما هي للحسن المطلق في خلق الله ... ))   . 
    ولا شك أن هذا الخلق البديع والتصوير الحسن للإنسان في جميع أطوار تكوينه لمن أكبر دلائل عظمة الله تعالى وقدرته ، ولا يملك أحد أمامه إلا أن يخر ساجدا ، ويقر معترفا بأن الله على كل شيء قدير وأنه أحسن الخالقين ، ولا شيء أحسن وأبهى من خلقه . 

    معشر القراء الكرام .

    تلكم جولة سريعة حول أهم مقصد من مقاصد القرآن الكريم في ذكر الجمال والزينة ، نتأملها في لوحات جمالية رائعة وبديعة معارض الجمال في كتاب الله تعالى . 
    وإلى الحلقة القادمة بإذن الله تعالى . 

    القران الكريم رؤية جمالية

    مقالات