الخميس 18 أبريل 2024 06:13 صـ 9 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    عام 2016.. وتركيا التي يكرهون

    رابطة علماء أهل السنة

    لازال الإرهاب المتنقل الذي يضرب المدن التركية يعبث بأمن واستقرار هذا البلد، كاشفاً عن الوجه الحقيقي لداعمي تيارات التطرّف من "داعش" للكيان الموازي وصولاً للأحزاب اليسارية الكردية المتخفية تحت شعارات الحقوق المسلوبة للشعب الكردي العريق.


    لكن المفارقة الحقيقية التي بدت جلية وبوضوح، انكشاف الوجه الحقيقي لداعمي تلك العصابات المتوحشة الخارقة لحدود الأخلاق والقيم.


    لقد كان عام 2016 عام المكاشفة الحقيقية للعبة الكبرى التي أدارتها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي ستخرج بعد أيام من البيت الأبيض، مخلفة وراءها أزمات المنطقة وإجهاض ممنهج لثورات الربيع العربي الذي دعمته تركيا وقطر، وسط تآمر عربي يقوده تيار الثورات المضادة المدعوم أمريكياً بغطاء إيراني وسكوت أوروبي، وتمويل من جيوب الشعوب العربية نفسها، من خلال أنظمة شغلها الشاغل الحفاظ الدائم على ركائز الإستبداد وفرض القمع ودفن روح الديمقراطية لدى الأمم .
     

    لقد أزعجت تركيا قوى العالم الكبرى بعد تحولها من دولة ثانوية في المنطقة إلى دولة تفرض نفسها وبقوة على أزمات الإقليم المشتعل، والتي حاولت إطفاء أتونها، في حين عملت دول العالم على استنزاف المنطقة وضرب مقدراتها وتحويلها لدول متهاوية على كل الصعد.


    إنتقلت تركيا إلى مصافي دول العالم، في حين قبلنا نحن العرب خيار الإستنزاف، الذي فرضته علينا الولايات المتحدة واستفادت منه إيران وجماعاتها في الدول المتعثرة في ربيعها.


    لقد فهمت تركيا منذ بداية 2016، وبصريح العبارة، أن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدة لتطويق التمدد التركي، الذي يسعى لتضميد الجرح النازف على خاصرتها السورية والعراقية، من خلال ممارسات حلفاء الولايات المتحدة في العراق، والرفض غير المبرر لمشاركة تركيا في معركة الموصل، فضلا عن الطلب منها سحب قواتها المتمركزة  في بعشيقة العراقية، وهذا دليل واضح لصد أي تقدم تركي لمواجهة مجازر طائفية قد تحصل لسنة العراق.


    وازداد يقين تركيا بذلك، من خلال رفض التحالف الدولي التي تتزعمه أمريكا وتوابعها في أوروبا، إعطاء ضمانات بمحاربة الأحزاب الإرهابية الكردية التي بات لها مكاتب ومخيمات في عدد من دول "العالم المتحضر"، ما يعني أنها حرب معلنة على تركيا بجميع مكوناتها الوطنية والقومية.


    لكن الشعرة التي قسمت ظهر البعير هو التورط الواضح المثبت لإدارة البيت الأبيض بمحاولة الإنقلاب الفاشلة التي تعرضت لها تركيا في ١٥ من تموز، من قبل الكيان الموازي بزعامة فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والتي خاب أمل المطبلين لها والعازفين على ألحان التخلص من حكم "العدالة والتنمية" ومن مؤسس الجمهورية الحديثة، رجب طيب أردوغان.


    إن المتابع للتحركات والتصريحات الأولية الأمريكية والأوروبية يعي أن هؤلاء جميعاً ومعهم عربان الثورات المضادة العربية ينتظرون يوم غرق تركيا بالدماء وتحويلها لدولة يقتل أبناؤها بعضهم البعض، كما استطاعوا أن يفعلوا في دول شتى قريبة من الحدود التركية.


    لقد فهمت تركيا أن أوباما وإرهابيي ربطات العنق ممن يسبحون بحمده، يريدون إلغاء دور أنقرة من الخارطة السياسية، وهي التي استطاعت أن تكون مهداً ومحضناً لكل الهاربين من سوط الاستبداد وإرهاب الأنظمة الشمولية الرافضة لتحرر الشعوب.


    في خضم كل ذلك، تجد تركيا اليوم أن تقاربها مع روسيا بات أكثر أهمية من ربطها لمصير حل الأزمات العالقة بصحوة الضمير الأميركية والأوروبية غير المعول عليها في أي زمن ومع أي إدارة أمريكية أخرى.


    لقد فهمت تركيا أن مفتاح الحل هو تفاهم ثنائي صريح مع روسيا يبدأ في سوريا بوقف لإطلاق النار وطرد لداعش وحصرها في مكان واحد يسهل بعدها إنهاء هذا التنظيم وإعادة رسم شكل جديد للنظام في سوريا، يحفظ حقوق الأقليات ويعيد الأمور لنصابها بعودة الشعب السوري لإعمار ما خربه الأسد وعصاباته الطائفية .


    لكن الأمريكيين المراهنين دوماً على فرض توازن للقوى يستنزف المنطقة وشعوبها فهموا أن أي اتفاق روسي تركي سيجعلها خارج المعادلة، فبدأوا ‫يسابقون الزمن لتدمير تركيا، لكن وعي الشعب ووقوفه مع حكومته عند محاولة الإنقلاب صدمهم، فعمدوا إلى تغيير الخطة بإستهداف أمن تركيا لإظهار الحكومة بصورة المقصرة أمام الشعب.


    لقد حركوا أذرع اﻹنقلاب التي لا زالت تعمل  وتخرب لإشغال الأتراك عن إكمال نهضتهم، مستخدمة متطرفي الجهل والتخلف، كان آخر فصول مسلسلهم استهداف أحد النوادي الليلية في إسطنبول ليلة رأس سنة 2017.


    يقول أستاذ الأخلاق السياسية في جامعة قطر، محمد مختار الشنقيطي، في تغريدة له على موقع تويتر أن "الجهالة تُغني عن العمالة".. لكنها اليوم تجتمع مع بعضها من خلال جهالة المتطرفين وعمالة قادتهم للقوى الكبرى التي تعمل ليل نهار على تدمير .تركيا وضربها وإيقاف تلك النهضة غير المسبوقة.


    ‏نقولها وبصراحة ودون حياء، أنه ثمة قوى دولية حريصة على إشغال ⁧‫تركيا‬⁩ وإشغالها، من أجل إعاقة نهضتها وتقييد قرارها ووقف تلك الجهود المبذولة لإيقاف حمام الدماء في سوريا.


    إن تلك القوى باتت تعلم أنه إذا نجحت تركيا في حل  القضية السورية، بعد أعوام القهر والإجرام التي عاشها الشعب السوري على يد النظام هناك، فإنها ستصبح قادرة بشكل أكبر على حل ملفات أخرى، ما يعني وقف الاستثمارات السياسية لتلك القوى في منطقتنا.


    لقد فهمنا اليوم أكثر من أي يوم آخر، أن الغلاة مجرد أداة في لعبة أكبر منهم، ولكنهم قوم يجهلون.


    كتبت يوماً على صفحتي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تدوينة تحت عنوان "شكراً تركيا"..


    شكراً⁧‫‬⁩..‬ ‫ليس لأجل ما تقدمينه من صورة جميلة لنهضة المجتمعات والتقدم العلمي والممارسة السياسية الأكثر نضوجاً في محيطنا التائه الضائع والتجديد الفكري والديني المستمر رغم لغة الإلغاء الطائفية...‬ ولكن شكراً لأنكِ فضحتي قصورنا في خدمة أوطاننا وتمترسنا خلف الشاشات للتنظير والتكفير والعيش على سخافات الماضي وتحويل الجهالة لمقدسات لا يمكن الحديث عنها.


    شكرا تركيا.. على أمل أن نستفيق من حلم السيوف التي نعيش على أصواتها في عالم يغزو الفضاء ويدمر المدن بكبسة زر.

    تركيا أمريكا الإرهاب

    مقالات