الأربعاء 24 أبريل 2024 04:00 مـ 15 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    معركة الاستنزاف

    رابطة علماء أهل السنة

    أدى انهيار مقومات الدولة القُطرية التي أرست "سايكس بيكو" قواعدها إلى انتفاضة الشعوب، وتساقط الأقنعة، واتساع مساحة الوعي.

    وعلى إثر هذا فكان أمام الشعوب أحد مسارين.

     الأول: أن يتجهوا مباشرة نحو التحرر، فتلتئم جروحهم، وتتنامى قوتهم، وتتعاظم وحدتهم ، فينطلقوا لصناعة واقع جديد يفرض نفسه، ويُحدث تغييراً في المعادلة الدولية ، ولن أنسى هنا ميدان التحرير في الجمعة التالية لخلع مبارك، حيث كان صوت الثوار يزأر في كل الأنحاء: على القدس رايحين شهداء بالملايين !

    وكان شباب  دول الجوار الفلسيطني في ذكرى النكبة عقب الثورة مباشرة يهددون بالا نقضاض على الصهاينة، وتحرير الأقصى وفلسطين، وأضحت غزة قبلة للأحرار من كل الأقطار!!

    ولكن تم الانقضاض على هذا المسار، فوئدت الثورة قبل نضوجها. وتوالت عليها الضربات من كل حدب وصوب، حتى أفقدتها وعيها، وأضحى الناس يتحسسون أنفاسها ويتسائلون: أخرجت روحها، وحانت منيتها، أم مازالت النار تحت الرماد تنتظر اشتعالها ؟

    المسار الثاني: صناعة بؤر للاستنزاف ، وبالفعل صُنعت للأمة بؤر استنزاف لتضعف قوتهم، وتشتت شملهم ، وتطفىء الأمل في نفوسهم .

    فكان هذا المسار هو خيار المنظومة الدولية، حيث عمدت إلى صنع بؤر استنزاف لتتخلص من تلك الروح الجديدة التي نبتت في الأمة على حين غفلة منهم؛ فانطلقت حرب الاستنزاف ، بصناعة الحروب، وحشد أدوات المكر، وإيقاد النار في كل مكان، ليستمر الصراع سنوات عجاف. وهدفهم الكبير يتمثل في تدمير القوى المجاهدة في الأمة، واستهلاكها مالياً وبشرياً ونفسياً، مع تدمير كامل للبنية التحتية للإنسان والبنيان، والتطلعات والأحلام، وتقطيع أواصر المودة بين الشعوب، وتغييب الرواد، ونشر الإلحاد، وهدم الثوابت وصناعة الجهل، وتجفيف منابع الخير في كل مكان.

     

    فكانت بؤرة الاستنزاف السوري نموذجاً ناجحاً تحققت فيه كل خططهم ، وأضحت أكبر بؤرة استنزاف في المنطقة ، ويكفي أن نعلم أن الأموال التى أٌنفقت، فيها، والأرواح التي أزهقت، كانت تكفي لتحرير المنطقة كلها وليست سوريا فحسب!!

     

    وكانت بؤرة الاستنزاف الليبية محر قة جديدة ، حيث اٌضرمت نيران حرب داخلية، وقودها ليبي، وأدواتها ليبية، وقاتلها كمقتولها من مكونات الشعب الليبي، كل ذلك لمحو هويتها، وتفتيت وحدتها وإهدار ثروتها .

    ثم صُنعت بؤرة أخرى في اليمن، شارك فيها الجميع، وتورط فيه العدو والصديق،، وتهاوت فيها قيم اليمن السعيد، وأضحت مسخا يزداد كل يوم شحوبا وانحدارا، ولا يُراد له أن يستقر على حال وإنما هي منظومة استنزاف مستمرة تعرف ماذا تريد .

    واعتقد أن العراق قد أنهكه الاستنزاف، فآحاله في سنوات عجاف إلى أثر بعد عين، وعوز بعد غنى، ومقبرة جماعية لشعب  وحضارة وأمة!!

    وهي نفسها بؤرة الاستنزاف المصرية، التي أهدرت كل مقومات التميز المصري القديم، سواء تلك اللحمة الاجتماعية المتينة ،أو تلك المكانة الفكرية السامقة، او تلك الريادة العلمية المبهرة، أوذاك الأمان النفسي الذي كان مضرب الأمثال، أو تلك القوة العسكرية التي كان لها في النفوس مكاناً ومقاماً، فماذا بقي في مصر؟! لم ينجح أشباح الاستبداد في شيء، ولن يسمح للشعب أن يتخلص منهم بسهولة، لتستمر معركة الاستنزاف وتفقد الأمة في كل ساعة ما تحتاج إلى شهور لإعادته، حتى يأتي اليوم الذي يخرج فيه الناس ليبحثوا عن احتلال أجنبي يخلصهم ، أو حماية دولية تستعبدهم، أو يبحثوا عن وطن آخر يؤيهم !!

    ولا تزال حرب الاستنزاف قائمة فهل إلى مرد من سبيل؟

    أليس قاتل هذه الأمة وصانع بؤر استنزافها عدو واحد وإن تعددت أسماؤه؟

    أليس الاستمرار في معركة الاستنزاف دون إعادة النظر في الوسائل والأساليب والأهداف درب من الجنون؟

    أليس في الأمة من يدرك طبيعة الصراع فيغير مساره، ويصنع له ميدانا جديداً؟

    أليس هناك في الأمة من الراشدين من يدرك أن العودة إلى العمل الأممي، ووحدة إدارة الصراع قد يفتح باباً من الأمل، ويعيد اكتشاف الطاقات، ويستثمر  ماتبقى من إمكانات؟

    هل يمكن ان تُنشىء تلك المحنة وعياً جديداً بوجوب وحدة الأمة في آمالها وآلامها، وحاضرها ومستقبلها، فتُخرج تلك المحنة من بين الركام أمة فتية جديدة، في بعث جديد وقيامة جديدة ؟

     هل يمكن أن تنجح الشعوب فيما فشلت فيه الأنظمة، فتجمع صفوفها، وتستجمع طاقتها، وتبعث في الأمة روحاً جديدة، وفكراً جديداً، ورابطة صادقة، وجيلاً أنضجته المحنة، وصنعته الأحداث؟

    وأخيراً أسال: هل نحن على أبواب الدخول في التيه الكبير أم نتأهب للخروج من غياهب ظلماته؟ فنتحسس باب الخروج، ونتلمس سُبل العودة، على أضواء النيران المشتعلة في أجسادنا، لنرى بها الأشياء على حقيقتها؟

     

    سايكس بيكو الأمة الاستنزاف معركة

    مقالات