الثلاثاء 16 أبريل 2024 03:23 مـ 7 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الذكر عبادة اجتماعية

    العلاّمة الشيخ : محمد الغزالى
    العلاّمة الشيخ : محمد الغزالى

    كثيراً ما تُختم آيات القرآن الكريم بعددٍ من أسماءِ الله الحسنى، يُناسب ما يقارب معناها من أفعال العباد، والسرُّ في ذلك إشعار الناس بأنَّ رقابة الله لا تنفكُّ عن تصرفاتهم مهما اختلف مجالها، وإنَّ إشراق المعرفة الإلهية لا ينحصر في صومعة نائية أو محراب خاشع، بل يجب أن يصحبَ المؤمنَ في عشرات الأعمال التي ينغمس فيها كل يوم، يقول الله تعالى: [وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ] {البقرة:211}. إنَّ الجملةَ الأخيرة جيء بها مُغنية عن جواب الشرط، وهو (يتعرَّض للعقوبة)، والاستغناء عن هذه الكلمة بذكر اسم الله مَقروناً بإحدى صفاته، رجع بالمؤمنين وأعمالهم إلى ضرورة الإحساس بإشراف الله عليهم إشرافاً غير منقطع، ولذلك يجب أن يحذروه.

    ويقول الله تعالى: [وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {الأنفال:49}، والجملة الأخيرة جاءت مُغْنية عن جواب الشرط وهو (يظفر بالحماية والمنعة)، ومُواجهة النفوس القلقة باسم الله مَقرونا بأوصافه المثيرة للطمأنينة والثقة إشارة إلى أنَّ المسلم في شتَّى أحواله ينبغي أن يركن إلى من هذا شأنه.

    (الإحسان أن تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه): اعبده على هذا النحو وأنت تُقيم حدَّ السرقة شاعراً بأنَّ الله يُريد إشاعةَ الأمان في الناس وأخذ المجرمين بالنكال فذلك مُقْتضى حِكْمَتِه: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] {المائدة:38}، ورؤية الله في ساحة المحكمة حين يُقام هذا الحدُّ هي رؤية الله في المسجد حين تُقام له الصلاة.

    تأمَّل في الأسماء الحسنى التي خُتمت بها هذه الآيات النازلة في بعضِ مُشْكلات الأسرة: [لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] {البقرة:227}، إنَّ الرجل قد يَضيق بامرأته، ويحمله السخط أن يحلفَ على اجتنابها، وتجد القرآن يُعَالج هذه الأزمة علاجاً يَبْدأ بالرقة وينتهي بالحزم. يقول للزوج إن عَفَوت عن زوجتك، واغتفرت ما ساءكَ منها فإنَّ الله غفور رحيم. وفى التذكير بهذين الاسمين من أسماء الله الحسنى ما يُشيع جوَّ الحنوِّ والتسامح في البيت المضطرب. ثم يقول: وإن كانت الأخرى، وتقرر الطلاق، فإنَّ الله سميع عليم. إنَّه غير بعيد عما يقع، عارفٌ بما يَصنع الزوج والزوجة.

    وفي التذكير بهذين الاسمين من أسماء الله الحسنى شيء من إقامة السلوك على الحذر والروية.

    والقرآن الكريم مَشحون بمئاتٍ وآلافٍ من هذه الآيات التي تَغْرس جذور الإحسان في القلوب، وهي تعالجُ كل ما يعرض لها في الحياة من أعمال.

     والخلاصة التي نريد توكيدها: أنَّ العبارة الواردة في الحديث الشريف وهي: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك) ليست وصفاً لشخص يصفُّ قَدَمَيه للصلاة، أو يلهجُ لسانه بالذكر فحسب. إنما هي وصف لإنسان يُقيمُ أوامرَ الله كلها، في شؤون الحياة كافَّة.

    ومجال الإحسان رحب الدائرة، حدوده وظيفة الإنسان في الحياة من المهد إلى اللحد.

    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

    من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام

    مقالات