الخميس 25 أبريل 2024 02:38 صـ 16 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    وداعاً أيها الراحل العظيم!

    رابطة علماء أهل السنة

    وداعاً أيها الراحل العظيم!

    د/عناية الله أسد سبحاني

    رحل المرشد السابع لجماعة الإخوان المسلمين/فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف إلى رحمة ربه قبل أسبوع. رحل يوم الجمعة الموافق 1محرم 1439ه الموافق 22 سبتمبر 2017م

    وكان من قدر الله أنه رحمه الله وُلد في العام الذي وُلدت فيه حركة الإخوان المسلمين في مصر، وهو عام 1928م. وذلك تقدير العزيز العليم.

    فأحبها رحمه الله منذ صغره، ولازمها منذ عنفوان شبابه، وأرواها بدموعه ودمائه، ونمّاها بأحلامه وطموحاته، وقوّاها بقُدُراته ومهاراته، وبذل لها كل ما تملك يداه من رخيص وغال، وتحمل في سبيلها ما لا يتحمله إلا أفذاذ الرجال.

    فكانت حياته حياةشامخة حافلة بجلائل الأعمال، وعظيم البطولات.

    إنه رحمه الله سُجن وعُذب على أيدي الطغاة أكثر من مرة.

    سُجن وعُذّب لتفانيه في الدعوة، ولتفانيه في أعمال الحركة.

    إنه سُجن وعُذّب في عهد الملك فاروق، ثم سجن وعذب في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم سجن وعذب في عهد حسني مبارك، ثم سجن وعذّب في عهد السفيه السفاح عبد الفتاح السيسي، لعنهم الله جميعا، وأذاقهم وبال أمرهم.

    فما فلّوا له صفاة، ولا قصفوا له قناة، وكان مضرب المثل بين أقرانه وزملائه في صبره وصموده، وسموّه وشموخه.

    إنه رحمه الله منذ أعوام قد وهن عظمه، وشاب رأسه، فقد بلغ من الكبر عتيا، وكانت تكالبت عليه الأمراض، وتواطأت عليه الأوجاع، ودبّ فيه السقام سفلا وعلوا!

     وفي الآونة الأخيرة قد هدّته الأسقام هدّاً وضعضعته حتى عجز عن أن يتحرك بنفسه من مكانه، وعجز عن أن يرفع لقمة من طعامه إلى فمه، وكان أحوج ما يكون إلى من يساعده ويرعاه، ويقيمه ويقعده، ويطعمه ويسقيه.

    وكانت تصرخ نجلته الكريمة علياء عاكف منذ شهور أن أباه الحبيب الغالي يعاني من أمراض الموت، وهو بحاجة ماسة إلى رعاية طبية عاجلة مكثفة، وبحاجة ماسة إلى من يخدمه ويساعده ويسهر عليه!

    ولكن هؤلاء الأعداء- أعداء الشرف والمروءة والقيم- كانت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، فلم يرقّوا لصراخها، ولم يعطفوا على أبيها، ولم يرقبوا فيه إلّا ولا ذمّة، وتركوه في سجنه بدون علاج ولا طعام، وبدون خدمة ولا رعاية، حتى وافته المنية في السجن بعيدا عن أهله وأولاده، وبعيدا عن إخوانه وزملائه، ولم يكن بجانبه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، من يقرّ عينه ويواسيه، ويدخل البهجة في قلبه، ويهوّن عليه سكرات الموت!

    ولا نقول شططاً إذا قلنا إن موت المرشد العام لم يكن موتا طبيعيا، وإنما كان قتل العمد من غير شك، وسيحاسب الله الظالمين المجرمين يوم القيامة، وسيجازيهم جزاء وفاقا.

    وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(سورة إبراهيم: 42)

    وكان ضغثا على إبالة أن الظالمين المجرمين لم يشف صدورهم ما فعلوا به في حياته، فأرادوا التشفي من جثمانه بعد مماته. واحتجزوه عندهم، ولم يسلموه إلى أهله، ولم يسمحوا لأحد أن يقترب منه، وحظروا أن تقام عليه صلاة الجنازة في أي مكان من أرض الكنانة!

    حقد أيّ حقد! وضغينة أيّ ضغينة! وغباء أيّ غباء! ونذالة أيّ نذالة!

    وإذا كان نظام الانقلاب الغادر يحقد عليه وعلى أبناء مصر حقدا، فقد كان المرشد العظيم رحمه الله يملؤه النصح والمودة لأهل مصر، وكان يقول: إن هؤلاء الطواغيت يريدون بظلمهم وطغيانهم أن يجرّونا إلى الحرب، ولكننا لن نفعل ذلك، فدماء المصريين غالية!

    وقال في آخر رسالة نقلتها نجلته علياء عبر صفحتها على فيس بك يوم 7 يناير، كانون ثان الماضي: أنا مش خايف (لست خائفا) من الموت، أنا خايف (أخاف) على مصر!

    وتروى مثل هذه الكلمات عن المرشد الحالي فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع، وتروى عن الرئيس الشرعي المنتخب فخامة الدكتور محمد مرسي حفظهما الله وحماهما من كل كيد ومن كل شرّ، وهي كلمات لامعة خالدة تستحق أن تكتب بماء الذهب!

     عودوا إلى رشدكم يا أهل مصر، وانظروا إلى هذه النصيحة والمودة. نصيحة ومودة من ناس مسجونين ومعذبين بغير حق! نصيحة ومودة لقومهم الذين انقلبوا عليهم، وظاهروا عليهم أعداءهم!

    تلك من أخلاق الأنبياء ومن شيم المرسلين، حيث كان يؤذيهم قومهم، ويسخرون منهم، وهم يذوبون حسرة عليهم، ويقولون:

    أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(سورةالأعراف: 62)

    إن هؤلاء الطواغيت الذين احتجزوا جثمان المرشد، وحظروا الصلاة عليه،لم يدركوا أن المرشد العظيم حينما فاضت روحه الطاهرة، لحق بالنبيين والصديقين، ولحق بأصحابه البررة الصالحين، الذين سبقوه إلى ربهم، وإذا لم يتمكن من الصلاة عليه أصحابه وتلاميذه في أرض مصر، فقد صلّت عليه ملايين المسلمين صلاة الغائب في كثير من بقاع العالم، وصلّت عليه الملائكة المكرمون في أرجاء السماء!

    وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ!

    اللهم إنا نشهد أن عبدك محمد مهدي عاكف كان يحبك، ويحب دينك، ويحب كتابك، ويحب رسولك، وكان يسعى سعيه لإظهار دينك وإعلاء كلمتك، وقد استشهد أخيرا في سبيلك في سجون الطغاة، فأكرم نزله، ووسّع مدخله، وأدخله في عبادك الصالحين يا رب العلمين. وأكرمه بخير ما تكرم به عبادك المتقين المجاهدين.

    وداعاً أيها المرشد الكريم! وداعاً أيها الراحل العظيم!

                                  ***                   ***

    مهدي عاكف الاخوان المرشد العام

    مقالات