الخميس 25 أبريل 2024 05:02 مـ 16 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    كأس العالم علمني

    رابطة علماء أهل السنة

    قدر الله أن أزور خلال الشهر الماضى أكثر من دولة فرأيت لغاتهم متنوعة، واهتماماتهم متباعدة، وألوانهم مختلفة، ولكني وجدت القاسم المشترك بينهم الاهتمام البالغ بكأس العالم !!
    فقلت: إن صناعة قضية يؤمن بها الجمهور ويلتف حولها الناس وتضحي من أجلها الشعوب هو مفتاح النجاح. 
    فقد استطاعوا أن يجعلوا من اللعب قضية دولية، ومن اللاعبين رموزاً ونجوماً، ومن الملعب ساحة مقدسة لها المهابة والمكانة.
    في الوقت الذي لم نستطع أن نجعل من قضايانا الكبرى قضية جماهيرية كاملة، ولا من مقدساتنا المحتلة ،ولا من دمائنا المراقة بغير حق ،ولا من آلامنا القصوى، ولا من أموالنا وأعراضنا المنتهكة قضية!!


    ـ رأيت الحرص على حضور المباريات في وقتها دون تأخر فأدركت أننا نحتاج إلى إيمان بالصلاة والزكاة كإيماننا بوقت المباريات ، وتركيز كامل  في العبادات كتركيزنا الكامل  في المباريات، وتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلّم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله  ( ورجل قلبه معلق بالمساجد) فأدركت الفارق.


    ـ رأيت أن يوم المباراة يوماً للحصاد وليس يوما للأمنيات، يوماً لجني ثمار تدريب شاق ،وخطة خبير محكمة، وصراع تملّكت أدواته، وأحطّت بمعلوماته، وأدركت إمكاناته ، فلم ُتفاجأ بمكر منافسك، ولابطش مهاجمك ، بل أعددت لكل أمر عدته.


    ـ رأيت أن الجمهور لايُستغنى عنه في هزيمة ولا نصر، فبه تعلو الهمة وتزداد القوة و تعود الروح وثابة ، ففي الهزيمة دافع للانطلاق وداعم للتعويض، وملهم للإبداع ، ومساند للإنجاز، وفي النصر تكون فرحته الجائزة وسعادته بمثابة النياشين والأوسمة.


    ـ رأيت صدق الانتماء، فمن يشجع فريقاً يحزن لحزنه، ويفرح لفرحه، ويهتم بأمره، ويرفع علمه ويتحلى بزيه، ويتلقف كل خبر عنه، ويبحث تفاصيل نجومه، وتاريخ نجاحه وانجازاته، في الوقت الذي رأيت فيه من ينتمون للإسلام ولايهتمون بأهله، ولا يعرفون فرضه من نفله، ويحاربون رايته، ويعادون علماءه ورموزه، ولايعلمون تاريخه وانجازاته ورجاله!!!


    ـ رأيت أن الدفاع لايصلح بلا هجوم، والهجوم لايصلح بلا نجوم وكلاهما لايصلح بلا حارس قوي أمين، وجميعهم لايصلح بلا خط وسط يكون حصناً للأمان ومصدراُ للدعم ، وضمانا للتوازن والتماسك.
    فقلت أين دفاع الأمة عن دينها، ومقاومتها لأعدائها، وحراستها لعقيدتها، وحرصها على رابطة مجتمعها ووحدة صفها!!


    ـ رأيت أن التخصص معلماً للنجاح، فلم أرى مدرباً ينزل للعب، ولا حكماً يحرز أهدافاً، ولا حارساً يترك مهمته، ولا مهاجماً يغفل عن هدفه، ولا مدافعاً يتآمر مع خصمه .
    فقلت أين استثمار الأمة لطاقاتها المبدعة، وتوجيهها لإمكاناتها المتنوعة، وأحترامها للخبرات العميقة والتخصصات الدقيقة!!!


    ـ رأيت أن الهزيمة في مباراة أو حتى الخروج من المنافسة لا يعني نهاية العالم، ولا يعني أن يظل الفريق حبيساً لأحزان الفرص التي ضاعت، والأيام التي كانت، ولكنه سرعان مايُعد بكل حماس للقاء قادم، ويسعى بكل أمل لنتيجة أفضل، وفي ترقب لفرصة سانحة.
    فقلت ألم ندرك أن المسلم لايخلوا من أحد حالتين: إما أن يكون في مواجهة مباشرة مع خصومه المعتدين، أو في إعداد كامل للتضحية عند الضرورة بكل غال وثمين.


    ـ رأيت أن الفرق التي هُزمت تخلصت على الفور من مدربيها مهما كانت أسماؤهم، وأنهت عقود المدراء مهما كان تاريخهم، واستغنت عن لاعبين مهما كانت انجازاتهم، ودرست أسباب هزيمتها دون تدليس، واعترفت باخطائها دون صلف، وأعدت  أشبالها لانطلاقة جديدة دون ملل.
    فقلت لم أرى أحدا يسمي الفشل نصراً غيرنا، ويستمسك بقيادته كلما زاد فشلها سوانا، ويعض بالنواجذ على من تسببوا في الهزيمة كحالتنا، ويستغني عن أشباله الواعدين ونجومه المرتقبين لحساب من لم يحرزوا هدفاً إلا في أنفسهم، ولم يشنوا هجوماً كاسحاً إلا على من ينتقدهم، ولم يكونوا أسوداً مغاوير إلا على أهلهم!!


    أخيراً أقول : إن الأهداف بعد انتهاء المباريات لا قيمة لها، والارتكان إلى أخطاء الخصم دون إعداد لانتهاز الفرص بلاهة، والرهان على الوقت الضائع لايصنع نصراً، والارتكان على كثرة الجمهور لايحقق فوزاً، والبكاء بعد صافرة النهاية لايجدي نفعاً، واللعب بالمصابين جريمة، والمفاجئة بقوة الخصم حماقة.

    كأس العالم علمني مدرب حارس دفاع هجوم المونديال

    مقالات