الجمعة 19 أبريل 2024 09:16 صـ 10 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    حتى أنت أيها البكّاء..عن المغامسي أتحدث

    رابطة علماء أهل السنة

    قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أمّتي أحدٌ فإِنَّه عمر).
    ونحمد الله أن عمر لم يشهد إمام الحرم المكي الشيخ السديس، وهو يجعل ولي العهد السعودي في مَصاف المُحدثين المُلهمين أمثال عمر، إذ جعل منبر الحرم - الذي يُعد منبرًا للأمة يخاطب من خلاله المسلمين جميعا - منصة يروج منها لسياسة ولي العهد والذي وصفه بقوله "الشاب الطموح المُحدَّث المُلهم".


    ولكن يبدو أن علماء المملكة يأخذ كل منهم مكانه على مقاعد التطبيل، ويسعى جاهدًا لتفصيل الفتاوى وتطويع النصوص للتبرير لجرائم النظام، وكان هذه المرة الشيخ البَكّاء الذي فتّت قلوب المشاهدين برقة قلبه وتدفق دموعه، الشيخ صالح المغامسي.


    لكن هذا الأخير قد أقحم نفسه في شأن عظيم هو حديث الساعة، وأعني مقتل جمال خاشقجي، فالشيخ الذي لم نسمع له تعليقا على الواقعة منذ اختفاء الصحفي السعودي، يخرج الآن فور اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي في القنصلية إثر شجار مع بعض الأشخاص دون إبداء المزيد من المعلومات.


    فانطلق الشيخ البكاء للإبحار في السيرة النبوية لكي يستخرج لنا ما يُبرر به مقتل خاشقجي لدرء أية مسئولية عن كاهل ولي العهد، فقال في حديثه لقناة العربية السعودية: "يوجد بُعد تاريخي شبيه لما حدث مع خاشقجي، وهو حين قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ظناً منه أنه يستحق القتل، رغم عدم وجود أمر من الخليفة بقتله".


    واستطرد بالقول: "كذلك بعث النبي خالد بن الوليد إلى بني خزيمة، وهناك قتل منهم، وعند عودتهم قال النبي اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وذلك ينطبق على خاشقجي!".


    وأضاف المغامسي: "تجاوز الصحابي بن الوليد هنا صلاحياته حين نفذ القتل، وهذا ما حدث مع الفريق المفاوض لخاشقجي بالتمام، حيث قتل وهو لا يستحق القتل، من فريق تجاوز صلاحيات الأعلى منهم".


    لن أتناول الإسقاط من ناحية شرعية فهذا الأمر لا أقحم فيه نفسي وإنما هو لأهل التخصص من علماء الشريعة، ولكن حوادث القتل الخطأ التي حدثت في عهد الصحابة تمت بناء على اجتهاد، لذلك لم يعاقب النبي صلى الله عليه وسلم خالدا ولا أسامة بن زيد، ولم يعاقب الصديق أبو بكر كذلك خالد بن الوليد، لكن التضليل الذي وقع فيه المغامسي أنه شبّه الوقائع التي حدثت عن طريق الخطأ والاجتهاد في عهد الصحابة، بواقعة مقتل خاشقجي التي ليست مجالًا للاجتهاد، فجمال خاشقجي ليس هناك أي مبرر لقتله سواء كان بناء على يقين أو ظن.


    وإذا كانت واقعة خالد حدثت دون علم النبي والخليفة أبو بكر من بعده، فكيف جزم المغامسي بأن قيادته السياسية لا تعلم بالأمر مع وجود العديد من القرائن على علمه بذلك؟ 


    لماذا تجاهل المغامسي الكذب الذي وقع فيه ولي العهد عندما قال في بدايات الأزمة بأن خاشقجي ليس في السفارة وأنه غادرها سليمًا معافى؟


    ولماذا تجاهل المغامسي حقيقة أن كل المسؤولين في الأجهزة الأمنية لا يستطيعون تجاوز أمر ابن سلمان في أي شيء؟


    ولماذا تجاهل أن خاشقجي الرجل الستيني الضعيف مهما قاوم واشتبك مع مجموعة فإنهم يمكنهم بسهولة السيطرة عليه وتقييده دون الاضطرار إلى قتله، إلا إذا كانت هناك نية مبيتة لقتل الرجل أثناء استجوابه، وطالما كانت هناك نية لذلك فمن المستحيل أن تكون بدون علم ولي العهد السعودي ذي الأيدي الباطشة.


    لقد تجاوز المغامسي صلاحياته حين بت في أمور قيد التحقيق، فماذا لو ثبت تورط ابن سلمان في الجريمة؟ هل سيبحث له في نصوص الشريعة عن ما يبرئ به ساحته؟ أم أنه سيطالب بالقصاص العادل منه؟


    أما كان الأحرى به أن يمتثل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)؟ نعم كان الأولى له أن يسكت، لأنه بذلك الاستدلال والإسقاط والتبرير يشارك في التعمية على القضية وتضييع حق امرئ مسلم قُتل ظلما وجورًا.


    لقد أصبح حال علماء المملكة يرثى له، وهم يميلون حيث مال القائد المُلهم المُحدث، وهم بذلك يفتنون العباد، ويحملون الناس على فقد الثقة في علماء الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

    حتى أنت البكّاء المغامسي أتحدث

    مقالات