(30) حالة طلاق كل ساعة وتراجع المواليد (30%).. كيف يدمر السيسي المجتمع المصري؟
رابطة علماء أهل السنةالتقرير الصادر حديثا من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يظهر ارتفاع حالات الطلاق الموثقة في مصر خلال سنة 2021م إلى 254 ألفاً و777 حالة عام 2021، بزيادة قدرها 22 ألف حالة طلاق عن سنة 2020 التي شهدت 222 ألفاً و36 حالة طلاق، بزيادة نسبتها 14.7%. معنى ذلك أن مصر تشهد نحو 30 حالة طلاق كل ساعة سنة 2021، بزيادة 4 حالات في الساعة عن معدلات سنة 2020م. وبلغ إجمالي حالات الطلاق في الحضر ــ حسب التقرير ــ 144 ألفاً و305 حالات بنسبة 56.6%، في مقابل 110 آلاف و472 حالة في الريف بنسبة 43.4%. وسجلت أعلى نسبة للطلاق في الفئة العمرية (من 30 إلى أقل من 35 عاماً) بواقع 19.8%، وأقل نسبة في الفئة العمرية (من 18 إلى أقل من 20 سنة) بواقع 0.2%.
إذا أضفنا إلى ذلك ما أعلنته وزارة الصحة عن تراجع معدل المواليد بنسبة 30% منذ عام 2015، فإن الصورة تكتمل؛ ذلك أن ارتفاع معدلات الطلاق وتراجع معدلات المواليد بهذه النسب المرعبة إنما جاء في السنوات التي تلت اتفاق نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م؛ وتبني النظام سياسات الصندوق بتعويم العملة وخصخصة الشركات المملوكة للشعب وفتح الأسواق المصرية أمام الشركات الدولية العابرة للقارات وهي القرارات التي تسببت في إفقار عشرات الملايين من المصريين وفقا لتقديرات البنك الدولي. لذلك فإن كثيرا من المراقبين يربطون بين تآكل المجتمع المصري اجتماعيا من خلال زيادة معدلات الطلاق والجريمة والبلطجة وتدهور الأوضاع المعيشية وتزايد معدلات الفقر ما أدى فعليا إلى موجات متتالية من التضخم أدت إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق. فقد تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار من 8.8 جنيهات للدولار في نوفمبر 2016، إلى أكثر من 19.2 جنيهاً حالياً. في حين تراجع معدل المواليد من 30.2 مولوداً لكل 1000 نسمة عام 2015، إلى 21.2 مولوداً في عام 2021، وفق الأرقام الرسمية.
بحسب مراقبين ومحللين فإن هذه الأرقام المرعبة تؤكد أن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي يصر على تدمير المجتمع المصري وتبديد ما تبقى فيه من تماسك؛ بعدما أجهز خلال سنوات حكمه التي تلت انقلابه المشئوم في يوليو 2013م على أي معنى للوحدة الوطنية ومفهوم المواطنة حين اعتبر نصف الشعب عدوا وراح يلاحقه بالظلم والتمييز والاضطهاد؛ فقتل عشرات الآلاف واعتقل مئات الآلاف؛ ولا تزال سجونه حتى اليوم تمتلئ بالعلماء والدعاة إلى الله والشباب المستقيم على الإسلام ومبادئه وأحكامه.
هذه الأرقام في تقرير الجهاز المركزي للإحصاء دفعت النائبة في البرلمان عن شمال سيناء عايدة السواركة إلى توجيه سؤال برلماني السبت 27 أغسطس 2022م، إلى رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي ووزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، حول دور أجهزة الدولة المعنية للحد من معدلات الطلاق المتزايدة خلال السنوات الأخيرة، على خلفية الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تشهدها البلاد. وتعزو السواركة زيادة أعداد حالات الطلاق إلى أسباب اجتماعية ومادية، وفي مقدمتها الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر منذ عام 2016 (تحرير سعر صرف الجنيه)، والتي أثرت سلباً على دخول المواطنين، "الأمر الذي يتطلب البحث عن حلول واقعية وسريعة من قبل الجهات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، للحد من الزيادة الكبيرة في معدلات الطلاق"، بحسب قولها. وأضافت أنّ زيادة حالات الطلاق "تؤثر سلباً على الأسر المصرية، وتشرد الأطفال، وتجعلهم في حالة تشتت بين الأم والأب، الأمر الذي ينعكس على بنيان المجتمع المصري وتماسكه، ويهدد استقراره، كما يزيد من أعباء الدولة ومسؤولياتها تجاه المواطنين".
ووفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)، فقد زادت معدلات الطلاق في مصر بنسبة 49% خلال 10 سنوات في الفترة الممتدة من عام 2010 حتى عام 2020. وانخفض عدد عقود الزواج عام 2020 إلى 876 ألفا، مقارنة بـ969 ألف عقد عام 2015، أي بنسبة انخفاض بلغت 10%، وبمعدل 101 عقد زواج كل ساعة.
وأعلنت حكومة الانقلاب سنة 2019 إطلاق مبادرة “مودة” سعيًا إلى وحدة الأسرة المصرية، والحد من نسب الطلاق التي ارتفعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وتسهدف مبادرة مودّة الشباب المقبل على الزواج، في الفئة العمرية من 18 وحتى 25 عاما. وكان المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد قد قال إن حوالي 20% من حالات الزواج السنوي في البلاد تنتهي بالطلاق. وفي مقابلة تلفزيونية قال سعد إنه من بين 980 ألف زواج سنويًّا، يفشل 198 ألفا قبل السنة الثالثة، وهي نسبة كبيرة للطلاق المبكر تتجاوز 20%. وأضاف سعد أن ما بين 38 و40% من حالات الطلاق المذكورة تحدث في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وأن الطلاق ينتشر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة.
وفي خطاب ألقاه في يناير 2017 خلال عيد الشرطة، قال السيسي إن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أبلغه أن حوالي 40% من الزواجات السنوية في البلاد تنتهي بالطلاق بعد 5 سنوات. وطالب السيسي بإصدار قانون ينص على ألا يتم الطلاق إلا أمام المأذون لكي نعطي فرصة للناس ليراجعوا أنفسهم، داعيًا إلى إبطال الطلاق الشفوي. وقال مفتي مصر شوقي علام إن ما لا يقل عن 4200 سؤال حول الطلاق يتم إرسالها إلى دار الإفتاء المصرية شهريا.
لكن مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية رفضا اقتراح السيسي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، لأن موقف السيسي ينطلق من حالة استخفاف بالطلاق ذاته، بينما ينصب موقف الأزهر من توافر أركان الطلاق حتى دون توثيقه لأن التوثيق حالة متأخرة، فالمسلمون الأوائل من عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقت قريب كانوا يتعاملون في هذه الحالات دون توثيق أو إشهار للطلاق. ويؤكد الأزهر أن «وقوع الطلاق الشفهي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ … دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق". وانتهى البيان إلى أن هذا الرأي هو: "الرأي بإجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم". كما أكدت الهيئة أن "ظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الاشهاد أو التوثيق، لأن الزوج المستخف بأمر الطلاق لا يعيبه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه". غير أن البيان خفف من حدة لهجته في إحدى فقراته حين أشار إلى أنه "على المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة." فعدم التوثيق لا يعني مطلقا أن الطلاق لا يقع، والأخذ برأي السيسي ــ غير المتخصص في الفقه ـ قد يعني تكوين ملايين من العلاقات المحرمة في بيوت المسلمين.
هذه الأرقام المرعبة دفعت مشيخة الأزهر قبل سنوات معدودات، إلى تدشين وحدة “لَمِّ الشَّمْل” للصلح بين الأزواج المختلفين حتى لا يصلوا إلى مرحلة الطلاق، وذلك للحد من الظاهرة وتبعاتها الاجتماعية الخطيرة. وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيان “الوحدة تهدف لحماية الأسرة من التفكك، ويدور عملها على دراسة الظاهرة نظريًّا، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى لنشر الوعي ولم شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين”، وخصص المركز رقمًا موحدًا للتواصل مع الوحدة.
لكن نظام الجنرال السيسي يعزو أسباب تزايد معدلات الطلاق إلى قانون الأحوال الشخصية للمسلمين؛ وطالب السيسي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي وهو ما يناقض ما استقرت عليه نصوص الشرع واجتهادات الفقهاء؛ وكان وزير العدل بحكومة الانقلاب عمر مروان، أصدر الأحد 05 يونيو 2022، قرارًا بتشكيل لجنة مكونة من 11 قاضيًا لتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ومحاكم الأسرة، بهدف تحجيم النزاعات وتحقيق العدالة الناجزة من خلال رؤية متوازنة تضمن حقوق جميع أفراد الأسرة، بحسب ما نص عليه القرار. ويبدو أن السيسي يتجه إلى فرض تصوراته في مشروع قانون الأحوال الشخصية ليفصل دينا على مقاسه يقنن به الزنا ليصبح في عهده مباحا تحت لافتة عدم الاعتداد بالطلاق الشفهي.