ابتزاز وتحرش جنسي.. شهادات مفزعة عن الانتهاكات ضد المعتقلين في العراق
رابطة علماء أهل السنةتثير أوضاع السجون في العراق مخاوف وقلق كبير، بسبب التقارير عن تزايد الانتهاكات، والشهادات المفزعة القادمة من المعتقلين وذويهم.
"ثقوب سوداء"، مصطلح يرى ذوو معتقلين أنه الأكثر ملاءمة لوصف السجون العراقية وما يجري فيها من فظائع.
بحسب منظمات حقوقية، لا يخلو يوم في العراق من خبر اعتقال أشخاص وبشتى التهم، لكن تبقى تهمة "الإرهاب" هي الأكثر حضورا رغم إعلان الحكومة العراقية هزيمة تنظيم الدولة، وانحسار وجوده في العراق بشكل لافت.
اكتظاظ السجون
في نيسان/أبريل الماضي أقرت وزارة العدل العراقية على لسان المتحدث الرسمي باسمها، كامل أمين، بأن نسبة الاكتظاظ في السجون وصلت إلى 300 بالمئة.
وأكد أمين أن الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ25 ألف سجين، لكن هناك أكثر من 60 ألف معتقل داخل السجون، ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد.
من جانبها ذكرت مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن عدد السجناء في البلاد وصل إلى نحو 76 ألف شخص، منهم 49 ألف محكوم، و٣ آلاف امرأة فضلاً عن 2000 حدث"، في إحصائية نشرتها في تموز/يوليو 2021.
ابتزاز المعتقلين
تواجه السلطات العراقية اتهامات بالتعذيب وإساءة معاملة المعتقلين لكن ظاهرة ابتزاز السجناء وذويهم لم تأخذ حيزا كبيرا، لعدة على رأسها خوف الضحايا على أنفسهم بالإضافة إلى اعتبارات اجتماعية وأمنية أخرى.
صالح العبيدي ذو الـ 53 عاما يروي جانبا من معاناته في سجن التاجي شمالي بغداد أحدى أشهر السجون العراقية قائلا، "كل شيء داخل السجون يمكن أن يُشترى بالمال حتى الهواء النقي، بإمكانك دفع المال للسجانين لإخراجك في الساحة لبضع دقائق أو أن تحصل على وسادة جيدة أو حتى معدات النظافة الشخصية".
وتابع العبيدي في حديث لـ "عربي21”: " دفعت أكثر من 40 ألف دولار كرشى فقط خلال اعتقالي الذي دام 3 سنوات، بدءا من قوات مكافحة الإرهاب حتى المسؤول عن قاعاتنا في سجن التاجي، حيث تتعامل معنا إدارة السجون كأرقام فكلما دفع السجين المال أكثر كلما حصل على حقوقه".
وأردف، "بعد 3 جلسات تحقيق وعندما بدأت صحتي بالتدهور جراء التعذيب قلت للمحققين أنني مستعد لفعل أي شيء مقابل وقف التعذيب، ذكر أحدهم مازحا أن قضيتي قد تحل بـ 100 ألف دولار، لم استطيع تأمين المبلغ بالكامل، لكن بعد وساطات ورشى أسقطت عني تهمة الأرهاب مقابل أموال دُفعت بواسطة المحامي".
وختم، "كانت تهمتي دعم تنظيم داعش لوجستيا في محافظة صلاح الدين، لكن هذه التهمة لا أنفيها أنا فقط بل لدي شقيقان قتلا على يد داعش حتى أنا تركت مدينة تكريت قبل أن يدخلها التنظيم".
دمار أسر
"تدمرت حياتنا بالكامل فقدنا أمي وأبي بسبب مأساة شقيقي المعتقل من 12 عاما"، بهذه الكلمات يتحدث عبد الغني الهاشمي عن مأساة عائلته بعد بعد اعتقال شقيقه عمر (30 عاما) خلال حملة شنتها القوات العراقية إبان عهد نوري المالكي بذريعة تأمين القمة العربية في بغداد التي انعقدت في آذار/مارس 2012.
يقول الهاشمي، "عندما اعتقلوا عمر الذي لم يكن آنذاك قد أكمل 18 عاما كانت التهمة وقتها تردده على المساجد والتقائه بأشخاص مشبوهين، خصوصا أننا نعتبر من منطقة العامرية المحافظة غربي بغداد، لكن سرعان ما تحول الأمر من إجراء احترازي وتحقيق بسيط إلى تهم بتنفيذ تفجيرات وقيادة هجمات ضد القوات العراقية".
وتابع، "ولأننا من ميسوري الحال كنا هدفا سهلا للضباط والمحققين وحتى إدارة السجون، حيث كانت والدتي وهي طبيبة معروفة في بغداد تدفع الأموال الطائلة لإبقاء شقيقي في سجن المطار حيث كانت الأوضاع هناك أفضل من سجن التاجي أو الناصرية، كنا ندفع سنويا ما يقارب 20 ألف دولار كمصروفات مقابل معاملة جيدة ومكالمات هاتفية مع عمر".
وأردف، "لا يقتصر الأمر على المعتقل شخصيا بل كنا ندفع أموال حتى في دوائر الدولة عند إجراء أي معاملة بسبب وجود اسم شقيقي ضمن قوائم المدانين بالإرهاب، هذا فضلا عن المحامين المتنفذين الذين كانوا يعدوننا بحل قضية عمر الذي وقع على اعترافاته تحت التعذيب الشديد الموثق بالتقارير الطبية".
ويختم الهاشمي، "ازدادت معاناتنا بسبب مأساة أخي بالتزامن مع استنزاف أموال العائلة، إذ تسلم أحد الوسطاء 60 ألف دولار لإيصال التقارير الطبية عن التعذيب للقاضي وفتح القضية مجددا، لكنه خدعنا، وعندما عجزنا عن دفع الأموال لسجاني عمر نقلوه إلى التاجي حيث يكابد الموت البطيء هناك، قبل أن يتوفى والداي حزنا عليه".
سجون تدر الأموال
تحدث أحد المحامين المختصين بقضايا الإرهاب لـ "عربي21” شريطة عدم الكشف عن اسمه قائلا، إن السجون العراقية تمثل مصادر ثراء وتمويل للأجهزة الحكومية، حتى أن منصب إدارة السجن بات يباع بمبالغ كبيرة بين الأحزاب لما يمثله من مصدر تكسب مهم في ظل غياب القانون والرقابة.
وأضاف، "هناك فساد كبير نُشر في الإعلام عن ملف إطعام المعتقلين وهذا يمثل قمة جبل الجليد فقط، فهناك فساد في ملفات الخدمات وترميم السجون وغيرها من الإجراءات الأخرى، فضلا عن المعتقلين وذويهم الذين يمثلون أهم مصدر للأموال.
وتابع المحامي، إن إدارة السجون التابعة لوزارة العدل قد تكون أكثر أجهزة الدولة فسادا، لكن قلة قليلة تتحدث عن هذه المأساة لذا لن تراها كثيرا في الإعلام.
وأردف، "هناك مافيات وشبكة علاقات وسمسرة مختصة بهذا الملف في كل سجن ومحكمة ومحافظة، فمن لديه معتقل يراجع شخصا متنفذا معروفا في منطقته ليحسن وضع السجين أو حتى ليعرف ذووه مصيره".
وعن السجون في وزارة الداخلية قال، "إن المعتقلين في سجون الداخلية يضطرون لدفع أموال باهظة لقاء تعجيل دفع ملفاتهم للقضاء أو لإيقاف تعذيبهم وقد يصل الأمر لرشى تسلم علنيا للقضاة لحسم قضايا المعتقلين".
وعند سؤال المحامي حول دور الرقابة الحكومية أجاب، "كل شيء في العراق خاضع للرشى كما هو معروف، وملف المعتقلين بالذات لا يخضع لأي معايير إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية بسبب دوافع طائفية في الغالب، فلجان التدقيق والرقابة والنزاهة إما تشارك في الجريمة أو تتغافل عنها بحجة أن المعتقلين إرهابيون".
التهم الكيدية
وأشار الحقوقي إلى أن التهم الكيدية وتشابه الأسماء تعتبر فرصة للضباط والعناصر الأمنية حيث يُساوم الضحية على استحصال الأوراق التي تثبت براءته فضلا عن ابتزاز المواطنين مقابل إطلاق سراحهم الفعلي بعد أن صدر قرار براءتهم من المحاكم، مشيرا إلى أن كبار المتهمين لاسيما بقضايا المخدرات يطلق سراحهم بعد دفعهم المال.
وختم أن هناك مافيات وميليشيات تابعة للأحزاب تهيمن على ملف السجون لذا يصعب إصلاح الوضع داخل المعتقلات خصوصا أن هناك شخصيات كبيرة ومتنفذة تستثمر في هذا الملف.
يروي قتيبة العمري الذي يعيش في ألمانيا منذ 2014, وعاد إلى الموصل بعد استعادتها من تنظيم الدولة في 2017, معاناته بعد إرغامه على بيع داره ذي الموقع المميز مقابل إطلاق سراحه.
ويقول العمري في حديث لـ "عربي21”: "عدت للموصل أواخر 2017، حيث تعرضت للاعتقال بدعوى ارتباطي بداعش رغم انني خرجت قبل أن يسيطر التنظيم على المدينة، واستمر اعتقال 47 يوما تعرضت خلالها لأنواع التعذيب في سجن بمنطقة الفيصلية".
وتابع، "ضابط التحقيق محمد الجبوري استدعاني في إحدى الليالي وخيرني بين بيع داري في حي المهندسين الراقي وبين أن أقضي بقية عمري في السجن، لم أكن أعرف أنهم ساوموا عائلتي على الدار واتفقوا على شرائه بربع ثمنه، ولم يتبق سوى موافقتي وذهابي للشهر العقاري".
وأردف، "خرجت بعد يومين من موافقتي على الشرط وذهبت وبعت الدار لأحد القياديين في اللواء 30 من الحشد الشعبي، وخرجت بعدها من الموصل ولن أعود أبدا بعد أن رأيت وعانيت من غياب الدولة والقانون".
التحرش الجنسي
تعد هذه الجزئية أكثر النقاط حساسية في قضية ابتزاز ذوي المعتقلين، إذ ذكرت تقارير عن تعرض زوجات المعتقلين لمساومة ومضايقات خلال المقابلات أو مقابل تسهيل وتسريع ملفات أزواجهن المعتقلين.
وتتحدث خولة النجم والدة معتقل في سجن الحوت جنوبي العراق، عن مضايقات وسوء معاملة تتعرض لها خلال مقابلة نجلها المعتقل هناك هذا فضلا عن دفع الأموال لقاء إدخال الأكل أو بعض الأدوية".
وقالت النجم في حديث لـ "عربي21”: "لكوني كبيرة في السن فهذا يقيني الكثير مما أشاهده من مضايقات وتحرش تتعرض له النساء خلال زيارة ذويهن، من الانتظار الطويل في العراء حتى الدخول لقاعة المقابلة".
وأضافت، "أدفع الأموال من لحظة دخولي حتى خروجي خوفا على نجلي أن يموت كما مات زملاء له جراء نقص الرعاية الطبية وانعدام الأدوية، هذا فضلا عن الشتم والعبارات الطائفية والمعاملة المهينة التي اتعرض لها في كل مرة أذهب للمقابلة".
وتابعت، "الكثير من المعتقلين يطلبون من زوجاتهم أو شقيقاتهم عدم الحضور للزيارة بسبب ما يتعرضن له من إدارة السجن والحرس، من تحرش لفظي وجسدي ومساومات لقاء توفير احتياجات المعتقل، لذا لا أنصح النساء بزيارة المعتقلين على الرغم من خشية الرجال زيارة ذويهم من تلفيق تهمة تلقيهم أيضا في السجن".
مصير مهددلم تقتصر عمليات الابتزاز على السجناء فقط، بل شملت ذوي المغيبين قسرا الذين يقدر عددهم بالآلاف في العراق، حيث اختطفت مليشيا الحشد المئات من سكان المناطق التي سيطر عليها تنظيم الدولة، ولا يعرف مصيرهم حتى الآن.
يقول إسماعيل الجميلي إن ابنه اعتقل على يد مليشيا الحشد بعد استعادة مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار غربي العراق عام 2016, ولا يعرف مصيره إن كان حيا أو ميتا.
وأضاف الجميلي، "دفعت الكثير من الأموال للضباط وقياديين في الحشد بهدف معرفة مصير ولدي، لكن دون جدوى، أحد القياديين في العصائب (عصائب أهل الحق- مليشيا مدعومة من إيران) استلم مني ثمانية آلاف دولار مقابل معرفة مصير ولدي لكنه خدعني، وعندما طالبته بالأموال هددني بمصير ولدي إن تقدمت بشكوى أو سألته مرة أخرى".
من جانبه تحدث ضابط في قوى الأمن العراقية لـ "عربي21” شريطة عدم الكشف عن هويته قائلا، "قضية الابتزاز ليست محصورة بجهة ولا بمؤسسة ولا حتى بأفراد، الأمر أصبح ظاهرة عامة حتى أن بعض الضباط لا يعتمدون على الراتب الذي يتقاضونه من الدولة بقدر اعتمادهم على ابتزاز المعتقلين وذويهم".
وأضاف، "بمجرد وقوفك بوجه أحد الضباط أو العناصر المبتزين ستكون بمواجهة شبكة كاملة قد تودي بمستقبلك المهني للهاوية كالنقل مثلا أو العقوبات، وربما يصل الأمر للسجن بدعوى مساعدة داعش".
وعند سؤاله حول عرض هذا الملف على القضاء أجاب، "الكثير من المعتقلين يخشون الحديث عن ابتزازهم أمام القاضي خوفا من انتقام المحققين، وعرقلة إطلاق سراحهم، فمثلا يمكن أن تبقى في السجن بعد نيلك البراءة شريطة عدم اتهامك بقضية أخرى وهذا الشرط كفيل بأن يبقيك سنة بسبب تعمد الضباط تأخير الأوراق التي تستوفي الشرط".
وأكد، "ليس فقط الضباط أو إدارة السجون من يستفيد من الابتزاز فهناك الشهود والمخبر السري أيضا، بل حتى المجرمين يمكنهم دفع أموال مقابل تغيير إفادة أو طمس أدلة، فالمال يمكنه إخراجك من أكبر قضية تدان بها في العراق إن امتلكت علاقات ورتبت التسوية بشكل جيد" بحسب قوله.
وختم الضابط، "بإمكانك شراء أي شيء داخل السجن من الهواتف حتى المخدرات، فالسجون أصبحت بيئة مثالية لبيع وترويج المخدرات بتواطئ إدارة السجون التي تبيع الحبوب المخدرة داخل المعتقل بأضعاف سعرها خارجه".
مناشدات حقوقية
في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي قال مرصد أفاد الحقوقي أن ظاهرة ابتزاز ذوي المعتقلين باتت شائعة في السجون الحكومية وكشف عن مقاطع مصورة حصل عليها تظهر اعترافات عناصر من حرس السجون بالحصول على رشى، بالإضافة لمقطع مصور من داخل السجن يوثق ابتزاز المعتقلين داخل سجن التاجي شمالي بغداد.
من جانبه قال تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان نشر في تموز/يوليو 2020، إنه وثق شهادات تكشف جانبا من الأوضاع البائسة التي يعيشها آلاف المعتقلين في السجون العراقية، محذرًا من كارثة إنسانية وشيكة في حال استمرار السلطات العراقية بالمماطلة في إطلاق سراح المعتقلين أو الفصل في ملفاتهم.
وفي آب/أغسطس 2021 طالبت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، الحكومة العراقية يإجراءات للقضاء على التعذيب داخل السجون.
واستعرض التقرير الأممي شهادات لمعتقلين تعرضوا لشتى أنواع التعذيب داخل السجون بدءا من الضرب وصولا إلى الصعق بالكهرباء، مشيرا إلى أن الشهادات تطابقت مع تقارير سابقة كشفت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في السجون.
المصدر: عربي 21