الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 10:00 مـ 4 ربيع آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    شبهات وقضايا

    أين العدل في خلق المرأة ضعيفة وولادة الأبكم والأصم والمعاق ؟؟!!

    رابطة علماء أهل السنة

    21/2/2016 ميلادي - 12/5/1437 هجري

     

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:

    فيثيرُ المُشكِّكون أسئلةً في عدالة الله سبحانه بحسب المفهوم الإسلامي، فيقولون مثلًا:

    هل من العدالة أن تُخلَقَ المرأة ضعيفةً مقيدة، والرجل قويًّا حرًّا؟

    هل من العدالة أن يُخلَقَ المرءُ ضريرًا أو معاقًا، أو يوهن المرض قوتَه، وغيره سليمًا بكامل صحته؟

    هل من العدالة أن يُولَد المرءُ كافرًا، وغيره يولد على الإسلام؟


    لو كانت الدنيا التي نعيشُها هي المنتهى، وليس بعدَ الموت إلا الفناء، لصحَّ السؤال والاستشكالُ؛ لذا هذه الأطروحةُ يُلقيها المُلحدون، وتصيبُ قلوبَ بعضِ المؤمنين، وهي في حقيقةِ الأمر حجةٌ على الملحدين الذين لا يؤمنون بيوم الحساب.


    فهم لا يُؤمنون بخالقٍ ولا يومِ حسابٍ، ويدعون الناسَ للقيم والأخلاق، رغم أن طبيعةَ الحياة - بحسب أطروحاتهم - ظالمةٌ، لا تُنصِفُ الخلائقَ والناس، وتجعلهم في درجات متفاوتة، بعضُهم فوقَ بعضٍ حتى يصلوا إلى الفناء المُطْلق.


    فإن كان المرءُ مظلومًا بالجَبر، ولا يردُّ ظلمه لا في الحالِ ولا في المآل، فلا وجهَ لهم في دعوة الناس للعدل والقيم والأخلاق؛ لأن الحياةَ إن كانت ظالمةً، فحقُّ أبنائها أن يكونوا ظالمين، وأن يحاربوا الدنيا والخلائقَ؛ للخروج من ظلمهم، ونَيْلِ شيء من استحقاقهم، فلمَّا كان أصل ميزانِهم مهترئًا، لزِم عنه اهتراءُ موازين العدالة والإنسانيَّة والقيم والأخلاق.

     

    أما مَن يُؤمِنُ بيوم الحساب، فإن لهم اعتبارين لمثل هذه المسائل: اعتبار الحساب، واعتبار ما بعد الحساب:

    الأول: أنه من المعلوم عند العقلاءِ أن العدالةَ لا تكون قرينةَ الحدث، بل تُؤخَّرُ عنها حتى تُعقَد المحكمة، وتُرَد الحقوق، فلو أن شخصًا قتل آخر، ثم اعتُقل ليُحاكم ويحاسب، فإن تمامَ العدالة لا توجد ولا يصح ادِّعاءُ فقدِها قبل أن تتمَّ المحاكمة، ويُنظَرُ في شكل الحساب ونوع العِقاب، ولا يصحُّ اتِّهامُ صاحب القانون بالظلم قبل أن تتمَّ المُحاكَمَةُ.


    والدنيا بالنسبة لنا هي الحدث، وانقضاؤها استعدادٌ لبَدْء المحاكمة، وما يميز المحاكمةَ الإلهية في الآخرة أنها تَردُّ الحقوقَ بإنصاف وزيادة، بحيث تكونُ الفترة ما بين الحدث وردِّ الحق سببًا في زيادة الحقِّ والتكسُّب، فمن وُجِد ناقصَ الحقِّ في الدنيا، فلأن الدنيا لحظةُ امتحانٍ، وفي الحساب يُردُّ الحق وزيادة.


    الثاني: أن المقصودَ الحقيقي من هذه الدنيا هو ما بعدَها وما بعد الحساب، فإما إلى جنةٍ، وإما إلى نارٍ، قال سبحانه: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64].

     

    والجنةُ والنار درجاتٌ ودَرَكات متمايزة، فالظلمُ يَتحقَّقُ إن حوسب الجميع، وعوملوا بنفس الحساب دون مراعاة الفروق بينهم، والعدالةُ تقتضي تمايزَ الحساب بتمايز الأحوال، والمساواةُ البسيطةُ ظلمٌ، بل التفرقةُ هي المساواة الحقُّ والعدل المطلق، فلو عامل الأبُ أبناءَه الصغار والكبارَ والذكورَ والإناثَ، والطلابَ والعمَّالَ معاملة واحدة، فلم يُفرِّق في المصروف، والمحاسبة، والتشديد والتخفيف، والتكليف - لكان ظالمًا، إنما مقتضى العدالة أن يُفرِّق ويعطي كلًّا حقَّه بحسب حاله وحاجته ومتطلباته.

     

    ولله المثلُ الأعلى والعدل المطلق؛ فهو سبحانه الذي خلق المرأة ضعيفةً أسقط عنها الصلاة، وأجاز لها تأخيرَ الصيام في حَيْضها، وأسقَط عنها تكاليفَ العمل والنَّفقة والجهاد، وأوجَبَ على الرجل رعايتَها والقيامَ بشؤونها، هذا في الدنيا، أما في الآخرة: فإن المنازلَ العالية التي لا يَصِلُها الرجل إلا تحت بارقةِ السيوف، ومَعْمعةِ الحروب، تَلِجُها المرأةُ بأيسرَ من ذلك؛ بصبرِها على زوجها، وتدبيرِها أمورَ بيتها، وإحسانِ العشرة، والعنايةِ بتربية الأبناء تربيةً إيمانية عاليةً تغرس فيهم المروءة والرجولة وحبَّ الجهاد.


    فميزانُ العدالةِ أن مَن زِيد في قوته، أو علمه، أو ذكائه، أو ظروفِ بيئته - زِيدتْ عليه تفاصيلُ الحساب على هذه الأمور، ومَن سُلِب أمرًا منها، خُفِّف عنه، وحوسب بحسب حالِه ووضعِه؛ لذا قد يَغْبِط القويُّ الضعيفَ، والسليمُ المعاقَ، والبصيرُ الضريرَ، يومَ القيامة؛ لشدَّة ما يرى من الأجرِ والمثوبة على صبرِه، ولَيفرحَنَّ الضِّعافُ وأصحابُ الظروف الخاصة والصعبة بما كان قد أصابَهم ويتمنَّون لو زِيد فيهم؛ لعِظمِ ما يَرَوْنَ من الأجر والثَّواب، وأنه فوقَ استحقاقِهم، إنما بالصبر نالوه.


    وكذلك مَن يُولَدُ بين المسلمين ليس كمن يُولَدُ بين الكافرين، فقد ذكر العلماء أن بابَ الإعذار بالجهل يتَّسع ويَضيقُ بحسب بيئة المرء وحاله، فمَن نَشأ في منطقة نائية لا يمكنُه الاحتكاكُ بمن يُعلِّمه أمورَ دينه، فبابُ الإعذار بحقِّه أوسعُ، ومَن نشأ في بيئة مسلمةٍ، فبابُ الإعذار أضيقُ، وكلٌّ مأمورٌ بالبحث والنظر، وكونُ المرء نشأ بين المسلمين لا يعني إسلامَه ولا ضمانَه الجنةَ، بل قد ينقلبُ إلى الكفر والنار في آخر حياته؛ لخبث في قلبه أخفاه عن الناس وعَلِمه الله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن أحدَكم ليَعْملُ بعملِ أهل الجنَّة حتى ما يكون بينَه وبينها إلا ذراعٌ، فيعملُ بعمل أهل النار فيدخلُها))، وكذلك مَن يُولَدُ بين الكفار إن وُجِد الخير في قلبه وفَّقه الله للهداية ولو قبلَ أن يَلْفِظَ نَفَسَه بلحظةٍ، فمعيارُ التوفيق لمن يستحقه، وليس معيارُه: (أين ولدْتُ؟)، و(ما دينُ أبي وأمي؟)؛ فهذه الأمورُ لا توجب الهدايةَ، بل قد توجبُها الهدايةُ لمستحقيها.


    ولذلك قال المولى سبحانه: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [النساء: 32]؛ أي: سواء كنتَ رجلًا أو امرأةً، نفس الشيء في الحساب والعقاب، وليس ميزانُ التفضيل ما تراه من ظاهر الدنيا، فكلٌّ له محبوباتُه وهمومُه، والعِبرة في النهاية في طريقة الحساب.

     

    والله المُوفِّقُ والهادي إلى سواء السبيل

    شبهات وقضايا