مصر ... ضلالة ”الإذن بالذكر” خطأ شرعي أم استمرار لمسلسل الإلهاء
رابطة علماء أهل السنةيتساءل الكثيرون عن موضوع "الإذن بالذكر" في مصر، هل هو خطأ شرعي، أم أنها فرقعة مطلوبة للتغطية على شيء يحدث، يريد النظام الانقلابي إلهاء الشعب عنه؟
فقد أثارت تصريحات "الإذن بالذكر" التي أطلقها أسامة الأزهري مستشار السيسي للشؤون الدينية، سخرية وجدلا واسعا، حيث اعتبرها مؤيدون منهجا صوفيا متعارفا عليه، فيما رأى فيها آخرون ترويجا للخرافة الدينية، خاصة أنها تأتي من مسؤول في الدولة.
وبدأت القصة حينما كتب الأزهري على صفحته بموقع فيسبوك مقالا تناول فيه قصة النبي يوسف -عليه السلام- واسم العزيز، وفي أحد التعليقات ومن وحي ما كتبه الشيخ طلبت فتاة من الشيخ الأزهري الإذن لها بالذكر باسم الله العزيز، فلبى طلبها بقوله "نعم، ابنتي أذنت لك بالعزيز 658 مرة"، ثم تبعتها طلبات لكثيرين من مريدي الشيخ ورواد صفحته.
ومع تعاظم الطلبات واختلاف الناس عليها طلبت إحداهن من الشيخ معرفة معنى الإذن بالذكر، فقال إن معناه "طلب الدعاء بالتوفيق فيه، فكل من طلب الإذن في الذكر أدعو له بالتوفيق فيه، وما دام مشغولا بذكر الله فإنني أرجو منه الدعاء أيضا".
لكن تعليقات الأزهري أثارت جدلا كبيرا غلبت عليه السخرية من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها بعضهم مخالفة لجوهر الإسلام النافي لوجود وسيط بين الله وعباده، كما جددت الأزمة المعارك القديمة بين القوى الدينية في مصر، خاصة بين الطرق الصوفية والتيارات السلفية والمدرسة الأزهرية الأشعرية.
مدافعون ومؤيدون
قاطرة الدفاع عن الشيخ أسامة الأزهري وقضية الإذن بالذكر قادها أحد طلاب العلم بالأزهر، وهو هشام محمود الأزهري الذي كتب 3 مقالات على صفحته في فيسبوك نفى فيها أن يكون معنى الإذن بالذكر كما فهم البعض أن الإنسان لا يستطيع أن يذكر الله تعالى إلا إذا كان معه إذن بذلك، معتبرا أن هذا فهم غير صحيح، ومبينا أن معنى اﻹذن بالذكر عند أهل العلم يشبه مسألة اﻹجازة في القرآن الكريم.
وانتقل إلى تفسير المراد بالذكر باسم العزيز 658 مرة، مشيرا إلى أنه يعود إلى نوع من اﻷذكار ذكره أهل العلم قديما عرف باسم "المجرَّبات" يدور حول أسرار الحروف وأسرار الأعداد بهدف محاولة الفهم العميق للوحي الشريف وﻷسرار الله في الكون.
بدوره، كتب عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر الدكتور أحمد نبوي الأزهري على صفحته في فيسبوك أن الإشكال ليس أبدا في فهم مسألة الإذن بالذكر أو غيرها من شبيهاتها ومثيلاتها، بل أصل الحكاية أن هناك عددا من المفاهيم والقواعد التي كانت ثابتة ومستقرة في أذهان العامة والمشتغلين بالعلم قد تم العبث بها على مدار نصف القرن الفائت حتى تشوهت وتخلخلت فتشوه ما انبنى عليها، ومن بينها الإذن بالذكر.
يلتقط طرف الخيط نفسه أحد مدرسي الشافعية في مصر الشيخ مصطفى أحمد عبد النبي الشهير بأبي حمزة الشافعي ليفسر من أين جاء الذكر باسم الله العزيز 658 مرة.
ويقول في ذلك "نظر إلى أن السماوات سبع، والأرضين سبع، والفاتحة سبع، والطواف سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، وكلمة التوحيد سبع كلمات، وتكبيرات العيدين سبع، والأمر بالصلاة والصيام عند سبع، وأحرف القرآن سبع، وخلق الإنسان في سبع، وخلق الله الخلق في سبع، وعدد الأنفس البشرية سبع، وأكثر عدد تكرر في القرآن السبعة، فلاحظوا العناية بهذا العدد، فاستحسنوا أن يكرر الذكر باسم الله العزيز 94 مرة 7 مرات، فكان الناتج 658 مرة".
وعبر صفحته على فيسبوك اعتبر الشيخ الشافعي هذا الذكر من باب الاجتهاد على غرار ما فعله الإمام أحمد بن حنبل حينما اجتهد في تكرار قراءة الفاتحة على الوجع 70 مرة، وقراءة آيات الشفاء كل آية 7 مرات.
معارضون ومهاجمون
في المقابل، انتقد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق الشيخ الدكتور سالم عبد الجليل موضوع الإذن بالذكر، وخاطب متابعيه عبر مواقع التواصل طالبا منهم عدم الاستئذان من أحد لذكر الله، وقراءة الأوراد.
من جهته، هاجم الداعية السلفي مصطفى العدوى قضية الإذن بالذكر، واعتبرها ضلالة من الضلالات ظهرت في هذه الآونة، وأظهرها المتصوفة "الذين يبثون سمومهم وضلالتهم في هذا الصدد"، بحسب وصفه.
وخاطب العدوي الشيخ أسامة الأزهري -دون التصريح باسمه- قائلا "من أنت لكي تعطي للناس إذنا بالذكر لكي يذكروه، ما صفتك حتى تأذن لي؟".
كما هاجم ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في الإسكندرية ما وصف بالإذن بالذكر، معتبرا أن البدع والمحدثات في الدين من تعظيم مشايخ الصوفية فوق ما شرع الله عز وجل.
وفي درس بعنوان "البيان الشافي في بدعة الإذن بالذكر" تساءل القيادي السلفي مخاطبا أنصار الإجازة بالذكر قائلا "ما هي مصادركم في مسألة الإذن بالذكر؟ هل هناك حرف من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو الأقوال عن الصحابة يقول ذلك؟".
وأضاف أنهم -أي المتصوفة- ليس لديهم سوى الحكايات والادعاءات المجردة طلبا للبركة وبحثا عن أسرار الحروف والأرقام وما شابه.
العصا من المنتصف
وبين هؤلاء وأولئك سعى أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي إلى أن يقدم تفسيره الخاص المعارض للإذن بالذكر دون أن يصطدم بالشيخ الشاب المقرب من رئاسة الجمهورية بحكم منصبه.
وخلال تصريحات متلفزة نفى الهلالي وجود أي وسائط بين العبد وربه، لكنه أوضح أن مسألة الإذن بالذكر ترتبط بنشأة الصوفية الطرقية القائمة على الشيخ والمريد، الشيخ الذي يقدم على كونه واصلا (أي له صلة مباشرة بالله) وله كرامات، وأنه أمين على هذا الدين، وعلى المريد أن يسلك طريقه.
وحملت تعليقات الهلالي انتقادا غير مباشر للصوفية الطرقية وما يقدمه مشايخها من أوراد، في إشارة منه إلى أن ثمة اضطرابات تعايشها الطرق الصوفية المصرية في الأفكار والممارسات الطقوسية، مع غياب المنهجية الشرعية، بحسب وصفه.
ولم يتوقف الجدل عند وسائل الإعلام ومشاهير الدعاة، حيث شهدت مواقع التواصل تفاعلا واسعا مع القضية، سواء من الجانب الديني أو السياسي، فضلا عن سخرية المصريين المعتادة في مثل هذه القضايا، خاصة في ما يتعلق باستخدام الأعداد في الذكر والإذن من الشيخ.
وقال نشطاء إن الأزمة لا تتعلق بالخلاف الديني، لكنها أخذت أبعادا سياسية بسبب منصب الأزهري كمستشار ديني للرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أنه من أبرز الدعاة المؤيدين للنظام المصري منذ الانقلاب العسكري في صيف 2013 الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ومن أكثر المنتقدين لتيارات الإسلام السياسي.
في المقابل، قال آخرون إن أسامة الأزهري يروج للخرافة الدينية ويقدم نسخة متخلفة ورجعية من الإسلام رغم أن الدعاية الأساسية للنظام الحالي قائمة على معاداة التيار الإسلامي ووصمه بأنه تيار رجعي يشوه الدين ويقدم تفسيرات لا تواكب العصر الحديث، ويستخدمه في السيطرة والحكم.