الأربعاء 30 أبريل 2025 03:01 صـ 2 ذو القعدة 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    المشاعر والشعائر

    رابطة علماء أهل السنة

    لقد زاوج دين الله تعالى في الأداء بين مشاعر تدفع وشعائر تقام، وقَبِل من العباد مقاما واحدا من بين معادلة الاختبار والاختيار المقامة بين هذين البابين، وهي في منطق الوجود والعدم على أربعة أمور:
    المشاعر دون الشعائر
    الشعائر دون المشاعر
    لا مشاعر ولا شعائر
    مشاعر وشعائر
    فمن تحلى بالمشاعر ولم يقم لأداء الشعائر فقد توافق عدد كبير من علماء السلوك على نفاقه، ومن تكبد الشعائر دون التزود بالمشاعر فقد نطق عدد كبير من العلماء بضلاله، ومن ترك الكل ترك الدين وخرج منه كلية، ومن أقامهما مشاعر وشعائر فقد هدي سبيلي العلم والعمل، ويبقى منطق الترتيب بينهما وهناك من أوجبه وهناك من تسامح فيه..
    في دستورنا القرآن، والذي يُتخذ عند الكثير شعارا مفرغا من العمل، نزل منه أول ما نزل سورة اقرأ وهي في معايير المشاعر والشعائر قد قدمت الشعيرة على الشعور، فافتتحت بالأمر ثم أردفته التعليل والتحريك النفسي.. ثم أُردفت اقرأ بسورة المدثر التي احتشد فيها واجب النبوة بالإنذار والتكبير والطهر وهجر الرجز والعطاء والصبر، لكن العجيب أن هذه الأوامر كلها كانت مما يقبل انتظار انفلاق الصبح على النبي صلى الله عليه وسلم ليبدأ في أدائها من بعد تدثره الناتج عن رهبة الوحي في وهلته الأولى، لكن الله تعالى لم يمهل نبيه صلى الله عليه وسلم تقليب المشاعر في هذه الشعائر حتى الصباح، فجاءت آيات المزمل تعاجله الأوامر المعينة على العمل بما في المدثر، فألحقت حال تزمل النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر المباشر بأن يقوم الليل بل أمره تعالى بقيام نصف الليل أو ما يقارب النصف منه، أو يزيد على النصف بأن يجمع مع القيام ترتيل القرآن الكريم، لماذا لأن الحمل الثقيل في أداء الرسالة بعد وصف التدثر لا يمكن أن يؤدى بالشكل السليم إلا بالقوة الإيمانية الفاعلة التي جاءت آياتها بعد وصف التزمل...

    والأمة الآن تصعقها أحداث جسام مرهبة وملهبة، أحداث ترهب وتوجب من رهبتها أن تتزمل الأمة وتتدثر، لكنها مأمورة بأن تنطلق من بعد التدثر بقيادة العالمين فكل ميلاد عسير لا بد له من مولود حركي فاعل مؤثر، ولكن تابع التدثر لا يمكن أن يكون إلا بأن تُستنهض الأمة لتقوم بلازم تزملها..
    وكي لا ترسف الأمة في النفاق بسبب ما استقته من الأحداث من مشاعر، فلا بد من فتح آفاق الشعائر أمامها..
    وكي لا تَضِلَّ الأمة وتصبح بلا بوصلة ولا توفيق فلا بد لها وهي في حال أداء شعائرها من الإذكاء المشاعري المستمر..

    المسيرة التي لا تُنتج فعلا حقيقيا مؤثرا باب من أبواب الإذكاء الشعوري إن لم يُمنهج بصورة تنتج فعلا سيبقى الداعي والمدعو والصائح على المنصة ومن تتفجر حنجرته على الأرض في عالم من النفاق يتزودون فيه بالمشاعر وتكذبهم في صناعة الواقع الشعائر..
    وكما المسيرة كل شعور لا يُنتج فعلا ذا أثر مباشر، فأمة محمد مأمورة بأن تنطلق من التدثر إلى الشهود الحضاري بين الأمم، وزادها أنها في تزملها لا تبقى دون فعل بل تؤدي واجبات تصب مباشرة في تحصين وتقوية ما أناط الله بها من قيادة الأمم..
    عام ونصف من المحرقة التي تلهب غزة بمن فيها وما فيها ولا زالت توجهاتنا تتحاشد في باب المشاعر، فهل إلى خروج من سبيل؟ هو سؤال وجوابه في رقاب من تولى المسؤولية، فكما أن رب العزة عز وجل قضى على نبيه بالبلاغ، فقد فتح سبحانه لنبيه باب العون على القيام بهذا البلاغ، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمضى على معاذ رضي الله عنه قضاء اليمن، فقد أعان صلى الله عليه وسلم معاذا بما يكون به القضاء... والنماذج كثيرة، والنتيجة واحدة، أن الأوامر الكبرى إن لم تتصل بحبل المشاعر الذي يذكيها وحبل الشعائر الذي يؤطرها في الواقع فإنها تدل على شيء واحد وهو تضييع الآمر بها للأمر قصدا أو عدم كفاءة.. وحاشا الله ورسوله وأتباع رسوله أن يتولوا الأمر ولا يقوموا بلازمه.

    المشاعر الشعائر القران دستور الإيمان العمل

    مقالات