الإثنين 29 أبريل 2024 10:47 مـ 20 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    لماذا الهجوم الصهيونيّ على الأزهر الشريف؟!

    رابطة علماء أهل السنة

    “ظل الأزهر يزرع باستمرار -منذ أكثر من عقد- خطابًا عدائيًّا اتجاه إسرائيل، بينما يمنح الشرعية الأخلاقية والشرعية للنضال العنيف ضدَّها، وخصص جزءًا من الخطاب لدعم نضال الشعب الفلسطيني ضدّ ما يسميه الأزهر “الكيان الصهيوني”، وللتحذير من مخططاته المزعومة لتهويد فلسطين والاستيلاء على الأقصى، ولفضح الجرائم ضد الفلسطينيين أمام الرأي العام العربي والدولي، وفي أوقات التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين، يتضمن الخطاب دعوة للعرب والمسلمين للوقوف في طليعة النضال ضد إسرائيل”.. هكذا استنكر التقرير الذي أصدره معهد “دراسات وأبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” بيان الأزهر الشريف؛ لتنطلق حملة إعلامية وسياسية مذعورة ضد الأزهر وشيخ الأزهر؛ فما سرّ هذا الفزع؟!

    بيانات أزهرية كالسيوف الهندية

    “نُحَيِّي بكل فخر جهودَ المقاومة التي يبذلها الشعب الفلسطيني” – “إن ما يمارسه الاحتلال الصهيوني الغاشم الآن في غزة لهو إرهاب أعمى؛ على العالم إدانته واتخاذ الإجراءات الحاسمة لوقفه فورا” – “إنَّ الدعم الغربي اللامحدود واللاإنساني للكيان الصهيوني ومباركةَ جرائمه وما نراه من تغطيات إعلامية غربية متعصبة ومتحيزة ضد فلسطين وأهلها، أكاذيبُ تفضحُ دعاوى الحريات التي يدَّعي الغرب أنه يحمل لواءها” – “ليعلم العالمُ أجمع بل لتعلم الدنيا كلُّها أنَّ كلَّ احتلالٍ إلى زوالٍ، إن آجلًا أو عاجلًا، طال الأمد أم قصُر” – “تحية لكم أيها الأبطال وأنتم تواجهون بإيمانكم البوارج وحاملات الطائرات وقاذفات الصواريخ وتتصدون لها من منصة الإيمان بالله غير خائفين ولا متذللين، أيها الأبطال: استمدوا قوتكم من قرآنكم، واستعينوا بقول الله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} – “يُهيب الأزهر بحكومات الدول العربية والإسلامية بأن يسارعوا لمد يد العون لإخوانهم في فلسـطين، وأن يُسخِّروا إمكاناتهم وثرواتهم ومصادر قوتهم لنصرتهم ودعمهم وكف بطش هذا الكيان المغتصب عنهم”.

    هم الإرهابُ لا نحن

    من أهم ما ورد في بيانات الأزهر وأخطره على الكيان الصهيونيّ وصفُها للمقاومة بأنّها نضالٌ من أجل الحرية، ووصفُها -في المقابل- للممارسات الصهيونية بأنّها إرهاب؛ وبهذا يكون الأزهر قد قلب الطاولة على الصهاينة والأمريكان، الذين بذلوا وسعهم في اتجاه تصنيف حماس والمقاومة الفلسطينية ضمن المنظمات الإرهابية وتشبيهها بالدواعش، ومَنْ يقرأ تقرير مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يشعر بأنّ هذا المركز قد أصيب بالذعر من هذه الأوصاف، ومن إصرار الأزهر على تسمية إسرائيل بالكيان الصهيونيّ، وهذا يعني عدم اعتراف الأزهر بدولة إسرائيل، وهو مؤسسة رسمية تابعة للدولة المصرية المطَبِّعة مع الكيان الصهيوني، والمعترِفة بدولة إسرائيل، وهذا كله له بالغ الأثر في الوعي الإسلاميّ اتجاه القضية.

    وبذلك يأخذ الأزهر وجهةً ضد وجهة النظام الحاكم، الذي اقترح على الصهاينة أن يُهَجِّروا الشعب الغزوايّ إلى النقب، ريثما يتسنى لهم القضاء على حماس؛ بما يعني أنّ المقاومة في تقدير النظام المصريّ جماعات مسلحة خارج الشرعية ويجب القضاء عليها، بخلاف الأزهر الذي يثمن دور المقاومة، ويشيد بثباتها وصمودها أمام البوارج وحاملات الطائرات، ويَشُدُّ من عضدها بقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139)، وكانت أمنية الصهاينة أن يلين الأزهر ويسلس قياده للدولة ويسير وراءها في كل فجٍّ تسلكه، ولكنّ الأزهر اليوم قال لهم: هيهات.

    الزلزال وهاجس الزوال

    وكأنّ إعلانَ شيخ الأزهر أنّ “كل احتلال إلى زوال” أذانٌ يدوي في جنبات العالم الإسلاميّ، يستحث الأمّة إلى التحرك لإزالة العدوان واقتلاع الاحتلال من جذوره، ولعله كذلك إن شاء الله، وهذا من أشد ما يزلزل الكيان الصهيونيّ؛ لأنّ هاجس الزوال يطارده في كل لحظة، وعندما جاء طوفان الأقصى ليجتاح في صبيحة كل آمال الأمن والاستقرار أيقظ الهاجس وأشعل النار في أطرافه ليهيج ويرتعد ويرغي ويزبد، ثم جاء بيان الأزهر كالزلزال الذي يؤكد هاجس الزوال ويصادق عليه بخاتم إسلاميّ موغل في العراقة.

    وعندما يهيب شيخ الأزهر -ليس بالشعوب المسلمة وحسب- وإنّما بحكومات العالم الإسلاميّ فإنّ هذا يعني أنّ المؤسسة الدينية الكبرى في الأمة الإسلامية تَعُدُّ المتقاعسين عن واجب النصرة مقصرين ومفرطين في حقّ دينهم، وهذا يضع الأنظمة في حرج أمام الشعوب المسلمة، ويضطرها إلى أن تفعل شيئًا ولو على سبيل ذرِّ الرماد، ومجرد ذرّ الرماد يرعب الصهاينة وينمي عندهم هاجس الخوف من الزوال، فهم يعلمون أنّهم -برغم الدعم الأمريكي والغربيّ- لا طاقة لهم بالعرب والمسلمين إذا اتحدوا وقرروا الخلاص من الكيان الصهيونيّ، وعلى الرغم من أنّ المؤشرات الظاهرة كلها تؤكد أنّ هذا لن يكون على المدى القريب والمتوسط؛ فإنّ الصهاينة لا يأمنون التحولات إذا شاعت في الأمة أفكار أزهرية كهذه.

    ماذا ننتظر في البيانات القادمة؟

    بقي أمرٌ تنتظره شعوب الأمة العربية والإسلامية من الأزهر ومن شيخ الأزهر، وهو المطالبة الصريحة بطرد السفراء الصهاينة من كافّة العواصم العربية والإسلامية، وسحب جميع سفراء جميع الدول العربية والإسلامية من تل أبيب، وإعلان تجميد العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية وتعليق اتفاقيات التطبيع، فهذا أوان الجدّ، وهذه ساعة الحسم، ولا تمثل هذه المطالب إلا الحدّ الأدنى لما يجب أن يتخذ من إجراءات مؤثرة على الصعيد السياسيّ، كما ننتظر البيان التام والبلاغ العام لأحكام شريعة الإسلام، فيما يتعلق بأحداث غزة، مثل تكييف مقاومة العدوان على غزة بأنّها جهاد دفع يجب وجوبًا عينيًّا على جميع بلاد الطوق المحيطة بغزة وفلسطين، فإن كَفَوا وإلا انتقل الواجب إلى من بعدهم.

    ومن هذه الأحكام أنّ المستوطنين -عدا الأطفال- حربيون غاصبون معتدون، لا أمان لهم ولا ذمة، وليسوا بمدنيين يلزم المجاهدين الكفّ عنهم، ومنها وجوب مقاطعة جميع السلع والخدمات التي تقدمها الشركات الداعمة للكيان الصهيونيّ، وغير ذلك من الأحكام التي تلزم أهل الإسلام، ومنها اعتبار التبرع لغزة نوعًا من الجهاد بالمال، الذي يجب وجوبًا عينيًّا، ولا يسقط بسقوط الجهاد بالنفس عمّن حيل بينه وبين الجهاد بالنفس.. حيَّا الله الأزهر وشيخ الأزهر.

    فلسطين عدوان الكيان الصهيوني الأزهر الشريف الهجوم

    مقالات