حكم تهنئة الكيان الغاصب «إسرائيل» في ذكرى احتلاله وتأسيسه
رابطة علماء أهل السنةونحن في الذكرى الـ75 الأليمة لإعلان دولة الاحتلال الصهيونية البغيضة العنصرية على معظم أراضي فلسطين المحتلة، ومع اتساع وتنامي دائرة المطبعين مع هذا الكيان المحتل لقطعة عزيزة من دار الإسلام تضم بيت المقدس أرض القبلة الأولى ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، نجد أنه من واجبات الوقت أن يبين العلماء الحكم الشرعي في تقديم التهاني من أفراد أو مؤسسات أو دول لهذا الكيان الغاصب بمناسبة ذكرى تأسيسه على أرضنا المحتلة.
ولا بد أن نشير أولاً إلى أن احتياجنا للتذكير بالحكم الشرعي لهذه المسألة التي تعتبر من بدهيات المعرفة لكل مسلم سوي التفكير سليم العقيدة، منشؤه حالة الضعف العام التي تسود العالم الإسلامي، وتولي سدة الحكم في بعض دوله من قلب ظهره لأحكام الشريعة فابتعدوا عن تطلعات شعوبهم، واتخذوا من عدو الأمة الإسلامية ولياً من دون الله والمؤمنين، مع تحريك آلة إعلامية ضخمة تشوه الحقائق وتحارب المصلحين؛ إذ لا يعقل أن يبارك مسلم عاقل لعدو محارب بذكرى اغتصابه لجزء من دار الإسلام، فهي ذكرى تسببت بتشريد ما يزيد على مليوني فلسطيني أصبحوا لاجئين في عدد كبير من دول العالم، هذه الذكرى التي ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء بين قتيل وجريح، إن دولة الكيان الغاصب («إسرائيل») قامت على أشلاء الفلسطينيين وعلى وقع المجازر والمذابح التي نفذتها العصابات الصهيونية بحقهم، وهل تبارك الضحية للجلاد وحشيته وجرائمه؟! وهل يتقدم المظلوم لشكر الظالم؟! نعم إن ذكرى ما يسميه العدو استقلال «إسرائيل» هي ذكرى مذابح نفذت بحق الأبرياء، هي ذكرى تشريد شعب ومحاولة إبادته، إنها ذكرى أليمة تصطدم بمشاعر كل عربي ومسلم وحر شريف في العالم.
وينبغي أن يكون حديثنا عن الواجب الشرعي تجاه هذا العدوان والاحتلال، وهو العمل على رفعه بكل السبل المتاحة، وبذل الموارد المالية والبشرية من أجل استنقاذ بيت المقدس وكل فلسطين من ربقة هذا الاحتلال البغيض، والعمل على فضح ممارسات هذا الكيان ضد أبناء شعبنا ومقدساتنا في جميع المحافل المحلية والإقليمية والدولية، فهذا هو الواجب الذي يرقى إلى فرض العين.
ونقول لمن يفكر في تقديم التهاني لدولة الاحتلال: اتقوا الله، فإنكم تقومون بجريمة نكراء، وتدخلون بذلك في دائرة المنكر والحرام، لما في ذلك من:
– إظهار للود والموالاة للعدو المحارب، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (المجادلة: 22)، وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (الممتحمة:1)، ولئن نهينا عن الإسرار إليهم بالمودة فكيف بالمجاهرة والإعلان! وأخبر النبي ﷺ أن المسلم لا يستكمل إيمانه إلا بذلك، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى الله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» (الجامع الصغير 8289).
– خذلان للمسلمين والمظلومين والمستضعفين، فقد أمرنا الله تعالى برد العدوان، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190)، وأمرنا بالقتال في سبيل الله ومن أجل نصرة المستضعفين، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) (النساء: 75)، وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن خذلان المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» (متفق عليه).
إضفاء للشرعية على جرائم الاحتلال المنكرة التي ارتكبتها «إسرائيل»، وما زالت ضد أهلنا في الأرض المحتلة، وهي تدخل في باب التعاون معهم على الإثم والعدوان الذي نهينا عنه، قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
ومن هذا المنطلق فإننا نحذر الأفراد والشخصيات والمؤسسات والحكومات والحكام من مغبة الانزلاق في هاوية هذا المنكر العظيم المتمثل في تهنئة العدو باحتلاله جزءاً عزيزاً من دار الإسلام، هذا المنكر الذي تأباه الفطر السليمة والنصوص الشرعية.
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (يوسف: 21).