في ذكرى السابع من أكتوبر: ماذا نفعل؟ ما هو دورنا؟


لن أتطرق للدور الطارئ الذي ينبغي أن يهرع إليه كل صاحب ضمير حي وروح إنسانية؛ فضلا عن الدين والاعتقاد، فكلُّ إنسان أدرى بما يمكن أن يقوم به: (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره).
وما ينتظر الأمة من عمل إغاثي سيكون على الغاية من الضخامة، وستختبر فيه الدموع التي سالت أمام الشاشات!
سأتكلم عن الدور الإستراتيجي الذي سيتوجَّب عليك- أيها الكريم- أداؤه وإن لم ترغب بالأداء، الذي سيطاردك حتى لو قررت الانسحاب!
تدل كل الأدلة والقرائن الواقعية والاستراتيجية والشرعية على أن مواجهة "الصهيوني" باتت وشيكة، لا على الصعيد المقاوم؛ فالمواجهة معه قائمة على أشدها، وإنما على صعيد الأمة التي ستُفرَض عليها المواجهة شاءت أو أبت!
وسيندم كثيرون على أنهم صدقوا في يوم من الأيام أن سلامتهم ومكاسبهم واستقرارهم إنما هو بإبداء المزيد من التماهي مع المشروع الصهيوني وتقديم التنازلات له باعتبارها عنواناتٍ لحسن النية!!
وسيُدركون أنهم قد أضاعوا وقتاً ثميناً كانوا يرقصون فيه على أنغام السلام مع "الضباع" التي كانت تستعدُّ بانهماك للحظة الانقضاض على ما تبقى من هياكل ورسوم لتحقيق الحلُم المعلَن منذ عقود بإقامة "إسرائيل الكبرى"!
وعلى كلٍّ؛
فإنه سيحيَى- بعد هذا الطوفان- من حيَّ عن بينة، وسيهلك من هلَك عن بيِّنة، وقد أقام الله الحجة وأبان الحق وأزال الشبهات!
وأما نصيحتي لنفسي أولاً ولأبناء الأمة المخلصين الذي لم تخدِّرهم أحلام السلام الكاذب الجائر، ولم يركنوا يوماً إلى ابتسامات الضباع أن يتهيَّؤوا للمعركة القادمة بجدٍّ، وأن يستعدوا- دولاً ومؤسسات وأفراداً- لاستقبال المرحلة الوشيكة ولتأدية استحقاقاتها.
وإن أعظم ما ينبغي أن يتضمنه هذا الاستعداد وتلك التهيئة:
تعميق الارتباط بالآخرة، وترسيخ الزهد بالدنيا وقطع التعلق بها، وتوطين النفس على مفارقة محبوباتها، والاستعداد للانتقال من الحياة الناعمة إلى حياة الجد، ومن الخوف على الدنيا إلى الزهد فيها والإعراض عنها، ومن الهرب من الموت إلى تطلبه في مظانِّه.
وليس هذا سهلاً- أيها المخلصون- فإنه يستلزم استعداداً نفسياً وإيمانياً عالياً وجاداً، ومشكلتنا في مثل هذا الخطاب المتفق عليه: أننا لا نأخذه على محمل الجد، ولا ننقله إلى حيز الإجراءات.
وقد تأملت في السياق القرآني لآية سورة التوبة: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة؛ يقاتلون في سبيل الله، فيَقتلون ويُقتلون..)، ولاحظت إتباعها بقوله سبحانه:
(التائبون العابدون الحامدون السائحون…)، فقلت:
إن الوفاء بشرط الصفقة الشريفة مع الله ليس إلا لأولئك الذين اكتمل بناؤهم التربوي، وتعلقت قلوبهم بالله، وأتقنوا أداء حق العبودية له، فصار أقصى غاياتهم نيل رضاه وبلوغ جنته، وصاروا يرون كل شيء وسيلة لتحصيله؛ لا يرون فيه غير ذلك!
أيها الشباب..
فلنتعاهد على بعض ما يحقق لنا مبتغانا من الاستعداد الإيماني والنفسي للقاء الله، والرغبة فيما أعدّه لأوليائه:
1- المحافظة على وِردٍ مناسب من القرآن، مع إعطائه حقه من التفكر والتدبر، بلا عجلة ولا قصدٍ إلى بلوغ نهايته، مع الاستعانة بتفسير مختصر يبين المعاني، وإنه لا أعون على بناء الذات بناءً يمكِّن المرء من احتمال اللأواء من الإقبال على القرآن بتدبر، وتأمل معانيه بتفكر، وإحياء الليل بآياته، وتربية النفس بفطامها عن لذائذها المعتادة، وإخراجها عن مألوفها من عوائد أيامها.
2- المحافظة على أوراد غزيرة من الذكر، والحرص على أذكار الصباح والمساء، وأندبكم إلى اعتماد "المأثورات" المختومة بدعاء الرابطة، مع تعاهد "ورد الفاتحين".
واعمِد لأجل هاتين النقطتين إلى الجلوس في المساجد، واشرط على نفسك مكوثاً فيها، وليكن من بعد صلاة الفجر إلى الضحى، أو من بعد صلاة المغرب إلى العشاء.
3- التقلل من الدنيا، واختيار أيام لمحاكاة حياة المجاهدين والصابرين، مع الإكثار من الرحلات الخلوية والمشي في الفلوات.
4- ممارسة الرياضة والحرص على تقوية الجسد، وليحتسب في ذلك النية وليضع نصب عينيه قول الله تعالى: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم).
5- يبدو من خلال النظر في تجليات كتاب الله على واقعنا أننا نعيش مرحلة إساءة وجوه بني إسرائيل: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجهوهكم).
وإذا كان هذا النصّ القرآنيّ خبراً فإنه يحمل- كذلك- في طياته إشارات تكليفيةً إجرائية يمكن لكل فرد في الأمة أن يقوم به.
ويتوجَّه السؤال إلى كل منا:
ما نصيبك من "إساءة وجوه الأشقياء"؟
وكيف السبيل إلى المشاركة العملية في ذلك؟
وأنت- أيها المرابط- من يجيب على هذا السؤال ويمحِّص الإجابة ويزنها!
غير أن الملاحظة المهمة التي ينبغي أن ترافق جوابك هو:
أن تحرص على أن لا يخلو يوم من أيامك من توقيع تسيء فيه وجوه القوم، وتسهم في رسم مشهد نهايتهم.
(ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا).