الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 01:31 صـ 20 ربيع آخر 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    غزة ..مُلهمة العالم معاني الصمود والكرامة

    رابطة علماء أهل السنة

    الحمد لله على نعمة الأمان والحمد لله على نعمة السلام والحمد على وقف الحرب على غزة العزة .

    على مدار عامين كاملين قدَّم شعب غزة أروع معاني التضحية والصبر والثبات ، وارتقى منهم - في سبيل المقدسات والحرية - سبعون ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، وعشرات الألوف من الجرحي ومليوني شريد.

    فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [ آل عمران : 147 ] .

    لقد أحيت غزة فينا معاني وقيماً عظيمة، منها :

    1- أحيت روح الأخوة في الأمة، فرأينا الأمة من أقصاها لأقصاها تنتفض وتغضب وتحزن وتبكي وتتضرع إلى الله تعالى من أجل غزة .

    2- لقد أحيت غزة ضمير الإنسان، فرأينا مظاهرات الغضب في أكثر من ٨٠٠ مدينة أوروبية وكثير من المشاركين فيها غير مسلمين، لكن غزة مسَّت روحهم وقلوبهم وعقولهم فألهبت شعلة الانتصار للمظلوم .

    رأينا أسطول سفن الصمود من الأحرار من مختلف الجنسيات يواجهون الأخطار في البحر من أجل كسر حصار الجوع والعار على غزة .

    3- لقد أحيت غزة في الأجيال النابتة في الغرب روح البذل من أجل المظلومين، وقيمة الحرمان من أجلهم، حين وجدنا أطفالاً صغاراً يسبقون الكبار فيقاطعون منتجات الشركات التي تدعم الاحتلال الغاشم .

    4- لقد أحيت غزة فينا روح الصمود، في مقارعة الظلم والطغاة دون يأسٍ أو قبول هوانٍ أو تنازلٍ عن مبدأٍ أو قيمةٍ نؤمن بها .

    5- لقد أحيت غزة معنى العزة في روح المؤمنين .

    قال تعالى :

    مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ [ فاطر : 10 ] .

    وقال تعالى :

    وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [ المنافقون : 8 ] .

    6- لقد أحيت فينا روح التضحية من أجل القدس والأقصى

    فالقدس عقيدة والأقصى عقيدة والقضية إيمانية في المبتدا والمنتهى، والبركة ساطعة من أرض الإسراء والمعراج وما حولها .

    سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الإسراء : 1 ] .

    7- لقد أحيت فينا معنى : أن الانتصار لا يكون بالعدد أو قوة المادة، إنما بالإرادة الماضية والعزيمة الفتية، والثبات على المبدأ .

    كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [ البقرة : 249) .

    وأن أكبر ميدان للانتصار هو ميدان الأخلاق والقيم وفطام النفوس عن الهمم الدنيَّة والشهوات الطينية .

    نعم لقد ذاقت غزة ألواناً من الظلم والجوع، بل إبادة جماعية يندى لها جبين العالم .

    لكنهم سطروا أروع الأمثلة في الصبر والصدق والتمسك بالحق والدفاع عن الحرية والكرامة.

    قدموا الشهداء فداء للقدس والأقصى، فداء للعرض والشرف .

    فهنيئا للشهداء ما أعد الله لهم .

    قال صلى الله عليه وسلم: ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة، وفي رواية: لما يرى من فضل الشهادة. رواه الشيخان عن أنس بن مالك.

    وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا [ النساء : 69 ] .

    وقال تعالى:

    أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ۖ [ الحديد : 19 ] .

    قال ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره: ولا شك أن ‌الصديق ‌أعلى ‌مقاما من الشهيد، كما رواه الإمام مالك بن أنس، رحمه الله، في كتابه الموطأ، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم". قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين".

    تعلمنا من غزة أن صاحب الحق أقوى، وعليه أن يصمد ولا يتنازل عن حقه، بل عليه أن يدافع عنه ولا يستسلم مهما كان ضعيفا .

    تعلمنا من رجال غزة وأحرارها أن يطوى صاحب الرسالة جراحه بين جنبيه ولا يعطي الدنية من دينه، وأن يثبت في المقام الذي نصبه الله عليه مرفوع الهامة منتصب القامة يرى الحق منتصرا ورايته خفاقة والباطل زاهقا ورايته منتكسة .

    تعلمنا من غزة أن صاحب الكلمة الأخيرة في مجريات الأمور هو الله تعالى، فعلينا أن نتوكل على الله وحده صاحب العزة والقوة والبطش .

    إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ هود : 56 ] .

    بقدر حزننا على الدمار والمعاناة، لكننا نفرح بوقف الحرب دون أن تستسلم غزة .

    نفرح بفضل الله على الصبر والبطولة والثبات والصمود.

    صمدت غزة في وجه قوى البغى والظلم .

    صمدت غزة رغم الدمار والآلام والجراح .

    فليفرح اليوم كل من غضب وحزن وبكى ودعا ربه من أجل غزة .

    من حقكم أن تفخروا أنكم من أمة فيها غزة.

    ارفعوا رؤوسكم عالية لأنكم من أمة فيها أحرار غزة فيها نساء غزة فيها أطفال غزة.

    نعم لقد نال الاحتلال من دماء مئات الألوف من أبناء غزة، لكنه لم ينل من عزيمة طفل صغير في أصغر شارع بغزة.

    لقد هدم الاحتلال المساجد والمآذن لكنه لم ينل من الإيمان الراسخ في قلوب غزة رجالا ونساء .

    لقد كسر الاحتلال قلوب النساء والأطفال لكنه لم يكسر إرادتهم في الإصرار والصمود .

    لقد خسرت غزة مالاً وبيوتاً لكنها فازت بالإمامة في الصبر والعطاء

    وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [ السجدة : 24 ] .

    وسطرت غزة تاريخا ترويه الأجيال ليوم الدين للأمة والإنسانية .

    الحمد لله أن وقفت هذه الحرب الظالمة .

    ونحب أن نؤكد على أن ما بعد الحرب حمل ثقيل يجب علينا أن نهرع لإغاثة أهلنا ماليا ونفسيا وإعلاميا .

    ونسأل الله تعالى أن يتقبل شهداءهم وأن يربط على قلوبهم وأن يحفظ غزة العزة وفلسطين.

    والحمد لله أولاً وآخراً.

    غزة ملهمة الصمود الكرامة الشهداء

    مقالات