الجمعة 26 أبريل 2024 11:29 مـ 17 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ”هوامشُ الإرادات”

    رابطة علماء أهل السنة

    من المعضلات في حياة الناس الحَورُ بعد الكَور، والميلُ بعد الاستقامة، ومما يساعد على حَلِّها أمور، على رأسها فكرةٌ عميقةٌ سأحاولُ تذليلَها ما أمكن:

       إنَّ أيَّ فعلٍ لا يقعُ تامًا إلا بإرادةٍ جازمة، فإن لم تكن جازمةً وقع ناقصًا وتخلَّف بعضُه، وكذلك التركُ لا يكونُ تامًا إلا بإرادةٍ جازمة، فإن لم تكن جازمةً لم يتحقق التركُ كاملًا ووقع بعضُه. 

    يتبينُ لنا من تلك المقدمة أنَّ ترك العبد بعضَ المأمور إنما يقع من نقص الإرادة، وفعلَه بعضَ المحظور إنما هو كذلك من نقص الإرادة. 

    ولكي يتضحَ لك الأمرُ أكثر سَل نفسك.. منذ أن التزمتَ طريقَ الهداية كم صلاة فرضٍ تركت؟ 
    الجواب غالبا: ولا مرة. 
    ثم سل نفسك.. كم صلاة نافلةٍ تركت؟ 
    الجواب غالبا: تركت ما لا أحصيه كثرة. 
    أتدري ما الذي جعلك تترك أحيانًا بعض النوافل ولا تتركُ البتَّةَ بعض الفرائض؟ 
    إنها الإرادة؛ كانت جازمةً في الأولى وناقصةً في الثانية. 

    ما قلناه في الفعل يمكننا أن نقوله في الترك سواءً بسواء: فسل نفسك أيها العبدُ الصالحُ كم مرةً شربت فيها الخمر؟ 
    الجواب غالبًا: ولا مرة. 
    ولكن كم مرةً نظرتَ فيها إلى حرام أو وقعتَ في غيبة؟ 
    الجواب غالبًا: مرات كثيرة. 

    الخلاصة:

    إنَّ سبب وقوع الإنسان في المخالفة الشرعية فعلًا أو تركًا هو وجودُ هامشِ تردُّدٍ لدى العبد يسمحُ له بتمرير تلك المخالفة، ولو جزم العبدُ في إرادته ما عصى اللهَ في كبيرةٍ قط. 

      سأُنعِشُ وعيَكَ بمثالٍ لتقيسَ عليه ما شئتَ بعدُ:

    المدخِّنون لا يخرجون عن ثلاثة:

    الأول: لا إرادةَ له في ترك التدخين. 
    النتيجة: لن يتركه أبدًا. 

    الثاني: له إرادةٌ جازمةٌ في تركه. النتيجة: سيتركُه ولن يعودَ إليه. 

    الثالث: له إرادةٌ غيرُ جازمةٍ في تركه. 
    النتيجة: سيتركُه ثمَّ يعود. 

    أيها المبارك.. 

      إذا كنتَ تعاودُ الذنبَ بعد الذنب فراجع هامشَ الإرادة لديك، فوسِّع إن شئتَ أو ضيِّق، لكن؛ تذكَّر أنك لن تقطعَ دابرَ الذنب حتى تقطع هامشَ التردُّد. 

       د. جمال الباشا

    هامش الإرادة الذنب الترك العمل الفرض النافلة

    مقالات