الجمعة 4 يوليو 2025 12:33 مـ 8 محرّم 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    قافلة الربيع العربي واستعادة الدور التاريخي للعلماء

    رابطة علماء أهل السنة

    كان لي شرف المشاركة والسفر إلى"غزة هاشم" ضمن وفد رابطة علماء أهل السنة، التي نظمت القافلة بالتعاون مع الحملة الأوربية لفك الحصار عن غزة، وكان عدد المشاركين فيها 140 من أكثر من أربعين دولة حول العالم، وضم وفد الرابطة عشرة من العلماء يتقدمهم د/ صفوت حجازي، ود صلاح سلطان، وقد حملت القافلة أدوية وأدوات طبية بقيمة (200000) مئتي ألف دولار، والرحلة حافلة بالمشاهدات والتأملات والمواقف التي تعجز الكلمات والعبارات عن وصفها، لكن أهم ما حملته هذه الرحلة وتميزت به سواء بالنسبة لغزة وأهل فلسطين، أو للأمة العربية والإسلامية بشكل عام، هو حضور العلماء ومشاركتهم التي تأخرت كثيراً، وفي تقديري أن مشاركة وفد العلماء في هذه القافلة هو خطوة مهمة في طريق استعادة الدور التاريخي للعلماء سيما في قضية فلسطين والمسجد الأقصى.
    وأنا هنا أقرر بكل اطمئنان أن هذه المشاركة للعلماء هي خطوة تاريخية أولى لاسترجاع دور العلماء في قيادة الأمة وتوجيهها بالفعل لا بالقول، وبالتضحية والبذل لا بالبيانات والخطب، وذلك للمواقف التالية:
    1- في لقائنا مع النساء الفلسطينيات، وقيادات العمل النسائي في غزة ومعظمهن قدمن الشهداء قالت نائبة في المجلس التشريعي الفلسطيني: لماذا تأخر حضور العلماء إلى غزة؟! لقد انتظرناكم طويلا لماذا سبقكم غيركم من الأوربيين والحقوقيين من غير المسلمين؟!
    وقد بادرنا بالإجابة أننا سعينا وحاولنا منذ أكثر من سنة حتى كتب الله لنا الوصول إلى الأرض المباركة، لكن الإجابة لم تكن مقنعة لنا أو لهن، لأن التقصير بينٌ واضح أمام إصرار المؤسسات والأفراد الآخرين، الذين نجحوا في الوصول إلى غزة رغم الصعوبات والتحديات.
    2- قال لي العالم المجاهد الدكتور مروان أبو راس أثناء توجهي معه لإلقاء محاضرة بمسجد المجمع الإسلامي بغزة إن هذه القافلة هي أنجح قافلة وصلت إلى غزة، لا تتخيل فرحة الناس بقدومكم. وقد رأينا احتشاد الناس في المساجد وحرصهم على مصافحتنا، والحديث إلينا ومشاعر الحب والود والأمل تملأ أعينهم، وقد كان المشايخ والعلماء يقدمون أكثر من محاضرة في اليوم الواحد فضلا عن الأحاديث والتسجيلات الإذاعية بالإضافة إلى المشاركة في الفعاليات الأخرى التي دعوا إليها وما ذاك إلا برهان أثرهم وتأثيرهم رغم قصر وقت زيارتهم.
    3- لم يغفل رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية هذا المعنى في لقائنا معه فقال: إن زيارة وفد رابطة علماء أهل السنة يحمل دلالات عدة على رأسها التأكيد على دور العلماء في تحرير فلسطين، واستحضار الدور التاريخي لهم، فاليوم نرى العلماء في كل قضية لهم رأي وموقف، وهذا ليس مبشر خير لفلسطين فحسب بل لكل الأمة. وأضاف: اليوم الأمة تكتشف نفسها من جديد من خلال العلماء الذين باتوا أئمة في كل شيء .
    4- حرصنا على أن نلتقي بالفصائل الفلسطينية، وطلبنا دعوة الجميع وساد اللقاءَ جوٌّ رائع، وتعاهد الجميع أمام العلماء على طي صفحة الخلاف، والمضي قدما نحو الوحدة وتغليب مصالح الشعب الفلسطيني، وهذا يعني أن العلماء يمكن أن يقوموا بدور كبير ومهم في ملف المصالحة الفلسطينية إكمالا للأدوار السياسية الأخرى.
    5- لمسنا بوضوح الدور الإيجابي الذي قامت وتقوم به رابطة علماء فلسطين في الداخل في تبيين الحقائق للناس، وحمل همومهم، والثقة الكبرى التي أودعها الناس فيهم، وآية ذلك أن نجحت الرابطة في حل13000 قضية قامت بالتحكيم فيها من أموال ودماء وقضايا أسرة وغيرها.
    6- في زيارتنا للجامعة الإسلامية بغزة وقفنا على دور الجامعة "الرسالي" في تخريج الأئمة والخطباء والعلماء والدعاة، وسد الفراغ الهائل الذي كان موجودا في غزة قبل تأسيسها، وكذا دور وزارة الأوقاف في الارتقاء بمستوى الأئمة، والوصول إلى الشرائح المختلفة من الناس.
    والدور البارز لدار الكتاب والسنة التي نجحت في تخريج 20000 عشرين ألف حافظ وحافظة لكتاب الله عز وجل خلال عام في غزة وحدها، وبهذه الأجيال الربانية يكون الرباط والتحرير والنصر والتمكين بإذن الله.
    إن هذه المواقف مجتمعة دالة بوضوح على دور العلماء وأثرهم الكبير في القضية الفلسطينية، وتحرير بيت المقدس وحماية المسجد الأقصى المبارك، وذلك بتربية الناس وتوجيههم وتثقيفهم تجاه القضية.
    لقد أحسست بالخجل وأنا أشاهد وأتأمل الرجال والنساء الأوربيين الذين رافقونا في هذه الرحلة ومعظمهم من غير المسلمين، وقد تجاوز بعضهم الستين والسبعين من العمر، وهم أصحاب مراكز سياسية مرموقة في بلدانهم، منهم رؤساء أحزاب ومرشحون للرئاسة، قطعوا المسافات التي تجاوزت أربعين ساعة.
    وشعرت بضآلة جهدنا، وضعف عزيمتنا تجاه هذه القضية، حين علمت أن أسبانيًّا غير مسلم كان له دور كبير في تنظيم وإعداد قوافل الحرية إلى غزة، قال لوفد زاره من المسلمين أثناء تجهيزه للقافلة بعد أن قص عليهم تعرضه للمضايقات في عمله، وعدم موافقة أسرته على مواقفه: أحتاج إلى 50 ألف يورو لأكمل تجهيزات القافلة، ولو لم تصلني سأَرهن بيتي وأقترض المبلغ من البنك، لكن لابد من إكمال القافلة وتسييرها!
    إن أحداث الربيع العربي أنتجت ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ عدم حاجة الأمة من العلماء إلى البيانات والأقوال فحسب، وإنما تحتاج إلى المواقف والأحوال، وأن يكون العلماء في طليعة المشهد، ووسط الثوار والمدافعين عن كرامة الشعوب التي أهينت، وحقوقهم التي سلبت، وآية ذلك أن عالما سوريا معروفا ملء السمع والبصر شرقت كتبه وغربت، لكن غابت مواقفه التي انتظرها شعبه، وتطلعت إليها أمته، فكان أن أحرق الناس كتبه في الشوارع والميادين، وأكره شعبيا على عدم المشاركة في بعض المؤتمرات خارج بلده، وكان بوسعه أن يلتزم الصمت، وأن لا ينطق بكلمة يؤيد فيها الظالم على المظلوم، لكنه أبى، فأبى الشعب.
    إن مشاركة العلماء في قافلة الربيع العربي أعادت إلى الأذهان سيرة وتاريخ العلماء وجهادهم، كعز الدين القسام الشيخ الأزهري الذي قاوم الاحتلال الفرنسي في بلاده حتى حُكم عليه بالإعدام، فتركها وباع بيته متوجها بثمنه إلى فلسطين يؤدي واجبه ويلقى الله تعالى شهيدا على أرضها المباركة، ولن نفلح في استعادة جيل صلاح الدين ولن نبلغ مسجدنا الأقصى الأسير محررين إلا باستعادة دور العلماء الربانيين كما حدث عبر التاريخ. 
    إن هذه القافلة وجهد العلماء فيها هو خطوة أولى نحو استعادة الدور التاريخي للعلماء، لكن يجب أن تعقبها خطوات منها: 
    إصلاح مؤسسة الأزهر؛ لتكون قادرة على تخريج جيل فريد من العلماء الذين حملوا هم القضية الفلسطينية عبر التاريخ، ونجحوا في جعلها حية في قلوب وعقول الناس شرقا وغربا.
    ومنها: التنسيق بين روابط العلماء والدعاة حول العالم وضم جهودهم فيما يتصل بالشأن الفلسطيني.
    ومنها: العمل على إحياء ما اندرس من تاريخ بيت المقدس خاصة لدى الطبقة الجديدة من الجيل الحاضر.
    ومنها: تتابع قوافل العلماء إلى غزة حتى يرفع الحصار، وكم تمنيت أن يكون معنا في هذه الرحلة العلماء المعروفون إعلاميا ليعظم الأثر وينتشر الخبر.
    وكذا استدعاء قضية فلسطين، وحصار غزة، وبيت المقدس، وواجب المسلمين تجاهه في مختلف المناسبات وعموم الأوقات، عندها تتحرر الأوطان ونجتمع مصلين في المسجد الأقصى المبارك ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.