الثلاثاء 23 أبريل 2024 06:10 مـ 14 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    رسالة الشهيد بإذن الله عبدالقادر ملا لزوجته

    رابطة علماء أهل السنة

    رسالة الشهيد بإذن الله عبد القادر ملا

    (نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في بنغلاديش)

    لزوجته قبل تنفيذ الحكم عليه 

    حبيبتي وشريكة حياتي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،

    اليوم، وبعد صدور النص الكامل لحكم الإعدام من المحكمة العليا والذي من المرجح أن تصل النسخة المصدقة منه إلى إدارة مصلحة السجون في غضون الليلة او يوم غد؛ سيرحلوني إلى زنزانة الإعدام وفق ما تنص عليه القوانين، وبما أن مدة الحكومة قد قاربت على الانتهاء فقد بات من شبه المؤكد إقدام الحكومة على تنفيذ هذا الحكم الجائر الظالم التعسفي بسرعة.

    ويبدو لي أن المحكمة لن تقبل التماسي على الحكم، وحتى إذا قبلوا التماسي فإن الفرصة معدومة لتعديل او إلغاء ما صدر من احكام، أما إذا أراد الله سبحانه وتعالى لي الحياة فسيقدِّر لي ذلك بقدرته فذاك شيء آخر، ولكن هذا لا يحصل كثيرا، فالكثير من الأنبياء والرسل قتلوا ظلماً وجوراً على يد الكفار، وحتى العديد من الصحابة والصحابيات قتلوا بوحشية وقسوة شديدة على يد كفار مكة، فكانت تضحياتهم  سبباً في إعلاء كلمة الله، وإنني لا أدري ما الله فاعل بي . 

    يوم أمس، جاءت وكيلة وزارة الخارجية الهندية سوجاتا سينغ إلى الدولة، وخلال زيارتها لم تقدم الدعم الكامل للحزب الحاكم فقط؛ بل مارست ضغوطاً على الجنرال والحاكم العسكري السابق حسين محمد إرشاد وحذرته من أنه إذا لم يخض حزبه غمار الانتخابات البرلمانية المقبلة فإن الجماعة الإسلامية وحزب اتحاد الطلاب الإسلامي سيستولون على الحكم، وهذا التصريح كشف كيف أن دولة كبيرة بحجم الهند تتخوف وترتعد وترتجف لهذه الدرجة من جماعة سياسية إسلامية ومن ذراعها وجناحها الطلابي، وكشفت مدى الخوف الذي ينتابهم ويجري في عروقهم مثلما يجري الدم فيها، إنني كنت متأكداً من البداية بأن كل ما اتخذ من إجراءات ضدنا هي كلها كانت تتم حسب المخطط المرسوم الذي أعدته الهند، ووصلت الأمور الآن إلى درجة أن الحزب الحاكم إذا أراد إلغاء المحاكمات وحل المحكمة نفسها فلن يستطيعوا ذلك، لأنهم قدموا تعهداً للهند بهذا الخصوص مقابل إيصالهم إلى سدة الحكم ولهذا عليهم أن يفوا بالوعد الموعود. 

    الكثيرون منا يتساءلون حول المبادئ والقيم، وطالما أن جميع الوسائل الإعلامية بشقيها المرئي والمسموع تساند وتؤازر الحكومة بشكل أعمى في جميع ما تتخذه من قرارات تعسفية وإجراءات غير قانونية بما في ذلك ما قامت به من توجيه تهم ملفقة ومفبركة مستوحاة من عالم الخيال ضدي وضد زعماء الجماعة الإسلامية الذين يقبعون حاليا خلف القضبان،  فما الذي دفع الحكومة إلى أن تضرب مثلاً في المبادئ والقيم الأخلاقية وتظهر للعالم أنها ملتزمة بها في دولة أصبح القاضي يتفاخر بأدائه دور الجلاد بكل فرح وسرور وسعادة وبهجة وغبطة، كيف أتمنى أو أتوقع أن أحصل على العدالة والانصاف من قضاة محكمة يتفاخرون بأدائهم دور الجلاد.

     إن ما يبعث مشاعر الحزن والألم والأسى هو أنني وقبل استشهادي لم أستطع أن أقول للشعب ما تعرضت له أنا وزعماء الجماعة الإسلامية من ظلم جائر بقرار الإعدام الذي صدر بحقي وبحق الآخرين، ولكن هذا أيضاً  ليس ممكناً بسبب العداء الشديد الذي تكنه وسائل الإعلام لنا، في حين أن الشعوب التي تقف بجانب قضايا العدل والإنصاف وكل من له ضمير إنساني سيعلمون ذلك، وسيعلمون أيضاً  أن استشهادي سيكون سبباً في إسقاط هذه الحكومة الظالمة وستحقق الحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية نجاحاً نوعياً لم تحققه في تاريخ هذا البلد بإذن الله. 

    يوم أمس وخلال مراجعتي للقرآن الكريم قرأت مرة أخرى آيات سورة التوبة من الآية 17 إلى الآية 24 ، ففي الآية 19 قال الله سبحانه وتعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَايَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ﴿١٩﴾  

    ففي هذه الآية الكريمة بيّن الله سبحانه وتعالى ما للمجاهد في سبيل الله بنفسه وماله من فضل وشرف ومقام عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فالذي يدفع حياته ثمناً للوقوف في وجه الباطل ويموت شهيداً في سبيل إعلاء كلمة الله وإقامة الدين الحنيف في هذه الأرض؛ وعده الله سبحانه وتعالى بدرجة عظيمة ومقام عظيم، فإن أراد الله سبحانه وتعالى أن يرفع من درجاتي ويسكنني فسيح جناته فلا بد لي أن أتقبلها بصدر رحب وأن اكون مستعداً لملاقاة رب العالمين، وبما أنني سأُقتل على يد الظالم ظلماً وجوراً فتذكرة الجنة لي مضمونة إن شاء الله.  

    إنني أذكر أنه في عام 1966 قام الحاكم الظالم لمصر بإعدام السيد قطب وعبد القادر عودة وآخرين، ففي عدة مخيمات تعليمية سمعت عدة محاضرات عن هذا الموضوع، فكان الأستاذ (غلام أعظم) دائماً ما يضع يده اليسرى على كتفي ويقول لي بأن ذلك الحبل يمكن أن يعلق في رقبتك أيضاً ، وعلى ما أذكر أيضاً  فإنني ذهبت إلى ذلك المكان لعدة مرات، وهذه المرة إذا قدر الله سبحانه وتعالى أن ينفذ حكمه لصالحي ولصالح الإسلام وفي نفس الوقت إذا يعجل ذلك من سقوط الظالم فأين الخسارة ؟ لا خسارة إذاً، فحياتي فداء للإسلام ولتطبيق شرع الله في الأرض. والرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يبين للصحابة فضل وشرف ومقام الشهيد عند الله سبحانه وتعالى كان دائماً يتمنى أن يموت شهيداً.  

    حتى الشهداء وبعد أن يدخلون الجنة سيتمنون الحياة ليموتوا شهداء مرة ثانية، فالله حق والرسول حق وإذا يشك أحد في ذلك فإن إيمانه سيذهب، إنهم إذا نفذوا الحكم الجائر التعسفي عليّ فمن المرجح ألا يسمحوا بتشييع جنازتي في داكا، وإذا تستطيعين رتبي جنازتي في مسجد الحي وأمام منزلنا الريفي، وإذا يريد من يعيشون ويسكنون في المحافظات والمدن التي تقع في الضفة الأخرى لنهر "بدما" أن يشاركوا في جنازتي فعليهم أن يأتوا إلى منزلنا الريفي، وعلينا أن نبلغهم بذلك.

     وعن مراسم دفني كما قلت سابقاً ادفنوني بجوار قبر والدتي، أحذركم من أية بدعة تبتدعونها في قبري من تشييده او بناء مقامات أو أضرحة عليها أو إقامة اي حفل سواء كان صغيراً أو كبيراً للميت، تصدقي على الأيتام والمساكين والفقراء قدر المستطاع، وعليك بمساعدة ومساندة العائلات التي ضحت بعزيزها في الحركة الإسلامية، خصوصاً العائلات التي ضحت بعزيزها بعد اعتقالي وبعد صدور الحكم الجائر التعسفي بحقي، وإذا كانوا بحاجة إلى أي مساعدة مالية فعليك مساعدتهم قدر المستطاع، عليك بتزويج حسن ومودود في أسرع وقت ممكن بعد الانتهاء من دراستهم، ونفس الشيء ينطبق على بنتنا "نزنين".  

    حبيبتي وشريكة عمري : 

    أطلب منك الصفح والعفو والمسامحة لأنني لم أستطع أن أوفيك حقك وحق أبنائي وبناتي، سامحيني لوجه الله سبحانه وتعالى، دعوت الله لك خصيصاً، ودعوت الله سبحانه وتعالى أن ألتقي بك في عالم البرزخ بعد أن ينتهي احتياجك لأبنائك وبناتك وللحركة الإسلامية.

     والآن عليك أن تدعين الله سبحانه وتعالى لأن يملأ  قلبي بمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله الكريم، وإن شاء الله سوف نلتقي في الجنة، أوصيكم والجميع بضرورة الكسب والأكل الحلال، وأمري الجميع بأن يحافظوا على الفروض والواجبات خاصة أن يحافظوا على الصلوات الخمس في وقتها، وهذه النصيحة أيضاً  للأقارب والمعارف، وطالما أن الوالد على قيد الحياة فعليك بمواساته . 

    إلى اللقاء نلتقيكم في الجنة إن شاء الله .