الأحد 5 مايو 2024 04:01 مـ 26 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    إقصاء علماء الدين عن العمل السياسي

    رابطة علماء أهل السنة

    السؤال


    نشر في الصحف والمجلات اقتراح المنظمة الإفريقية للحوار بين الأديان ، يقول بإقصاء رجال الدين عن العمل السياسي، حتى لا يكونوا أبواق للحكام ، ولا أن يتخذوا لأنفسهم أحزابا ذات طابع ديني، فما رأي علماء الشريعة في هذا؟
     

    الفتوى


    بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
    أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم دولة لها سيادة ودستور ، ومواثيق وعهود ،وفيها وزراء ،ومستشارون، واهتمام بجانب السياسة الشرعية فيما يتعلق بعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفراء ، وكان هناك اهتمام بالجانب الاجتماعي ، والجانب الثقافي ، والجانب الاقتصادي، وغيرها من جوانب الحياة. 

    وكذلك كان حال الخلفاء من بعده ، وقد زادت رقعة الدولة ، فأدخلوا الدواوين ، وأنشئوا بيت المال ، وكان لهم اهتمام بجانب المرافق العامة في الدولة ، وتحقيق الأمن العام وغير ذلك مما وافق طبيعة الدولة آنذاك.

    ومن المفترض أن يكون الخليفة أو الحاكم عالما بشرع الله تعالى ،يعرف الحلال والحرام ، وفقه القرآن والسنة ، ومقاصد الشرع ، ومع هذا ، فقد كان للخليفة علماء مقربون ، ووزراء مشيرون ، فكان علماء الدين في الماضي يذكرونه بالله تعالى ، ويرشدونه إلى طريق الصواب. 

    وفي زماننا قل من الحكام من يستشير عالما ، أو يقربه إليه،وربما احتاج منه إلى فتوى تيسير، ليس وفق منهج الله ، بل وفق مايحب هواه. 

    ومن الواجب شرعا أن يعود علماء الإسلام إلى مكانتهم في دولتهم ، فإن الفصل بين قادة الفكر، وهم علماء الإسلام ،وبين قادة الحكم أفسد على الناس دينهم ودنياهم. فلابد من تلاحم الطرفين . 

    أما القول بأن يكون علماء الإسلام بعيدين على الحياة ، فهذا ضرب من إقصاء الإسلام عن أن يكون دينا محركا، بل يراد له أن يكون دينا أثريا ، يتبرك به في المناسبات ، مما يعني تعطيل شرع الله ، وقد سمى الله تعالى ذلك ظلما وكفرا وفسقا ، كما قال تعالى: (وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ) (وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) ( وَمَنْ لم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ).

    وهذا الفصل الذي تدعو إليه بعض المؤسسات ، إنما هو تأثر بعقائد غير المسلمين ، من النصرانية وغيرها ، وخشية أن يكون هناك رجال دين لهم الكلمة والسطوة، حتى على الحكام، ويتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في الحياة ، وليس هذا في الحقيقة منهج الإسلام الذي طالب المسلمين قائلا:" ( فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ ) النحل : 43
    . ففي شئون الدين البحتة، هناك علماء الشريعة ،وفي شئون الحياة ،هناك العلماء المتخصصون. 

    وإن كان علماء الإسلام يبيحون قيام أحزاب معارضة بناءة ، فليس في الإسلام ما يقصرها على قوم دون قوم ،بل يكون قيام الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية أوجب في حقهم ، لأنه من السعي لتطبيق شرع الله ،وهو من الواجبات. 

    أما اتخاذ العلماء أبواق للحكام ، فهذا لا يجوز بحال، لأن هذا ينافي دور العلماء ، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يكون العلماء مطية للحكام الظالمين، بل جعل الجهر بالحق من الجهاد ، فقال صلى الله عليه وسلم :" أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". 

    والله أعلم 
    وكتبه: د. مسعود صبري.

    مسعود صبري