السبت 27 أبريل 2024 06:57 صـ 18 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    العدل في النقد والإنصاف في الخصومة

    رابطة علماء أهل السنة

     لقد دعانا  الإسلام الحنيف دين العدل والرحمة إلى الإنصاف والعدل ، وحذرنا من الخيانة وسوء الظن فقال تعالى: "وإذا قلتم فاعدلوا "وقال عزوجل: "ستكتب شهادتهم ويسألون".
    فالعدل مطلوب من المسلم في كل حياته ، مع نفسه ومع غيره حتى مع من يخالفه المعتقد أو الفكرة ، ولايعني هذا ترك النقد والصمت عن قول الحق بقدر مايعني التزام أدب النقد وترك الفجور في الخصومة ، والتحرر من شهوة الإنتقام وتضخيم الذات على حساب الغير .
    قد يقوى النزاع في بعض الإحيان  ويشتد الخصام ، وتعلوا الصرخات بين المختلفين على مسائل لا تستحق كل هذا الشجار والنزاع ، وهي من مسائل الخلاف التي يعذر فيها بعضهم بعضا ، أو يناقش بعضهم البعض الآخر من باب "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ولو أنهم فكروا في مآلات خلافهم ، ونتائج مهاتراتهم لعلموا أنهم قد جانبوا الصواب ، وتجاوزوا العدل ، وعالجوا ما ظنوه خطأ بخطأ أكبر منه ، وتعاملوا مع ما توهموه مخالفة بمخالفة خلخلت عرى الأخوة ، وزلزلت روابط المحبة .

    وقد يشتد الخلاف في بعض الأحيان ولا يعرف المختلفين محل النزاع ، ولا نقطة الخلاف ، ولو حكموا عقولهم لو جدوا أنفسهم على رأي واحد ؛ لكن سوء الفهم  ، وعدم التريث ، والإستعجال في الحكم قبل البحث عن نقاط الإتفاق  ؛ أوقعهم في فخ النزاع وشرك الشقاق من حيث لا يشعرون .

    وقد يحاكم إنسان إنسانا لرأي سابق ربما قد عدل عنه ، أو تبين له عدم صوابية الخوض فيه في وقته ؛ فينبش  هذا الراي من جديد ويستدعي الماضي ، ويجدد الحكم على صاحب الرأي . والأقرب من هذا من يستدعي آراء ماضية في مسائل غير متشابهة ويخلط هذا بهذا بلا روية ولا علم .

    والأخطر من ذلك من تشكلة عندهم قناعات سلبية حول أفراد أو جماعات بسبب موقف أو مواقف ؛ وبالتالي ذهبوا يفتشون عن أخطائهم ، ويترصدون  عثراتهم ، وينسفون كل مايصدر عنهم ، ويحملون كلامهم مالايحتمل ، وفرغوا أنفسهم لهم وكأن الله ماخلقهم إلا لذلك .
    والمشكلة أن هذه القناعة المسبقة حول فرد أو جماعة تجعل صاحبها  يصدق مايقال عنهم ، ويشاع ضدهم من دون تبين وتثبت ، ومع مرور الزمن  تتطور هذه القناعة ، ويزين شياطين الإنس والجن وهوى النفس لصاحبها أن الواجب عليه التحذير من خطر صاحب الرأي ، وفضحه أمام المجتمع ؛ ليأمنوا من شره ، ويحذروا من خطره ،
    وتستجيب شهوة الإنتقام وتتطور إلى الإتهام بالكفر والزندقة والخروج من الملة ، ويستغلون  من حيث لا يشعرون في شق النسيج الإجتماعي ، ونسف روابط الإخاء ، وربما استباحة دم المخالف "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا". وسبب كل هذا إما استعجال  الحكم ، أوقناعة سلبية لربما بنية على شفا جرف هار ظن صاحبها أنه يقوم بواجب الدفاع عن الدين وحماية حمى الإسلام ، فزلزل البناء وأنكى الجراح .
    والواجب التحري والتبين وأن يكون النقد بالقدر الذي يقرب ولا يبعد ، ويجمع ولا يفرق ، بلا فجور ولا اتهام ، ولا تشويه ولا خصام ، متحررا معه صاحبه من هوى النفس ، ومستعدا  في حال تبين له خلاف ما قال للتراجع والإعتذار .
    والله حسبنا ونعم الوكيل.

    مقالات