الجمعة 3 مايو 2024 09:35 مـ 24 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    واقع سُنة العراق ومستقبلهم | في ظل تنافس القوى الإقليمية

    رابطة علماء أهل السنة

    مقدمة

    يعاني السُّنة في العراق، منذ الغزو الأمريكي عام 2003، تهميشاً واضحاً، ولم يقتصر ذلك على الجانب السياسي وإنما تعداه إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية؛ فقد قادت الأحزاب والجماعات الشيعية، بدعمٍ مطلقٍ من إيران يقابله تقاعس عربي وإقليمي ودولي، حملة منظمة تهدف إلى القضاء على أهل السنة، فقاموا بتنفيذ عمليات اغتيالٍ وتهجير واعتقالٍ منظمة، ثم لم يكتفوا بذلك، بل عمدوا إلى محاولة تغيير ثقافة السكان عن طريق تغيير المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، بما يضمن بناء جيل محملٍ بالعقائد والأفكار الإمامية الاثنا عشرية.

    قابل هذا العمل المنظم من قبل الجماعات والأحزاب الشيعية ضعف وتشرذم واضح اعترى أهل السنة في العراق، وقد وصلت الأمور ذروتها عندما سيطر "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) على معظم المناطق العربية السنية في شمال العراق وغربه، حيث أصدر السيستاني فتوى "الجهاد الكفائي" التي تشكـَّل على إثرها ما يسمى "الحشد الشعبي"، لتتشكل بذلك ميليشيا شيعية خارجة عن سلطة الدولة وخاضعة للسلطة الشيعية الإيرانية.

     

     

    ستتطرق هذه الورقة إلى واقع أهل السنة ومستقبلهم في العراق منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 حتى يومنا هذا.

     

    الاحتلال الأمريكي

    بدا الأمر منذ اليوم الأول للغزو وكأن قوىً عراقيةً - ومعها أطراف خارجية - تعيد صياغة شكل البلد، وترسم خريطته المذهبية والسكانية والاجتماعية من جديد، بعد أن سُلم الملف العراقي لإيران التي قامت بدورها بتنفيذ خطة معدة مسبقاً تعتمد على الأحزاب والجماعات المسلحة الشيعية التي شكلتها ودعمتها  في السابق (مثل: "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" الذي شـُكِّل في إيران عام 1982، و"قوات بدر" التابعة له التي شاركت إلى جانب القوات الإيرانية في حربها مع العراق)، وقد سهَّل  المهمة الإيرانية قيام الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر" بحل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، ليتسنى إعادة تكوين العراق وتشكيله بالصورة التي تخدم الأهداف التي احتـُل العراق من أجل تنفيذها.

    ويذكر الدكتور نبيل خليفة في كتابه: "استهداف أهل السنة"، أن "التركيز على العراق ذو مغزى جيو-استراتيجي كبير، ليس لأنه الواجهة الشرقية للعالم العربي والحاجز أمام الثورة الإيرانية وحسب ، بل لأن مشروع المشرق يبدأ تنفيذه بإسقاط السلطة السنيّة في بغداد؛ بمعنى آخر إسقاط العراق كدولة عربية سنيّة، ونقله وانتقاله إلى السيطرة الشيعية على السلطة. وهذا في رأي الاستراتيجيين أهم تغيير جيو-استراتيجي في المنطقة لأنه المدخل إلى تغيير ثلاثة أمور أساسيّة:

    أولها: تغيير وجه "الشرق الأدنى" من دول الأكثرية السنية إلى دول "تحالف الأقليات الكونفدرالية" بحدوده الجديدة وبأعمدتها الأساسية الأربعة: الشيعة (وفيهم العلويون) اليهود الأكراد والمسيحيون.

    ثانيها: تغيير هوية المشرق من هوية عربية إلى هوية إيرانية.

    ثالثها: تغيير انتماء المشرق من انتماء إلى "العالم السنّوي"  إلى انتماء إلى "العالم الشيعوي".

    ولتحقيق هذا التغيير، يتم استخدام فكر استراتيجي متفوّق تنظيماً وتخطيطاً وتسلحاً في الجانب الأقلوي، وعلى يد داعميه الإقليميين والدوليين؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لكسر التفوّق التاريخي-الديمغرافي- السلطوي لأهل السنة، الذين يعانون من أمرين:

    الأول: الافتقار إلى استراتيجيّة فاعلة ومناسبة للمرحلة التي يمرّ بها العالم الإسلامي والشعوب الإسلامية.

    الثاني: الافتقار إلى "فكر سياسي حداثي ومعاصر".

    أحسنَ شيعة العراق استغلال الفرصة التي قدمت لهم من قبل الأمريكان بعد أن قاموا بإسقاط صدام حسين ، وقد كان جورج بوش الأب - قبل عقد من احتلال العراق - دعم التمرد الشيعي الذي بدأ في جنوب العراق عام 1991، حين أدرك الأمريكان سهولة إقامة تحالف مع شيعة العراق، فامتد هذا التحالف من ذلك الحين حتى احتلال العراق.

    ومن هنا ظهر ما عرف باسم المكون أو "المثلث السني"، وهو كيان فرضته طبيعة "عراق ما بعد الغزو الأميركي".

    انشق الصف السني بعد الاحتلال الأمريكي إلى جماعتين؛  الأولى اختارت النهج السياسي، و شاركت في مجلس الحكم، وكان المجلس يتكون من 25 عضواً؛ 12 منهم من الشيعة، و5 من السنة، و5 من الأكراد، ومقعد واحد للتركمان ومثله للمسيحيين.

    وبنظرة سريعة إلى هذا التقسيم يبدو السعي الواضح إلى تمكين الشيعة من زمام الحكم في العراق؛ إذ تم تقسيم كراسي مجلس الحكم اعتماداً على الإحصائيات السكانية المغلوطة التي تدعي أكثرية الشيعة في العراق، مع أن أهل السنة هم الأغلبية وفقاً، للإحصاء الذي أجري عام 1997 (آخر استطلاع رسمي لعدد السكان في العراق)، و تبين فيه أن نسبة  السنة في العراق يساوي 56.5% ونسبة الشيعة تساوي 39.5%[1].

    أما الجماعة الثانية فقد اختارت العمل المسلح ضد القوات الأمريكية والقوات العراقية التي تشكلت بعد الاحتلال، على حدٍّ سواء.

    وما زاد  ترنح الدور السني وضعفه، العداءُ وعدم التنسيق الذي كان يخيم على العمل السني، ولم تكتف الأحزاب والفصائل السنية بالمناكفات الإعلامية ومحاولة استمالة الرأي العام السني، بل تعدى ذلك إلى الاستهداف المباشر لبعض قادة ورموز العمل السياسي السني.

    على الجانب الآخر، استغل الشيعة الثقة الممنوحة لهم من قبل الأمريكان، التي تشكلت عن طريق التحالفات والاتفاقات المبرمة سابقاً بينهم، وقد قوبلت هذه الثقة بفتوى أصدرها المرجع الأعلى "علي السيستاني"، حرّم فيها مجابهة ومقاومة  لاحتلال الأمريكي، فتوطدت العلاقة أكثر بين الشيعة والأمريكان، وقد انعكس ذلك على بناء العراق الجديد بقيادة عسكرية ومؤسساتية شيعية.

    وبهذا التحالف المسبق الذي شُـكـِّل بين الأمريكان والشيعة المدعومين من إيران هيمن الشيعة على مفاصل الدولة العراقية، لتبدأ مرحلة إقصاء أهل السنة وتهميشهم. .

     

     

    المؤسسات والشخصيات السياسية والدينية السنية

     الإخوان  المسلمون:

    بدأ "الإخوان المسلمون" العمل العلني في العراق عام 1944 باسم: "جمعية الأخوة الإسلامية"، بقيادة الشيخين: محمد محمود الصواف وأمجد الزهاوي، ثم أنشأوا  حزباً سياسياً باسم: "الحزب الإسلامي" عام 1960، وبعد مجيء "حزب البعث"  إلى السلطة تعرَّض الإخوان للملاحقة، واعتقل عدد كبير من نشطائهم، وأُعدم عدد آخر مثل: عبد العزيز البدري ومحمد فرج وعبد العزيز شندالة.

    ونشط الإخوان في العمل السري الدعوي، وظهرت في التسعينيات موجة إسلامية كبرى، تمثلت في التدين والإقبال على المساجد، وبناء المساجد بأعداد كبيرة، ونشر الكتاب الإسلامي والأنشطة الإسلامية في المساجد والجامعات، والعمل الخيري والإغاثي والاجتماعي، وكان لضعف النظام السياسي في العراق بعد حرب الخليج الثانية أثر كبير في نشاط الحركة الإسلامية، فقد تراجعت الملاحقة الأمنية وسُمِح لهم بالعمل العام والدعوي والاجتماعي.

    وقد أعلن في المهجر إعادة إحياء "الحزب الإسلامي" العراقي بقيادة إياد السامرائي. وبعد احتلال العراق وإعادة الحياة السياسية العلنية  إليه، أعلن "الحزب الإسلامي" نفسَه بقيادة الدكتور محسن عبد الحميد، الأستاذ بجامعة بغداد عضو "المجلس الانتقالي للحكم في العراق".

    وتُعدُّ تجربة "الإخوان المسلمين" السياسية العامة والعلنية قصيرة نوعاً ما، وقد غلبت عليها السرية مع المشاركة في العمل العام والدعوي، وواجهت الجماعة  صدمة الانتقال من العمل السري  إلى فضاء العمل السياسي، في بلدٍ تتجاذبه التيارات السياسية والدولية، وتعصف به الأزمات الطائفية والعرقية والاقتصادية[2].

    وقد انفصل "الحزب الإسلامي" عن "جماعة الإخوان المسلمين" لأسباب داخلية تكمن في اختلاف السياسات بين "مجلس شورى الجماعة" و"المكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي".

     

    - نقاط قوة الجماعة:

    1 – تشكل الجماعة ثقلاً شعبياً وجماهيرياً، أكسبها إياه عملها الطويل في المجالين: الدعوي والخيري، كما أنها كانت تعطي الأولوية  لنشاطها في المساجد والدورات الدينية التي تقام فيها، فاستطاعت أن تكسب ود الناس، وقد استفادت من هذا الثقل بعد احتلال العراق، ولو بشكلٍ مرحلي.

    2 – تُعد "الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية" ("كتائب صلاح الدين") الجماعة المسلحة الأكثر قرباً للجماعة، إلا أن نشاط الجبهة أخذ بالخمول بعد خروج الاحتلال الأميركي من العراق، لعدة أسباب أهمها ضعف التمويل.

    3 – تمتلك الجماعة عدداً من الأفراد المتخصصين في عدة مجالات.

    - نقاط ضعف الجماعة:

    1 – فقدان الحركة لحاضنتها الشعبية بعد المواقف السياسية التي اتخذها "الحزب الإسلامي العراقي"؛ مثل موافقته على الدستور.

    2 – فتور العمل المسلح الذي كانت تقوده الحركة بانسحاب الاحتلال الأميركي.

    3 – اغتيال عدد من قادة الجماعة على يد الميليشيات الشيعية و"تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، بالإضافة إلى اعتقال عدد كبير من قادتها وشبابها، وتعرض الباقين للملاحقة القضائية بتهم ملفقة.

    4 – انفصال الحزب الإسلامي عن الجماعة، وهو ما أدى إلى فقدان الواجهة السياسية، ومن ثَم فقدان الثقل السياسي للجماعة.

     

     الحزب الإسلامي العراقي:

    تشكـَّل "" (الواجهة السياسية لـ "جماعة "الإخوان المسلمين" في العراق) في ستينيات القرن الماضي، وتحديداً في 26/4/1960 بعد ثورة تموز 1958 التي أفضت إلى القضاء على الحكم الملكي وتحويل العراق من مملكة إلى جمهورية، وقد اختير الدكتور "نعمان السامرائي" رئيساً للحزب، وبعد مرور ستة أشهر على تأسيسه نشر الحزب مذكرته الشهيرة التي دوَّن فيها انتقاداته لسياسات رئيس الجمهورية آنذاك "عبد الكريم قاسم"، وقانوني: " "الأحوال الشخصية"، و "الإرث" الذي ساوى فيه بين الإناث والذكور في الميراث مخالفاً الشريعة الإسلامية، وكذلك انتقتده المذابح التي ارتكبت في عهده في الموصل وكركوك، فتم على إثرها اعتقال جميع أعضاء المكتب السياسي مدة خمسة شهور وجرى التحقيق معهم.

    ومنذ ذلك الحين تراوح عمل "الحزب الإسلامي" بين السر والعلن، حتى جاءت ثورة تموز 1968 التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي، التي تفرد على إثرها بالسلطة، وتم حظر جميع نشاطات الأحزاب السياسية، عملاً بمبدأ الحزب الواحد، فعاد الحزب إلى العمل السري.

    استمر الطابع السري للحزب حتى عام 1987، عندما اكتشفت المخابرات العراقية مجموعاته السرية، فقُبِض على عدد من أعضائه وحكم عليهم   بأحكام تراوحت بين الإعدام والسجن مدة عشر سنوات  وانتقل النشاط السياسي للحزب بعد هذه الحادثة إلى الخارج.

    تواصل العمل السري للحزب حتى احتلال العراق عام 2003، ليعلن الحزب نفسَه من الداخل العراقي برئاسة الدكتور "محسن  عبد الحميد"، أعقبه "طارق الهاشمي" (النائب الأسبق لرئيس الجمهورية، الذي صدرت بحقه مذكرة قضائية بتهمة دعم الإرهاب، ليغادر على إثرها العراق،  وسبق ذلك انشقاقه عن الحزب).

    شارك "الحزب الإسلامي" في الانتخابات العراقية التي جرت في العام 2006 في تكتل سياسي كان يقوده الحزب تحت اسم("جبهة التوافق")،التي تضم مؤتمر أهل العراق بقيادة الدكتور "عدنان الدليمي"، ولفيف من العشائر السنية العراقية، وقد حصلت الجبهة على 45 مقعداً في البرلمان، حصل الحزب على نصفها تقريباً، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الجمهورية وعدد من المناصب الوزارية.

    وقد شارك الحزب في جميع الانتخابات النيابية والبلدية ومجالس المحافظات.

    عانى الحزب انشقاقات عديدة من قادته وأعضاء مكتبه السياسي، وكان أبرز من انشق أمينه العام الأسبق "طارق الهاشمي"، بالإضافة إلى 3 من أعضاء مكتبه السياسي (عبد الكريم السامرائي، علاء مكي، عمر عبد الستار)، وقد سبقهم في ذلك عضو المكتب السياسي ووزير التخطيط الأسبق علي بابان.

    انحدرت شعبية الحزب بشكل ملحوظ بعد أن كان الممثل الأقوى للسنة في العراق؛ بسبب ضعف الدعم المقدم له، وعمليات الاغتيال المنظمة التي استهدفت عدداً من قادته الميدانيين وشبابه العاملين.

    يمتلك الحزب قناة فضائية تحت اسم "قناة بغداد الفضائية"، وقد استُهدفت هذه القناة من قبل "تنظيم القاعدة"، ما اضطرها إلى نقل مكتبها إلى الأردن، ليتم إيقاف نشاطها أخيراً بسبب أزمة مالية ألمت بها.

    - نقاط القوة التي كان يتمتع بها الحزب:

    1 – القبول الذي كان يتمتع به في الشارع السني باعتباره الممثل الوحيد للعرب السنة.

    2 – امتلاك الحزب قناةً فضائية كانت الأقرب إلى الشارع السني، لكن ضعف الدعم اضطرها إلى تعليق نشاطها أخيراً.

    3 – امتلاك الحزب قاعدة عريضة من الشباب العامل، لكنه سرعان ما انفض عنه بسبب بعض المواقف التي أضعفت رصيد الحزب في الشارع السني، مثل موافقته على الدستور العراقي، ومبدأ التوغل في العملية السياسية والاستمرار فيها على الرغم من الظلم والإقصاء الحاصل على أهل السنة.

    4 – امتلاك القيادة الميدانية للحزب مقبولية في الشارع السني، وقد تشكلت بسبب العمل الخيري والدعوي الذي كان ينشط فيه عدد من هؤلاء القادة.

    - نقاط ضعف الحزب:

    1 – من أهم عوامل ضعف الحزب افتقاره إلى قوة عسكرية تدعم مواقفه السياسية وتدافع عن قادته وشبابه، أسوةً بالأحزاب السياسية- الشيعية منها خصوصاً- العاملة على الساحة العراقية، وبذلك كانت مواقفه تفتقر إلى القوة اللازمة لدعمها وتنفيذها، كما أن الشارع السني كان بحاجة إلى قوة عسكرية تحميه وتوفر له الأمن الذي افتقده، من جراء تغول الأجهزة الأمنية الشيعية والميليشياوية، وبعض الجماعات التكفيرية على الساحة السنية مثل تنظيم القاعدة.

    2 – افتقار الحزب إلى الدعم العربي، فقد عانى الحزب الإسلامي من ضعف الدعم السياسي والمالي، وحتى المعنوي، وهو ما جعله ضعيفاً لا يمتلك السند السياسي الذي يخوله اتخاذ قرارات مصيرية وجريئة.

    3 – الانشقاقات التي أوهنت الحزب وأفقدته مكانته الشعبية التي كان يتمتع بها.

    4 – افتقاره للموارد المالية.

    5 – غياب رؤية واستراتيجية واضحة توجه عمل الحزب، بالإضافة إلى تشتـُّت الرأي وعدم اجتماع الكلمة.

     

    هيئة علماء المسلمين:

    هي جمع من علماء  السنة الذين اجتمعوا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وقد عرَّفها القائمون عليها بأنها: "الكيان الذي يضم مجموعة من العلماء المتخصصين بالشريعة، يحملون مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية، يعاونهم في ذلك المسلمون من أهل الاختصاص في العلوم الأخرى، ويؤازرهم عامة المسلمين في النشاط العلمي".

    وقد أسس الهيئة عدد من المشايخ والعلماء،  أبرزهم: الشيخ حارث الضاري، الدكتور أحمد حسن الطه، الدكتور محسن عبدالحميد، والدكتور عبد الستار عبد الجبار، وغيرهم من المشايخ.

    وقد اُنتخب الأستاذ "محمد أحمد الراشد" رئيساً للهيئة بادئ الأمر، ليتنازل فيما بعد للدكتور "حارث الضاري" (رحمه الله) الذي بقي على رأس الهيئة حتى وفاته في العام 2015، ليخلفه ولده "مثنى حارث الضاري".

    عرفت الهيئة بموقفها الرافض للعملية السياسية في العراق، وبدعمها للمقاومة المسلحة، مستفيدةً من دعم ومساندة شريحة كبيرة من أبناء الطائفة السنية في العراق، وفي العالم الإسلامي بشكلٍ عام.

    وقد حرمت الهيئة على أهل السنة المشاركة في الانتخابات المختلفة، وانخراط أبناء السنة في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وهو ما  أفضى إلى فقدان المؤسسات السياسية والعسكرية لحساب الأحزاب والميليشيات الشيعة المدعومة من إيران، ومن ثم إلى ضعف أهل السنة عموماً.

    تمتلك الهيئة قناةً فضائية تحت اسم "قناة الرافدين" وتبث من مصر.

     

    - نقاط القوة التي تتمتع بها الهيئة:

    1 – تتمتع الهيئة بشعبية بين أبناء سنة العراق؛ بسبب مواقفها وتصريحاتها الجريئة.

    2 – تتمتع الهيئة بدعم شعبي عربي للسبب ذاته الذي أكسبها الدعم السني العراقي.

    3 – يتضح أن للهيئة مصادر مالية جيدة من المتعاطفين والمناصرين لمشروعهم.

    4 – تمتلك الهيئة قناةً فضائية ناطقة باسمها ومروجة لها.

    5 – تشكيل الهيئة من قبل عدد من كبار علماء العراق أعطاها زخماً شرعياً في الشارع السني.

    - نقاط ضعف الهيئة:

    1 – خروج عدد من العلماء المؤسسين للهيئة ليؤسسوا "المجمع الفقهي العراقي"، ومن أبرزهم الشيخ أحمد حسن الطه، والشيخ عبد الستار عبد الجبار.

    2 – افتقاد الهيئة للمرونة السياسية، وهو ما أفقدها الزخم الذي كانت تتمتع به في الساحة السنية.

    3 – يؤخذ على الهيئة من قبل البعض؛ التفرد في اتخاذ القرار، وعدم العمل بمبدأ الشورى المتفق عليه في ميثاق التأسيس، مما اضطر عدداً من المشايخ إلى ترك الهيئة.

    4 – لا تمتلك الهيئة فرقاً عاملة في الميدان على غرار باقي المؤسسات.

    5 – وجود معظم قادة الهيئة خارج العراق.

     

    المجمع الفقهي العراقي:

    "المجمع الفقهي العراقي" كما يعرّفه القائمون عليه : "مرجعية شرعية مستقلة لأهل السنة والجماعة، ليست حكومية، ولا تحتاج إلى تشريع أي قانون لتشكيلها، تتعاون وتتفاعل مع المؤسسات العلمية الشرعية داخل العراق وخارجه، لغرض تحقيق الأهداف المنشودة ضمن حدود الشريعة الإسلامية، مع مد جسور التعاون والتواصل وتبادل الخبرات مع الهيئات والمنظمات والمؤسسات كافة".

    وتتلخص رؤية المجمع في تحقيق مرجعية شرعية لأهل السنة والجماعة.

    من الواضح من التعريف والرؤية أن المجمع هو مجمع شرعي غير سياسي، يهدف إلى تشكيل هيئة شرعية تعنى بأمور الإفتاء وما شابه ذلك.

    - نقاط قوة المجمع الفقهي العراقي:

    1 – أُسس "المجمع الفقهي العراقي" من قِبَل كبار علماء أهل السنة والجماعة أمثال الشيخ  عبد الستار عبد الجبار، والشيخ أحمد حسن الطه، وبذلك يمتلك المجمع شعبية واسعة بين أبناء السنة. وهو لا يتوانى عن  إصدار البيانات واتخاذ المواقف شديدة اللهجة ضد الممارسات الحكومية والميليشياوية ضد أبناء السنة.

    2 – تجْمَعُ شيوخ المجمع علاقات طيبة مع بعض السياسيين السنة أمثال رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي.

    - نقاط ضعف المجمع:

    -يكتسب المجمع نقاط ضعفه من الكتل والأحزاب السياسية السنية. وقد بدا هذا الضعف جلياً عندما قام حيدر العبادي (رئيس الوزراء) بتعيين "عبد اللطيف الهميم" رئيساً لـ "ديوان الوقف السني" على الرغم من معارضة "المجمع الفقهي" و"الحزب الإسلامي العراقي" وأسامة النجيفي.

     

    ديوان الوقف السني:

    يعنى الديوان بأوقاف أهل السنة وشؤونها الإسلامية، ويرتبط بمجلس الوزراء، ويتمتع بالشخصية المعنوية، ويمثله رئيسه أو من يخوله.

    أُسس الديوان في 22/ 10/ 2003 بعد أن تم إلغاء "وزارة الأوقاف والشؤون الدينية" وتوزيع مهامها على دواوين الأوقاف والطوائف المختلفة، وتم تحديد مهامه وتقسيماته وتشكيلاته بناء على ما أقره "مجلس النواب" وصادق عليه "مجلس الرئاسة".

    يتم تعيين رئيس الديوان عن طريق رئيس مجلس الوزراء، وقد تم مؤخراً تعيين الدكتور "عبد اللطيف الهميم"، وهو شخصية مثيرة للجدل بسبب قربه من صدام حسين، وعلى الرغم من معارضة الكتل السياسية والدينية السنية الرئيسة (المجمع الفقهي، الحزب الإسلامي، أسامة النجيفي...).

    - نقاط قوة الديوان:

    1 – يمتلك الديوان ميزانية هائلة تعد الكبر من بين ميزانيات المؤسسات والوزارات العراقية الأخرى.

    2 – يعد الديوان أعلى مرجعية دينية لسنة العراق.

    -نقاط ضعف الديوان:

    1 – تحديد دور ديوان الوقف بإصدار الفتاوى وإدارة المؤسسات الدينية.

    2 – ارتباط رئيس الديوان المباشر برئيس الوزراء، حيث يمتلك رئيس الوزراء حق تعيين  رئيس الديوان وعزله.

    3 – تم تحييد دور الديوان السياسي بعد أن تم إقصاء الدكتور عدنان الدليمي من رئاسة الوقف من قبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتعيين الدكتور أحمد عبد الغفور السامرائي والدكتور عبد اللطيف الهميم بعده.

    4 – تعاني مؤسسات الوقف من استشراء الفساد المالي والإداري.

     

    ائتلاف متحدون للإصلاح:

    هو تحالف سياسي عراقي سني، شكّله "أسامة النجيفي" رئيس "البرلمان العراقي"  سابقاً،  في كانون الثاني /يناير 2012،  مع لفيف  من الأحزاب والقوى السنية، أبرزها: "الحزب الإسلامي العراقي"،  وأحزاب قومية عربية وتركمانية، منها: "الجبهة التركمانية العراقية"، وقد فاز الائتلاف بالمرتبة الأولى في  انتخابات "مجالس المحافظات"  سَنَة 2013، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت عام 2014،حصل على المرتبة الأولى في الأنبار في نينوى.

    يعد الائتلاف حالياً أكبر وأقوى كتلة تمثل سنة العراق، على الرغم من ضعف أدائه، والاختلافات الداخلية التي تعصف به، خصوصاً بعد دخول "الدولة الإسلامية" إلى المحافظات السنية وضعف موقفه في مواجهة تمددها.

    - نقاط قوة الائتلاف:

    – يضم الائتلاف عدداً كبيراً من الأحزاب والتجمعات والشخصيات المستقلة السنية، وهو بذلك يشكل تكتلاً شاملاً لأهل السنة في العراق.

    - نقاط ضعف الائتلاف:

    1- العديد من  الاختلافات التي تحصل داخل الائتلاف لأسباب مختلفة، أبرزها تنوع المشارب الفكرية لقادة الائتلاف، وهو ما شكل حالة من عدم التجانس داخل الائتلاف.

    2 – استهداف الائتلاف إعلامياً بحجة أنه كان السبب في دخول داعش إلى المناطق السنية، وقد تعدى ذلك إلى  الاستهداف السياسي، بعد أن صوت البرلمان على إقالة "أثيل النجيفي" محافظ نينوى وأحد قادة الائتلاف، كما أنه الأخ الشقيق لرئيس الائتلاف "أسامة النجيفي".

    3 – فقدان الائتلاف شعبيته بسبب ضعف موقفه من تمدُّد "الدولة الإسلامية"، ومن  الممارسات التي تقوم بها الميليشيات الشيعية، متمثلةً في "الحشد الشعبي"، الواقعة على أهل السنة، فَقَد بذلك الحاضنة السنية التي كان يتمتع بها.

     

    يلاحظ أن النقطة المشتركة بين جميع الأحزاب والجماعات السياسية السنية هي فقدانها للدعم الشعبي السني بعد أول مخاض تتعرض له، وهو ما يصعِّب مهمة  السياسي السني، على عكس   الشيعي الذي يعمل بأريحية تحت الغطاء الشرعي الذي تعطيه إياها "المرجعية الشيعية"، وهو بذلك يمتلك مساحة  أكبر للمناورة والمساومة، بالإضافة إلى حالة الثقة التي يتمتع بها بسبب وجود من يدعمه على المستوين: الديني والسياسي.

     

     

     

    الشخصيات السنية المستقلة 

    طارق الهاشمي:

    طارق أحمد بكر الهاشمي، ولد في بغداد عام 1942، انضم الهاشمي إلى "الحزب الإسلامي العراقي" عام 1975، وشغل منصب نائب رئيس جمهورية العراق بعد الاحتلال، كان ضابطاً في الجيش العراقي السابق، بالإضافة إلى أنه كان  مدرّساً في "جامعة البكر للدراسات العسكرية"، كان الهاشمي رئيساً لـ "لحزب الإسلامي العراقي" حتى العام 2009، حينما انشق عن الحزب احتجاجاً على اختيار رئيس جديد للحزب ، وانضم بعدها إلى  "تحالف القائمة العراقية الوطنية،  وكان يقوده رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، اُتهم الهاشمي برعاية الإرهاب ، وأصدر  قرار قضائي  باعتقاله، فاضطر إلى الهرب خارج العراق، وحُكِم عليه  لاحقاً بالإعدام.

    فقد الهاشمي إخوته الثلاثة على يد الميليشيات الشيعية، وكانوا جميعهم أعضاءً وقادة في "الحزب الإسلامي".

    - نقاط قوة الهاشمي:

    1 – كان الهاشمي يتمتع بدعم ومساندة الحزب السياسي السني الأقوى والأكثر تنظيماً في حينها ("الحزب الإسلامي العراقي").

    2 – يتمتع الهامشي بخبرة عسكرية عالية، انطلاقاً من كونه ضابطاً في الجيش العراقي السابق، بالإضافة إلى أنه كان مدرساً في "جامعة البكر للدراسات العسكرية".

    - نقاط ضعف الهاشمي:

    1 – إن من أهم وأخطر النقاط التي أضعفت الهاشمي وأدت به إلى الملاحقة القانونية  انشقاقه عن "الحزب الإسلامي العراقي"، وإن كانت في ظاهرها نقطة قوة حيث إنه حصل بعد انشقاقه على المركز الثالث في بغداد في عدد الأصوات بعد المالكي وعلاوي، إلا أنه فقد حاضنته الحزبية والسياسية والجماهيرية.

    2 – ملاحقة الهاشمي قضائياً وتلفيق التهم له،  ما جعله يهرب خارج العراق متجهاً إلى تركيا، ومن ثم أصبح بعيداً عن المشهد السياسي العراقي متخذاً موقع المعارضة الإلكترونية.

     

    رافع العيساوي:

    رافع حياد جياد العيساوي، من مواليد محافظة الأنبار عام 1966، اختصاصي جراحة العظام والكسور، عمل مديراً لمستشفى الفلوجة إبان الهجوم الأميركي على المدينة وهو الأمر الذي رفع رصيده الجماهيري والشعبي.

    فاز بمقعد نيابي في انتخابات (2005) عن "جبهة التوافق" التي كان يرأسها "الحزب الإسلامي العراقي"، ومن ثم شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية (2006 – 2007)، ومن ثم نائباً لرئيس الوزراء في العام (2008).

    انشق العيساوي هو الآخر عن "الحزب الإسلامي العراقي" مشكلاً "تجمع المستقبل الوطني"، وقد فاز عن القائمة بمقعد نيابي أهله إلى أن يعين فيما بعد وزيراً للمالية في العام (2010)، واستمر في منصبه حتى أُقيل منه بدعوى دعمه للإرهاب، وقد تم اعتقال حرسه الشخصي وملاحقته قضائياً هو الآخر، وهو ما فجَّر الحراك السني الذي انتهى بدخول "داعش" إلى المحافظات والمدن السنية.

    - نقاط قوة العيساوي:

    1 – تعتبر "الحاضنة العشائرية" التي يتمتع بها العيساوي  أبرز نقاط القوة، ويعد تحرك عشيرته احتجاجاً على تلفيق التهم له شرارة انطلاق الثورة السنية.

    2 – كان العيساوي يتمتع برصيد شعبي لا بأس به، خصوصاً في محافظة الأنبار، حيث كان مديراً لمستشفى الفلوجة في فترة الهجوم الأميركي على المدينة.

    3 – يمتلك العيساوي قدرة عالية على إدارة التفاوض، حيث كان  رئيس لجنة المفاوضات التي شكلتها جبهة "التوافق العراقي" في انتخابات (2005 – 2006) والتي فاوضت الكيانات السياسية الفائزة بالانتخابات، بهدف تشكيل الحكومة العراقية، وكذلك كان رئيساً للجنة المفاوضات التي شكلتها "القائمة العراقية" في انتخابات (2010) للهدف ذاته، كما أنه قاد العديد من المفاوضات السياسية التي جمعت بين الفرقاء العراقيين.

    - نقاط ضعف العيساوي:

    1 – غياب الرؤية السياسية الإصلاحية والمشروع الواضح الذي كانت تنتظره الجماهير العراقية.

    2 – انشقاقه عن "الحزب الإسلامي"، إذ  خسر بذلك الداعم السياسي والحاضنة، على الرغم من امتلاكه الحاضنة العشائرية التي يتميز فيها عن الهاشمي، إلا أنه فقد الحاضنة السياسية والفكرية.

     

    خميس الخنجر:

    خميس فرحان الخنجر العيساوي، من مواليد  الفلوجة (1965)، اسمٌ جديد قديم على الساحة السياسية العراقية، كما أنه من أكثر السياسيين إثارةً للجدل، حاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، وهو تاجر ومليونير، عمل سابقاً في تهريب لفائف التبغ (السجائر) مع عدي صدام حسين، حتى اختلف الاثنان وهرب الخنجر خارج العراق  باتجاه الأردن، ليعود كممول وتاجر بعد احتلال العراق. مول الخنجر جهاتٍ عدة،  أبرزها: "جبهة التوافق"، و"هيئة علماء المسلمين"، و"القائمة العراقية" ويعتبر ممولها الأول.

    أسس الخنجر جمعية باسم: "مؤسسة الخنجر للتنمية العلمية" مقرها الأردن، و تركز على إيفاد الطلبة العراقيين إلى عدة دول لإكمال الدراسة، كما أسس "مؤسسة الخنجر للرعاية الاجتماعية" لترعى الجرحى والمرضى من ذوي الدخل المحدود.

     كما  أسس "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية"، ومقره الأردن أيضاً. وقام الخنجر في عام 2010 بتشكيل تحالف سياسي تحت اسم: "جبهة تحالف الكرامية".

    يعتبر الخنجر الوجه السياسي السني الصاعد بسبب ما يمتلكه من نفوذ سياسي وعلاقات على المستويين: الإقليمي والدولي.

    - نقاط قوة خميس الخنجر:

    1 – يتمتع الخنجر بعلاقات داخلية وإقليمية ودولية واسعة، يستطيع من خلالها الضغط وتحصيل الوعود والمكاسب.

    2 – يمتلك الخنجر ثروة طائلة تمكنه من فتح وإدارة المشاريع الخيرية التي تكسبه شعبية وشهرة على المستويين: الجماهيري والسياسي.

    3 – يمتلك الخنجر مركزاً للدراسات والأبحاث، ما يخوله إدارة وتوجيه الرأي العام.

    4 –كان للخنجر اليد العليا على كثير من الكيانات والجماعات السنية العراقية، بينها "القائمة العراقية".

    - نقاط ضعف الخنجر:

    تاريخ الخنجر المتمثل بعلاقاته التجارية مع عدي صدام حسين قد يكلفه فقدان مكانته السياسية إذا  فـُتِح أهذا الملف من قبل لجنة "اجتثاث البعث"، ما قد يجعله  يلقى  مصير الهاشمي والعيساوي.

     

    العراق والتقاطعات الإقليمية

    النفوذ الإيراني في العراق[3]

    وفرت  أمريكا  باحتلالها للعراق عام 2003 فرصة تاريخية لإيران لتحويل علاقتها مع العراق، التي كانت سابقاً واحدة من أشد أعدائها. فقد استغلت  إيران الحدود الطويلة التي يسهل اختراقها مع العراق، وعلاقاتها الوطيدة مع سياسيين عراقيين رئيسيين، وأحزاب وجماعات مسلحة عراقية، فضلاً عن قوتها الناعمة المتمثلة في المجالات: الاقتصادية والدينية والإعلامية؛ لتوسيع نفوذها، ومن ثم ترسيخ مكانتها في العراق، بشكل يتعدى النفوذ إلى الحكم والسيطرة.

    سعت إيران إلى التأثير  في سياسات العراق من خلال العمل مع الأحزاب الشيعية لخلق دولة ضعيفة يهيمن عليها الشيعة، وتتقبل النفوذ الإيراني. فقد شجعت حلفاءها المقربين: "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" وميليشياته "منظمة بدر"، و"حزب الدعوة الإسلامي"، وكذلك "الصدريون"، مؤخراً للمشاركة في الحياة السياسية والمساعدة على تشكيل المؤسسات العراقية، ويقابل هذه التحالفات والنفوذ نأي الدول العربية المجاورة للعراق بنفسها عن التدخل وإنقاذ نفسها من التمدد الإيراني قبل إنقاذ العراق.

    ويكمن هدف طهران من توحيد الأحزاب الشيعية في العراق أن تتمكن من ترجمة ثقل الشيعة الديموغرافي إلى نفوذ سياسي، وبذلك تعزز من سيطرتها على الحكومة. وتحقيقاً لهذه الغاية حاولت إيران التأثير  في نتائج الانتخابات البرلمانية عامي 2005 و2010، وكذلك انتخابات 2009 الإقليمية؛ من خلال تمويل مرشحيها المفضلين، وتقديم المشورة لهم، وتشجيع حلفائها الشيعة على خوض الانتخابات تحت قائمة موحدة لمنع تقسيم أصوات الشيعة. وقد قام وكلاء إيران الدينيون، أمثال السيستاني، بإصدار الفتاوى الموجبة للمشاركة الكثيفة في الانتخابات، كما سعت إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة بصفة تقليدية مع الأحزاب الكردية الرئيسة؛ لتأمين نفوذها في أجزاء من شمال العراق.

    وتمارس طهران نفوذها من خلال سفارتها في بغداد، وقنصلياتها في: البصرة وكربلاء وأربيل والسليمانية. كما أن سفيرَيها الاثنين اللذين عُينا بعد عام 2003 كانا قد خدما في " فيلق القدس" التابع لـ " الحرس الثوري الإسلامي" (المسؤول عن العمليات السرية في الخارج)، وذلك يؤكد الدور الذي تقوم به أجهزة الأمن الإيرانية في صياغة وتنفيذ السياسة الإيرانية في العراق. وقد استخدمت هذه الأجهزة الأمنية أحياناً عملاء من "حزب الله" اللبناني يتحدثون العربية لتسهيل دعم الجماعات المسلحة الشيعية.

    عملت  إيران على نسج أنشطة القوة الناعمة في منهجها الحكومي الشامل بما يعكس نفوذها في العراق. وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد اتخذت تدابير وقائية، واتبعت سياسات تجارية لا تحقق مصلحة العراق، وحاولت السيطرة على المرجعية الشيعية فوق الوطنية التي مقرها في النجف، كما حاولت التأثير  في الرأي العام العراقي من خلال أنشطة المعلومات.

     وفي الجانب الاقتصادي ، عززت  إيران  روابطها التجارية والاقتصادية مع العراق للحصول على مكاسب مالية وتحقيق القدرة على التأثير  في جارتها. وقد قامت  إيران بإغراق العراق بمنتجات وسلع استهلاكية رخيصة ومدعومة، وقد أدى ذلك إلى تقويض القطاعات الزراعية والتصنيعية العراقية، كما قامت  إيران ببناء عددٍ من السدود، وتحويلا الأنهار التي تغذي المجرى المائي لشط العرب، وهوما أثر سلبياً على قطاع الزراعة العراقية في الجنوب، وأعاق جهود إحياء الأهوار.

     

     

     

     

    العراق ساحة انطلاق تصدير الثورة

    لقد كان أحد أهداف  إيران  الرئيسة منذ الثورة الإيرانية تأمين سيادة أيديولوجيتها "الرسمية" في المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء العالم؛ من خلال إنشاء المدارس والمعاهد الدينية الشيعية، ودعم علماء الشيعة في مختلف الدول الإسلامية.

    وقد اختارت إيران العراق لأنها قد أمنت السيطرة عليه عن طريق السياسيين والأحزاب والميليشيات الشيعية التي أنشأتها ودعمتها، بالإضافة إلى سهولة اختراقه، كما كان للموقع الجغرافي العراقي القريب من إيران كبير الأثر في تسهيل هذه المهمة.

    وتستخدم إيران وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي في زرع أيديولوجيتها والترويج لمشاريعها لكي تتمكن من بناء قاعدة انطلاق لها تخولها تصدير الثورة.

     

    الدور السعودي في العراق

    يصعب رسم ملامح واضحة للسياسة السعوديّة في العراق؛ بسبب الطابع المتحفّظ القائم على التكتّم الذي تتّسم به تلك السياسة، ولكن لا يخفى على أحد أن السعوديّة تحاول لجم الحكومة العراقيّة التي تهيمن عليها الأحزاب الشيعيّة التابعة لإيران.

    لم تصنع السعودية لنفسها نفوذاً في العراق كالذي صنعته إيران، وهذا لا يعني انعدام الدور السعودي نهائياً في العراق؛ فالقرب الجغرافي للبلدين يحتم على السعودية أن يكون لها دور احترازي على الأقل.

    تنطلق الفلسفة السعودية من مبدأ أن الأزمة العراقية تنتهي  بانتهاء الأزمة السورية التي تَصبُّ السياسةُ الخارجية السعودية جُلَّ اهتمامها عليها، بيد أن الأزمة السورية هي امتداد للأزمة العراقية، وبذلك فعلى السعودية أن تدرك أولوياتها، وأن تعمل على بناء دور ونفوذ لها في العراق، لكي يحدث توازن بين القوتين  الإقليميتين(السعودية وإيران)، وعلى صانع السياسة الخارجية السعودية أن يدرك أن العراق هو الفاصل بينه وبين المد الثوري الإيراني، وأن يعمل على إيقاف هذا التمدد عن طريق إيلاء العراق اهتماماً أكبر مما هو عليه الآن.

    كما أن الخطر القادم من العراق لا يقتصر على المد الثوري الإيراني، فهناك "داعش" أيضاً التي تسيطر على محافظة الأنبار (المحافظة الحدودية مع السعودية).

     

    النفوذ التركي في العراق

    تركيا في زمن حزب العدالة والتنمية تبحث عن أدوار إقليمية لها في المنطقة. فتركيا دولة كبيرة؛ استراتيجياً وجغرافياً وديموغرافياً وعسكرياً، وهي تجاور العراق، وترتبط معه بأكثر من قضية؛ اقتصادية ومائية وأمنية وبشرية ودينية وتاريخية.

    تتحرك تركيا في العراق بعدة اتجاهات؛ فعلى الجانب الدبلوماسي تمتلك عدداً من القنصليات في العراق، وعلى الجانب الاقتصادي فالشركات التركية ومسؤولوها الاقتصاديون يجوبون محافظات البلاد عرضاً وطولاً، يعقدون صفقات ويباشرون مشاريع، ويقيمون مؤتمرات، ويوقعون اتفاقيات، ويجدون أنفسهم في ملفات شائكة مثل كركوك والموصل، فيشاركون أحياناً في حوارات تتعلق بالمحافظتين.

    مصالح تركيا في العراق أكثر وضوحاً من أي طرف إقليمي أو دولي آخر، فلا روحانيات ولا عصبيات ولا أحلام مقدسة، لكن الشكل الذي سيتخذه الدور التركي، والأدوات التي سيعتمد عليها، والأساليب التي سيمر عبرها، هي الغامضة، ولذلك فإن ردود الأفعال العراقية والإقليمية على هذا الدور غامضة هي الأخرى[4].

     

    إمكانية إقامة تحالف تركي سعودي في العراق

    تجمع السعودية وتركيا مصالح مشتركة في العراق؛ فكلا البلدين يسعيان لوقف التمدد الثوري الإيراني ويرغبان في كبح جماح التمدد الإيراني في العراق وسوريا على حدٍّ سواء.

    وهناك تناغم واضح بين السعودية وتركيا ، ويعود هذا التناغم والتقارب إلى عدة أسباب: فالسعودية تخوض "عاصفة الحزم" بدعم ومساندة تركية ضد من تعتبرهم الوكلاء الإيرانيين في اليمن، "جماعة أنصار الله" ("الحوثيين")، كذلك تحدّث البعض عن امتداد هذه العاصفة إلى سوريا قريباً لوضع حد للنفوذ الإيراني في القضية السورية، التي تمثل حاضنة جهادية تقلق دول الجوار، وبخاصة بسبب  جمود الموقف ، لكن هذا لن يكون  إلا بعد الانتهاء من الملف اليمني وترتيبه، وسيكون لتركيا دور أكبر في العاصفة السورية المتوقعة قريباً[5]، وهو ما بدأ يتضح فعلاً في الأيام الأخيرة؛ بعد أن قامت تركيا بتحشيد قواتها على الحدود السورية، وما تردد عن إمكانية دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية، وقد تحقَّق هذا الأمر في الأيام الأخيرة بعد أن قامت تركيا بضرب "تنظيم الدولة" داخل الأراضي السورية، وما تبعه من موافقة أنقرة على استخدام مطاراتها من قبل قوات التحالف الدولي.

    أما السبب الآخر الذي يدعو إلى التقارب التركي/ السعودي فهو القضية العراقية التي تشهد سيطرةً  إيرانية واضحة على ملفاتها وإدارة مجرياتها، وقد بدأ هذا الدور في التنامي بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق وترك الساحة لحلفاء  إيران لإدارة المشهد العراقي، ووصل الأمر ذروته في العام الماضي بعد أن قام "تنظيم الدولة" بالسيطرة على معظم المناطق السنية العراقية، وقد أشار باحثون ومهتمون بالشأن العراقي إلى أن تحالفاً دولياً وشيكاً بدأ يتكون من أجل دعم السُّنة في العراق، وتوحيدهم لمواجهة التوسع الإيراني من جهة، و"تنظيم الدولة" من جهة أخرى، في مناطق واسعة بالعراق، وذلك حتى لا تـُترَك قضية مواجهة "تنظيم الدولة" للإيرانيين وحدهم بجانب الولايات المتحدة في العراق، حتى لا تفاجأ السعودية في صباح ذات يوم أن مستعمرة إيرانية أخرى أصبحت على حدودها مع العراق، في غياب دعم السنة العراقيين[6].

    وقد أشارت صحيفة "التايمز" البريطانية إلى أن السعودية طالبت الولايات المتحدة بتسليح "العشائر السنية" بهدف مواجهة تمدد "تنظيم الدولة الإسلامية" في العراق[7].

     

    مستقبل سنة العراق

    بات مستقبل سنة العراق أكثر غموضاً وضبابية بعد دخول تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى العراق، وسيطرته على معظم المحافظات السنية، وقد أدى هذا الدخول إلى نزوح كثير من أهالي هذه المناطق إلى داخل العراق وخارجه، بالإضافة إلى معاناة من تبقَّى منهم اقتصادياً وصحياً.

    استُغل دخول التنظيم إلى هذه المناطق من قبل الشيعة؛ فسارع المرجع الشيعي الأعلى "علي السيستاني" إلى إصدار فتوى الجهاد الكفائي، التي شُكل على ضوئها ما يعرف بـ "الحشد الشعبي"، الذي بات القوة الأكثر نفوذاً في العراق اليوم.

    وبتجزئة الأزمة يتبين أن مستقبل السنة في خطر؛ لعدة أسباب:

    1 – فقدان السنة الثقل السياسي الذي يمكنهم من إدارة واستحصال الحقوق، فلا يملك السنة مرجعية سياسية أو دينية أو حتى اجتماعية يلتفون حولها.

    2 – يعاني السنة أزمة اقتصادية خطيرة بسبب دخول "تنظيم الدولة"؛ إذ أدى هذا الدخول إلى تعطـُّل التجارة وانتقال الأموال بشكلٍ كبير.

    3 – يعاني السنة غياب الاهتمام والدعم الدولي بشكلٍ عام، والعربي السني بشكلٍ خاص،  إذ جُعِلت قضايا سُنة العراق قضايا هامشية غائبة عن جميع المحافل الرسمية العربية.

    4 – غياب قوة عربية أو إقليمية تواجه وتمنع التمدد والتغول الإيراني على حساب أهل السنة في العراق.

    يمكن القول إن ما يقع اليوم على سنة العراق يرقى إلى أن يكون إبادة جماعية وتغييراً لديمغرافية البلد، وهو ما سيسهل مهمة إيران فيما تسعى إليه.

    يمكن تلخيص ما ستؤول إليه الأمور  في ما يلي:

    1 – تشكيل إقليم عربي سني يكون فقيراً لقلة الموارد في المناطق السنية، وبالمقابل سيتم تشكل إقليم شيعي تابع ومُدار من قبل  إيران، قوي اقتصادياً، وغني بالنفط والموارد، وبذلك سيكون هذا الإقليم منفذ  إيران  العسكري  والاستخباراتي على دول الجوار.

    2 – بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي أيضاً إلى سيطرة  إيران (شبه) المطلقة على العراق.

    يجدر بسنة العراق، وبمساعدة عربية وإقليمية، أن يقوموا بتشكيل بيت سني على غرار "البيت الشيعي" ،يدار لوجستياً من قبل تحالف سعودي (ما بقية أطرافه؟)، وهو ما سيخلق حالة من توازن القوى التي سيمتد أثرها حتماً إلى دول الجوار، خصوصاً إلى سوريا.

     

    الخلاصة

    على المتلقي، وصانع القرار، أن يدرك بأن دعم سنة العراق يمثل دعامة أساسية للحفاظ على أمن المنطقة وحل أزماتها وصراعاتها، فمن يدير الملف العراقي هو ذاته من يدير الملفات: السوري واللبناني واليمني، والوقوف في وجهه في العراق سيضعف أذرعه في باقي المناطق المتنفذ فيها.

    وعلى السعودية خصوصاً أن تدرك أن العراق يمثل حداً فاصلاً بينها وبين التمدد الثوري الإيراني، وأن  تخليها عن سنة العراق وإحجامها  عن التحرك لموازنة قوة إيران فيه،  يعد انتحاراً سياسياً وأمنياً قد يكلفها الكثير على المديين: القريب والبعيد.

    وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة في العراق لا يمثلون قوة متجانسة بالمعنى الدقيق؛ إذ تتنافس الجماعات المختلفة ضمن الطائفة بعضها مع بعض على السلطة، وكانت قاعدة دعم الأحزاب الشيعية العائدة من المنفى، مثل: "المجلس الأعلى الإسلامي العراقي" (كان يعرف في السابق باسم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق")، و"حزب الدعوة"، محدودة في العراق، وهو الذي دفعها إلى استغلال الطائفية والمخاوف الطائفية لخلق جمهور ناخبين وحاضنة اجتماعية جديدة. وقد شدّد خطاب هؤلاء القادة على حكم الأغلبية، ومنع الظلم والتمييز، والحيلولة دون ظهور دكتاتورية جديدة.

    كانت الأطراف السياسية الشيعية الفاعلة الرئيسة مهتمة بتأمين التمثيل النسبي في قيادة الدولة وضمن مؤسّساتها، غير أن نوري المالكي تمكّن - وبنجاح منقطع النظير - من توطيد سلطته وسلطة مؤيّديه.

    وفي العام 2008، قاد المالكي حملة عسكرية ضد "جيش المهدي" (وهو قوة عسكرية أنشأها مقتدى الصدر)، وكان جيش المهدي يسيطر على البصرة في حينها، وقد استطاع المالكي أن يجبر الصدر على سحب ميليشياته ، وأعلن تجميد النشاط العسكري لـ "جيش المهدي"، ليعود إلى الساحة بعد دخول "تنظيم الدولة الإسلامية" وتمدده في العراق.

    وقد عم