الأحد 5 مايو 2024 04:08 صـ 26 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    { من الذاكرة العلمية - 2- }

    رابطة علماء أهل السنة





    كلمات أهديها للمسلمين عامة ولطلبة العلم خاصة، جمعت فيها بعض المواقف العلمية التي عايشتها طيلة ربع قرن مضى لعل فيها ما يفيد.
    ( شيخنا الإمام محمد زيدان ودرس في حسن الخاتمة  ) 
    كان شيخنا الإمام محمد محمود ولد الشيخ زيدان الشنقيطي – رحمه الله – مفتي المالكية في زمانه في المدينة النبوية وصاحب كتاب إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجة وإلزام المعاندين بإقامة الحجة -  وهو كتاب تناول فيه الدساتير الوضعية محاولا تبيين ما يعتريها من خلل وتناقض مع الشريعة الإسلامية -   يدرسنا بعد أدائه لأَذكار الصباح في المسجد النبوي ، وكل طالب بمفرده، فمن أراد سؤاله أو قراءة كتاب عليه من كتب الفقه أو الأصول أو نحو ذلك جاءه لمحله المألوف بالحرم النبوي عند المحراب الحنفي الذي يلي مباشرة المحراب النبوي من الجهة الغربية، وكانت عادته أننا عندما نقرأ عليه الكتاب – أحيانا - تأخذه سِنة من النوم لتعبه وكبر سنه - وقد عرف الشيخ في ذلك الوقت لمدة خمسة عشر سنة أنه أول من كانت تفتح له أبواب المسجد النبوي في آخر الليل ليصلي جزءا من قيامه في الروضة النبوية الشريفة -، فإذا أغمض الشيخ عينيه سكت الطالب؛ فإن كان الشيخ منتبها طلب من الطالب الاستمرار ليتمم له الشرح، وإن كانت سِنة من النوم سكت الطالب لدقائق معدودة ليعود الشيخ من جديد إلى شرحه وبيانه.
    وفي يوم وفاته - رحمه الله - في شهر صفر  سنة 1414هـ  في مكانه قرب المحراب النبوي بعد أدائه فريضة الصبح وأذكار الصباح كعادته كان يدرس أحد إخواني وزملائي في الطلب، فأخذته عينه أثناء التدريس، فسكت الطالب وظن أن الشيخ قد أخذته سِنة من النوم، وبعد قليل تبين أن الشيخ قد فارق الحياة – رحمه الله – بكل سكينة وهدوء، فكانت خاتمة فرحنا بها جميعا لشيخنا وسيدنا، وكيف لا نفرح وقد مات بعد ليلة من القيام في الروضة الشريفه، وصلاة الصبح في جماعة وأذكار الصباح واشتغاله بتدريس العلم - رحمه الله – أثناء قبض روحه وصعودها لخالقها سبحانه، ولقد تأثرنا جميعا بهذه الخاتمة – رزقنا الله جميعا حسن الختام – وبعدها بأيام معدودة رآه أحد إخواني في المنام في حالة طيبة وهو يلبس ملابس بيضاء جميلة ووجهه متهلل مستنير فسأله وقال له:  شيخنا ماذا فعل الله بكم؟ فقال الشيخ وهو فرح مسرور: لقد غفر الله لي. 
    ولقد درست علي شيخنا الفقه المالكي عبر كتاب ( سراج السالك.. شرح نظم أسهل المسالك ).
    ومن عجائب الأقدار أن شيخنا الشيخ محمد زيدان – رحمه الله – هو شيخ شيوخي، وأخص منهم الآتي :  
    1- شيخي وسيدي الشيخ  الدكتور الأصولي العلامة زين العابدين العبد محمد النور من السودان الذي درست عليه كتاب الموافقات للإمام الشاطبي في بيته في السودان، وشرح التُّسولي لمنظومة تحفة الحكَّام في نكت العقود والأحكام في القضاء للقاضي أبي بكر محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي، ومن الغرائب أن يكون الإمام محمد بن عاصم هو تلميذ الإمام الشاطبي صاحب الموافقات.
    2- شيخي وسيدي الشيخ الدكتور الأصولي مصطفى بن كـرامة الله مخـدوم – حفظه الله – الذي تتلمذت على يديه في علم الأصول وختمت معه شرحه لنظم مراقي السعود لمبتغي الرقي والصعود لعبد الله إبراهيم العلوي الشنقيطي في بيته في المدينة النبوية.
     والدرس المستفاد من هذه القصة أن من عاش على شيء ووفق للدوام عليه من الطاعات مات عليه - بإذن الله -؛ نسأل الله أن يشغلنا بالعلم والدعوة والتربية وأن يحسن ختامنا جميعا .

    سالم الشيخي

    مقالات