الإثنين 6 مايو 2024 06:55 صـ 27 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ذكرى تهجير مسلمي القرم‬

    رابطة علماء أهل السنة

    أوكرانيا: ‫‏ذكرى تهجير مسلمي القرم‬
    من هم تتار القرم؟
    هم قبائل ‫تركية‬ اتحدت مع قبائل ‫‏المغول‬ ذات الأصول المشتركة وسيطرت في القرن الثالث عشر على مناطق واسعة من آسيا وأوروبا.
    استوطنت القبائل التتارية شبه جزيرة القرم واتخذت فيما بعد ‫‏الإسلام‬ دينا لها وذلك بعد العام 1314م وسُمِّيَت تلك العائلات بتتار القرم، وأسسوا في شبه الجزيرة "خانية القرم "عام 1441م، وظلت القرم تُعرَف باسم "بلاد التتار الصغرى" .
    وفي العام 1478م، قَبِلَ مسلمو التتار بسيادة الدولة العثمانية عليهم لكنهم بقوا يتمتعون باستقلالية صنع القرارات المحلية. 
    وفي العام 1521م خضعت خانية القرم لحكم العثمانيين وأصبحت ولاية من ولايات الدولة الإسلامية وعاصمتها مدينة «بخش السرايا»، وذلك في عهد الخليفة العثماني محمد الفاتح.
    وفيما بعد شكَّل تتار القرم قوة إقليمية لا يستهان بها، واستطاعوا في العام 1571م رد اعتداءات الروس واستفزازاتهم المتكررة وحاصروا موسكو وفرضوا عليها ‫الجزية‬.
    وفي 1678م، حاصر بطرس الأول القرم لكنه فشل في احتلالها، وتوالت محاولات الروس بعد ذلك لاحتلالها لكن دون جدوى، فما لبث تتار القرم أن هزموا روسيا القيصرية في حربهم التي قادوها مع حلفائهم العثمانيين، وذلك في العام 1711م.
    بعدها دارت حروب طويلة تخلت في نهايتها الدولة العثمانية عن السواحل الشمالية للبحر الأسود بما فيها شبه جزيرة القرم، التي أعلنت فيما بعد انفصالها واستقلالها عن الدولة العثمانية، لكن الأمر لم يدم طويلا إذ سرعان ما سقطت بيد جيوش الروس في العام 1774م واحتلوا عاصمتها، من ثم استسلمت خانية القرم بموجب معاهدة كوجك فينارجه، وجعلها قياصرة روسيا ولاية تابعة لهم، ولم يمنحوها ذلك الاستقلال أبداً، بل وتم ضمها رسمياً لروسيا القيصرية عام 1783م بالكامل، فسارع الروس إلى طمس هوية وتاريخ المنطقة، وفي سبيل ذلك قاموا بمصادرة جميع الأراضي ذات الأهمية ووزعوها على كبار المسؤولين المستوطنين في العام 1790م، ولم يبق لأهل القرم أي أمل في استعادة استقلالهم لاسيما بعدما اعترفت الدولة العثمانية رسمياً بسيادة القياصرة على شبه جزيرة القرم في العام 1829م.
    وتشير بعض المصادر إلى إرغام عددٍ من سكان القرم من التتار على ترك قراهم ومدنهم والرحيل لأواسط آسيا «كازاخستان حاليا» في الفترة ما بين 1860 و1863، فيما تذكر أيضاً أن هجرات جماعية لعائلات التتار إلى الدولة العثمانية تمت في الأعوام ما بين 1860و1870، و1891 و1902، ما أدى إلى انخفاض عدد سكان القرم من التتار إلى ثلث السكان فقط مع حلول العام 1897 وغالبيتهم من الفلاحين والأميين، ليشكل المستوطنون الجدد من روس وأرمن وأوكران نسبة 45% من إجمالي سكان شبه الجزيرة.
    تسلسل المجازر : 
    -عام 1771م:
    ارتكبت الجيوش الروسية أبشع المذابح بحق مسلمي القرم، بعد سقوط شبه جزيرة القرم بيدهم واحتلال عاصمتها، ما أدى إلى مقتل أكثر من 350 ألف تتاري، وانتشرت الجثث في كل مكان ولم تجد من يدفنها، فانتشرت الأمراض والأوبئة ما أدى إلى وفاة عدد من أفراد الجيش الروسي ذاته إضافة للسكان المحليين، ونُفِّذَت تلك المجازر تطبيقاً لشعار الجيش آنذاك «من غير انتظار ولا عودة.. يجب محو التتار من هذه الأرض»، فاضطر مليون و200 ألف تتاري مسلم إلى الفرار إلى تركيا، فيما هجَّرت روسيا القيصرية بقيتهم إلى داخل الأراضي الخاضعة لها، حيث قام الجيش بنفي 500 ألف تتاري مسلم بعيدا عن بلادهم وأحلّ الروس مكانهم، ومع ازدياد عمليات التهجير الإجباري بحق مسلمي القرم أصبحوا أقلية في بلادهم.
    - 1783م:
    قامت القوات الروسية بعدة حملات تهجير بحق مسلمي إقليم شبه جزيرة القرم إلى سيبيريا التي توصف بأنها أكبر صحراء جليدية في العالم، وإلى دول آسيا الوسطى كتركيا وبلغاريا ورومانيا ومارست ضدهم شتى أنواع العنف وهدَّمت مساجدهم ومدارسهم وبيوتهم وأحرقوا مصاحفهم وجميع وثائقهم التي كانت تعد إرثاً تاريخيا وحضاريا هاماً لتتار القرم.
    وفي العام 1920:
    أعدم الجيش الشيوعي رئيس الحكومة التتارية «نعمان حجي خان» ورمى جثته في البحر، وذلك بعدما هاجم القرم وأسقط حكومتها التي كانت أعلنت استقلالها عقب نجاح الثورة الشيوعية، كما قام الشيوعيون بارتكاب المذابح بحق الشعب التتاري في القرم وشرده من دياره.
    1928م:
    أعدم ستالين 3500 تتاري من أئمة المساجد والمثقفين، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية آنذاك «ولي إبراهيموف»، وذلك عندما أراد ستالين بحسب بعض المصادر إنشاء كيان يهودي في القرم، وثار عليه التتار، فقام بحملة تطهير وإبادة كبيرة بحقهم ردت إلى الأذهان مذابح المغول.
    وفي 1929م:
    نفى ستالين أكثر من 40 ألف تتاري من فلاحي القرم إلى مناطق في سيبيريا، بعدما أرغمهم على ترك مزارعهم، وفي 1931 تُوفِي نحو 60 ألف تتاري نتيجة المجاعة التي أصابت القرم.
    1941م:
    انخفض تعداد سكان القرم إلى 850 ألفا فقط بدلا من تسعة ملايين عام 1883، وذلك بسبب التهجير القسري والقتل والطرد الذي قام به الروس بحقهم، كما تم في هذا العام بأمر من ستالين تجنيد 60 ألف تتاري من أهل القرم في الجيش الشيوعي لمحاربة النازية.
    - 14 أكتوبر 1941م:
    جرّد الألمان عدداً كبيراً من جنود القرم المسلمين من معداتهم وكل ما يملكون، وساقوهم إلى مسافة 150 كم سيرا على الأقدام دون طعام أو شراب إلى معسكرات الاعتقال، حيث كان هنالك معتقلون مسلمون من القوقاز وتركستان، ومات كثير منهم جوعا وبرداً، وكان مطلبهم الوحيد من الألمان الاعتراف باستقلالهم وتركهم أحراراً ليحاربوا الشيوعيين الروس ويحرروا أرضهم منهم، ولكن الألمان خيبوا آمال الشعوب التي كانت تعاني تحت الاحتلال الروسي.
    وفي الفترة من 1941حتى 1944م:
    قامت القوات النازية خلال استيلائها على ‫القرم‬ بتهجير 85 ألف تتاري إلى معسكرات حول برلين لاستغلالهم في أعمال السُخرة هناك.
    وفي 1943، قرر جنود القرم ومن معهم من جنود ‫‏القوقاز‬ وتركستان الاستسلام للإنجليز والفرنسيين والأمريكان بعد هزيمة ألمانيا النازية، ولكن الحلفاء سلّموا عددا كبيرا منهم إلى الروس، مخالفين بذلك القوانين الدولية التي تحفظ حق الأسرى، ولذا لم يبق على قيد الحياة منهم سوى ستة آلاف من أصل 400 ألف مسلم وقعوا في قبضة الروس، ولم يبق في البلاد سوى نصف مليون مسلم بسبب القتل والذبح الجماعي والوحشي الذي تعرضوا له من قِبَل الجيش الأحمر، بعدها أمر ستالين بنفي الشعب القرمي إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، بينما سيق الشباب منهم إلى معتقلات السُخرَة، وذلك وفق ما ذكره مصطفى عاشور في مقاله كارثة القرم الإسلامية في العدد الـ 84 من مجلة التبيان الصادر في 2011.
    وفي شهر إبريل من العام 1944م:
    وبعد تراجع الألمان وسيطرة الروس على القرم، سارع الشيوعيون على الفور بتنفيذ أحكام إعدام بحق كل من اشتبهوا في تعاونه مع الألمان، ونفذوا مجازر جماعية بحق مسلمي القرم راح ضحيتها آلاف المسلمين، ولم يشفع لبعضهم قتالهم في صفوف الجيش الأحمر الشيوعي، إضافةً إلى الغارات الليلة المكثفة التي شنتها الشرطة الشيوعية على مسلمي التتار وإجبارهم على ترك منازلهم ومدنهم تحت تهديد السلاح ومن ثم مغادرتهم البلاد بأكملها.
    1944م:
    هجَّر ستالين 400 ألف تتاري في قاطرات نقل المواشي إلى سيبيريا وأوزبكستان حالياً ومناطق مختلفة من الاتحاد السوفيتي، ما أدى إلى وفاة 14 ألفا منهم داخل تلك القاطرات بسبب الجوع والبرد، إذ لم يسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم ولم يعرفوا إلى أين هم ذاهبون، فبعضهم سيق مباشرة إلى القاطرات والبعض الآخر أُعِطَي دقائق ليجمع ما يلزمه، إلى حد ظن البعض منهم أنهم ذاهبون للإعدام، وفي الوقت ذاته وطيلة الطريق الطويل الذي بلغ ستة آلاف كم، لم يتوقف القطار إلا لحظات قليلة للتزود بالوقود والطعام، ما أدى إلى وفاة الآلاف داخل تلك القاطرات المكتظة بالناس، لدرجة أن الجثث بدأت بالتفسخ ولم يستطيعوا دفنها، فتركوها على جانب السكة لحظات توقف القطار القصيرة جداً، فيما لقي البعض الآخر حتفه نتيجة للاختناق والنتانة مع طول مدة الرحلة الإجبارية التي امتدت قرابة أربعة أسابيع متواصلة، وبحسب أحد المصادر وصف أحد الجنود الروس تلك الرحلة الإجبارية في رسالة كتبها لأحد أصدقائه في القرم عام 1968م، بأنها كانت رحلة موت بطيء في عربات المواشي المكتظة بالناس والجثث المتفسخة، وكان قرار ستالين بتهجيرهم عائدا إلى اتهامهم بالتواطؤ مع الجيش الألماني النازي ضد الدولة والتعاون معه.
    وفي 1948، مات 45 ألف تتاري في مخيمات اللجوء بسبب المرض والجوع، وفي نهاية حكم ستالين تم ترحيل أكثر من 200 ألف من تتار القرم إلى خارج أوكرانيا عام 1953م.

    مقالات