الأحد 5 مايو 2024 04:34 مـ 26 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ”مسلكيات” 63     ”الإسقاط والإقساط”

    رابطة علماء أهل السنة

    "مسلكيات" 63

        "الإسقاط والإقساط"

       يرى الإمامَ يبكي في صلاته وهو يُدافع عبرته ولا يستطيع فيقول: إمامٌ مُراءٍ، يفعل ذلك تخشُّعًا أمامَ الناس، ولا أظنُّه يفعلُ ذلك في خلوته. 

      - مرَّ من أمامه ولم يُلقِ عليه التحيةَ فيقولُ في نفسه على الفور: يا لهُ من متكبرٍ مغرور. 

       - فلان نعرفه فقيرًا معدمًا واليومَ يملكُ كذا وكذا، ما نراه إلا فعل كيتَ وكيت!! 

       - مَن تكون يا ترى تلك المرأةُ التي تجلسُ إلى جانبه في المركبة ويكلمها ويتضاحك معها؟! 

      - ماذا يصنعُ في هذا المكان في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟! 

       - أتراهُ أسدى إليَّ ذلك المعروف دون مقابل؟ ما أراه إلا متزلِّفًا طامعًا في حاجةٍ له عندي يريد قضاءَها.

        هذه الصوَرُ وغيرُها مما لا يُحصى تمثِّلُ حالةً تسمى عندنا في الشرع (سوء الظن)، وعند التأمل في دوافعها النفسية تجدُ أنَّ الدافع الأكبر لها هو (الإسقاط) وهو نظرُ المرء إلى الآخرين بعين طبعه، فيرى انعكاسات تصرفاتهم في طبيعة ذاته وأخلاقه، فيكون تأويلها دون تروٍ أو إعذارٍ وَفق زاوية نظره المنبثقة من حدود أخلاقياته، فيحملُ أفعالهم على ما تستسيغه نفسُه، فهو في الحقيقة يصفُ ذاته في تصرفات غيره الحَمَّالةِ الأوجه. 

       من هنا جاء تحريمُ سوءِ الظنِّ في شريعتنا، وتكرَّر الأمرُ بالتثبُّت عمومًا، وإحسان الظنِّ فيمن ظاهرُه الخيرُ والصلاح خصوصاً، وأنَّ الواجب على العبد أن يستحسنَ من الآخرين ما يستحسنُه من نفسه، ويستقبحَ منهم ما يستقبحُه منها. 
    قال الله تعالى: "لولا إذ سمعتموه ظنَّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا" أي: ظنوا خيرًا ببعضهم البعض. 

       عندما رأى رأسُ النفاق أمَّ المؤمنين مع صفوان قال كلمته المشهورة: "ما أراهُ إلا أصاب منها وأصابت منه"!! 

       أما أهلُ العفَّةِ والاستقامةِ فيمثِّلهم قولُ أمِّ أيوب لأبي أيوب: "عائشةُ خير مني وصفوان خير منك"، وهذا يصدُق عليه الإسقاط بجانبه الإيجابي. 

    أخي المكرَّم .. 

        حكمُك على الآخرين بمقتضى الوقائع وثبوتها القطعيِّ من القِسط.
     
       وحكمُك على الآخرين بمقتضى ظنك بنفسك من الإسقاط. 

       وحكمُك على الوقائع وأصحابها بالظنِّ المطلق عدوانٌ وإقساط. 

      فكُن من عباد الله المُقسِطين، ولا تكن من المُسقِطين فتكونَ من القاسطين. 

        واعلم أنَّ فقهَك لمفهوم"الإسقاط" يعني أنك أمامَ فرصةٍ حقيقيةٍ لتتعرَّف على ذاتك أكثر من خلال وصفك الآخرين.

        د. جمال الباشا

    الإسقاط الإقساط الظن حسن سوء

    مقالات