الخميس 2 مايو 2024 01:15 مـ 23 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    ليبيا ومنتجات القذافي وجهاً لوجه (1/2)

    رابطة علماء أهل السنة

    يبدوا أن قدرنا أن نواجه النماذج المنتجة من آلة الفساد الكبيرة والعجيبة التي صنعها القذافي واتقن عملها لأربعين سنة مضت من تاريخ حكمه للمجتمع الليبي.
     إننا أمام مصنع كبير لمنتجات بشرية أشرف على صناعتها القذافي طيلة فترة طغيانه، وجبروته، وحكمه الفاسد في الأرض .
    ذلك المصنع الذي حوى بين جنباته ،وفي كل خطوط انتاجه، ومخازنه منتجات بشرية صنعها القذافي على عينه وسهر على حسن انتاجها ، وقوة عناصر الفساد فيها ،بل وجودة إخراجها بكل ما أوتي من قوة ، وعزيمة ، وخبث ،ومكر، حتى تكون مطابقة لأعلى وأدق مواصفات الجودة الطاغوتية التي لم يعرفها التاريخ من قبل, منتجات تمثلت في اللجان الثورية ، والقيادات الشعبية ، والحرس الخاص ، ورفقاء القائد ،وجلسائه، وخواص أصدقائه، وخدمه، وحشمه، ومن على شاكلتهم وطينتهم من أتباعه ومُريديه.
    كل أولئك وغيرهم كثير بذل القذافي كل امكانته المادية والمعنوية ليحقق أفضل الصياغات والصناعات لعقولهم ونفوسهم، ويشكل بيده قيمهم وأخلاقهم على نحو يطمئنُ معه أنه بعد موته قد ترك للشعب الليبي وللعالم أجمع تركة ثقيلة، ومنتجات نتنة ، ونفوس خسيسة لا تعرف إلاّ النموذج الفاسد الذي صنعها على ضوئه القذافي .
    واذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد بين لنا سنة راسخة من سنن الأنفس والمجتمعات ،وقاعدة ثابتة من قواعد السلوك الإنساني وهي أن الإنسان يتاثر لا محالة بسلوك ودين أصدقائه وأصحابه, عندما قال صلى الله عليه وسلم: " الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِل " .
    واذا كان علماء الاجتماع قد أجمعوا على تاثير الصاحب ولو لساعة واحدة ،وأصبح هذا من المعلوم بالضرورة للبشرية كلها حتى قالت العرب قديما : كلُ إلْف إلى إلْفه يَنزع 
    وقالت :
    عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ... فإن القرين بالمقارن مقتدي
    وقال أَبُو الْحسن علِيُّ بن عبد الله الْحَرَّانِيُّ في « كتاب الخصال » : إذَا كنت للرِّجَال مصاحِبَاً ، فكن لثَلاثَة منهم مُجانباً : جاهل يرى أَنَّه عاقلٌ ، وناقص يرى أَنَّهُ كَاملٌ ، ودنِيء يرى أَنَّهُ فاضلٌ . وأَنشد فِي معناه :
    إِذَا كُنْتَ يَوْمَاً لِلرِّجَالِ مُصَاحِبَاً ..... وَكُنْتَ لَهُمْ فِي كلِّ حَالٍ تُوَاصِلُ
    فَجَانِبْ فَدَتْكَ النَّفْسُ مِنْهُمْ ثَلاثَةً ..... فَكُلُّهُمْ لِلنَّفْسِ بِالْجَهْلِ قَاتِلُ
    فَأَوَّلُهُمِ عِنْدَ التَّجَـنُّبِ جَاهِـلٌ ..... يَـرَى أَنَّهُ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ عَاقِـلُ
    وَنَاقِصُ قَوْمٍ ظَنَّ بِالْجَهْلِ أَنَّهُ ..... إِذَا عُدَّ أَهْلُ الْقَدْرِ فِي النَّاسِ كَامِلُ
    وَثَالِثُهُمْ عَـبْدٌ دَنِئٌ مُقَصِّرٌ يَـرَى ..... أَنَّهُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ فَاضِـلُ
    ونحن نعلم من اجتمعت فيه هذه الخصال الثلاثة وهي الجهل ،والنقص ،والدناءة .

     لذا أقول وبكل وضوح :

    أيها الليبيون عليكم أن تستحضروا هذه الظاهرة التي لا يُنكرها عاقل وأنتم تتعاملون مع رجال ونساء لا أقول أنهم عملوا مع القذافي في مؤسسات الدولة فهذا أمر واسع ويختلف الناس في تحديده،وظروف أصحابه ،ولكني أتحدثُ عمن عمِل معه وصاحبه وجالسه أو كان ممن تُفتحُ لهم أبواب القذافي لخصوصيتهم ،ومنزلتهم عنده.
     هؤلاء هم منتجات القذافي التي وزعت في كل مؤسسات الدولة التنفيذية, والقضائية، والتشريعية ،وفي كل مكونات المجتمع المختلفة من قبلية وجهوية وعرقية ونحوها.
    هؤلاء لا يمكن أن نُنكر أثر الصحبة عليهم ولو كانت لفترة وجيزة فكيف نتصور أن يتغير أصحاب القذافي وأعز خِلانه وأحبابه، ومن كانوا يسبحون بحمده وفكره ومواقفه في يوم وليلة ؟. 
    هل يمكن يا سادة أن لا تؤثر صحبة أربعين سنة برفقتها ، وسهرها ، وسمرها، وسفرها، ومجالسها ونحوها من أبواب العشرة والعيش والملح كما يقولون  ؟.
    إن قيم الفساد التي عاش عليها القذافي لا يمكن أن لا تترك أثارها القبيحة مع من صحبوه عن قرب وجالسوه عن ود وحب وخدموه ودافعو عن شرعيته لأربعة عقود, لا يمكن أن يُتصور هذا ! لابد لمن صَحِب وجالس وسامر وسهر مع قائدة أن يأخذ نصيبه من أخلاق صديقه وخليله فالمرء على دين خليله. 
    ومن هاهنا استعدوا أيها الليبيون واياكم أن تتعجبوا وأنتم تواجهون منتجات القذافي الخاصة في كل مجالات الحياة الليبية اليوم .
    ستجدون هذه المنتجات بصورة طحالب في كثير من الوزارات، وستجدونها في كثير من دوائر القضاء ، و الجيش والشرطة و الجامعات ونحوها انتبهوا لهم فهم مهما حاولوا إخفاء أثر صحبتهم للقذافي فإن المواقف ستُظهرهم للعيان ،وتكشفهم لكل ذي بصيرة وعندها ستسمعون أيها الليبيون إلى القذافي ومواقفه ومقولاته من جديد ،وقد أُعيد انتاجها بقوالب واسماء ومصطلحات جديدة . 
    حينها سنرى وبكل وضوح أنها لم يتغير فيها شيء سوى أن نُزع عنها العلم الأخضر لترتدي علم الاستقلال لعله يستر شيئا من عوراتها ، ويغطي قدرا من قبحها وأنّي لهم ذلك فالكذب حبله قصير كما يقولون ، وآية الله في هؤلاء جميعا واضحة : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ . وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }.