الخميس 2 مايو 2024 07:43 صـ 23 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    طه حسين من الانبهار بالغرب الي الانتصار للاسلام

    رابطة علماء أهل السنة

    كانت دهشتي كبيره عندما كشف لي الدكتور محمد عمارة في كتابه الجميل "طه حسين من الانبهار بالغرب الى الانتصار للاسلام" ، الذي صدر هذا الشهر ملحقا بمجلة الازهر ، عن اوراق مجهولة من تراث عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين. 

    قد توقف طه حسين عند دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب ، وابدى إعجابه الشديد بدعوته ، وقال إنها في جوهرها دعوة لإعادة الإسلام إلى صفائه ونقائه وتوحيده الخالص كما جاء به النبي الكريم في اول الدعوة 

    بل تزداد دهشتك عندما تقرأ لطه حسين ، وهو المصري المعتز بمصريته إلى أبعد الحدود ، ينتقد تدخل مصر في جزيرة العرب ضد دعوة ابن عبد الوهاب ، ويقول إن تدخل الترك والمصريين ضد الدعوة حرم العالم العربي من نور تجديدها الذي كان من شأنه توحيد العرب على الإسلام الخالص كما أتى به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

    ويمضي بنا كتاب عمارة إلى مقال جميل كتبه الدكتور طه حسين في مجلة الهلال ، عدد مارس لعام 1933 ميلادية ، خصصه للحديث عن الوهابية والسلفية ، فكتب يقول : (إن مذهب محمد بن عبد الوهاب جديد قديم معا ، جديد بالنسبة للمعاصرين ، ولكنه قديم في حقيقة الأمر ، لأنه ليس إلا الدعوة القوية إلى الإسلام الخالص النقي المطهر من كل شوائب الشرك والوثنية ، هو الدعوة إلى الإسلام كما جاء به النبي خالصاً مما أصابه من نتائج الجهل ومن نتائج الاختلاط بغير العرب ، فقد أنكر محمد بن عبد الوهاب على أهل نجد ما كانوا قد عادوا إليه من جاهلية في العقيدة والسيرة ، كانوا يعظمون القبور ويتخذون الموتى شفعاء ، ويعظمون الأشجار والأحجار ويرون أن لها من القوه ما ينفع وما يضر) .

    ثم يستعرض طه حسين في مقاله التاريخي أوجه التشابه بين دعوة ابن عبد الوهاب والدعوة النبوية الكريمة في أول عهدها فيقول :(ومن الغريب ان ظهور هذا المذهب الجديد في نجد قد أحاطت به ظروف تذكر بظهور الإسلام في الحجاز ، فقد دعا صاحبه إليه باللين أول الأمر فتبعه بعض الناس ، فلما أظهر دعوته أصابه الاضطراب وتعرض للخطر ، ثم أخذ يعرض نفسه على الأمراء ورؤساء العشائر كما عرض النبي نفسه على القبائل ، ثم هاجر إلى الدرعية وبايعه أهلها على النصر كما هاجر النبي إلى المدينة ، ولكن ابن عبد الوهاب لم يرد أن يشتغل بأمور الدنيا ، فترك السياسة لآل سعود واشتغل هو بالعلم والدين ، واتخذ السياسة واصحابها أداة لدعوته) .

    ويأسف طه حسين في مقاله التاريخي من وجود عوائق منعت الدعوة الوهابية من الوصول إلى مصر وباقي البلاد العربية حينها ، فكتب منتقدا الدور التركي "العثماني" والمصري حينها ويقول : (ولولا أن الترك والمصريين اجتمعوا علي حرب هذا المذهب ، وحاربوه في داره بقوة وأسلحة لا عهد لأهل الباديه بها ، لكان من المرجو جدا أن يوحد هذا المذهب كلمة العرب في القرن الثاني عشر للهجره كما وحد ظهور الاسلام كلمتهم في القرن الاول ، ولقد ترك هذا المذهب أثره في الحياة العقلية والأدبية عند العرب ، وكان هذا الأثر عظيما خطيرا في نواح مختلفه ، فهو قد أيقظ النفس العربية ووضع أمامها مثلا  أعلى أحبته وجاهدت في سبيله بالسيف والقلم واللسان ، وهو قد لفت المسلمين جميعا ، وأهل العراق والشام ومصر بنوع خاص إلى جزيرة العرب ، ولقد استدعى الصراع الفكري بين دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وخصومها الرجوع إلى كتب التراث ونشر الرسائل والكتب التي يؤيد بها كل فريق مذهبه ، فنشرت كتب ابن تيمية وابن القيم واستفاد العالم العربي كله من هذه الحركة العقلية الجديدة) .

    ويزيد طه حسين في توضيح أثر دعوة محمد بن عبد الوهاب على صعيد فنون الشعر والأدب العربي ، وكيف أحدثت نهضة كبرى فيه فكتب يقول : (وظهر حول الأمراء المجاهدين من أهل نجد جماعة من الشعراء عادوا بالشعر إلى الأسلوب القديم ، واسمعونا في القرن الثاني عشر والثالث عشر في لغة عربية فصيحة هذه النغمة العربية الحلوة التي لم تكن تسمع من قبل ، النغمة التي لا تقلد أهل الحضر ولا تتكلف البديع ، وإنما تنبعث حرة ، تحمل كل ما تجيش به نفس صاحبها من عزة وطموح إلى المثل العليا، ورغبة قوية في إحياء المجد القديم ) .

    هذا ما كتبه طه حسين عن دعوه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتجديدها في الدين والعلم والسياسة والأدب ، ويتحسر الرجل على أن العوائق منعتها من توحيد بلاد العرب جميعا على المذهب التجديدي الذي أعاد الإسلام إلى صفائه ونقائه الذي أتى به أول مرة ، حسب وصفه ، وأنا واثق أن هذا المقال لو تم عرضه مع حجب اسم كاتبه ، لتصور من يقرؤه أنه لأحد الدعاة السلفيين من أشد المتحمسين لدعوة ابن عبد الوهاب رحمه الله.

    طه حسين الوهابية الاسلام التجديد

    مقالات