الجمعة 3 مايو 2024 04:46 صـ 24 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    المشاركة الشعبية في نهضة الاقتصاد

    رابطة علماء أهل السنة

    يكثر الحديث عن الضعف الاقتصادي في بلادنا العربية والإسلامية، علماً بأن جل بلادنا تزخر بخيرات وثروات عظيمة، ويتساءل الناس؛ هل يعقل أن كل هذه الخيرات في بلادنا من الشرق إلى الغرب، سواءً البترول أو المعادن النفيسة أو الزراعة أو المياه أو الطاقة الشمسية، أو العقول والخبرات المميزة، كل هذا وميزانيات معظم الدول العربية والإسلامية تعاني عجزاً وضعفاً !
    والحقيقة أن المشكلة الأساسية هي في إدارة هذه الخيرات والثروات، وفي دراسة الأولويات والجدوى الاقتصادية لكل مشروع، وعوائده الوطنية ودورته المالية وانعكاساته على البنية الأساسية في هذه الدول ووجود خطط مدروسة.
    إن شعور المواطن العربي والمسلم بانتمائه لوطنه ومشاركته في نهضته؛ لهي من العوامل الأساسية في هذه النهضة، وإن ارتباط الإنسان بوطنه وحرصه عليه، وسعيه لكل ما فيه مصلحته، أمر ضروري في استقرار البلد ونموه، ومهما تذرع الساسة والخبراء الاقتصاديون بمشكلات اقتصادية وظروف قاهرة، فإن المواطن أساس المعادلة، فبقدر استعداده للتضحية والعطاء والبذل والصبر، بقدر ما ينمو بلده ويتطور.
    قرأت في إحدى الصحف قبل عشر سنين تقريباً؛ خبراً يقول بأن مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، وعندما عصفت الأزمة المالية بدول النمور الآسيوية سنة  1997 –وبمؤامرة غربية قادها اليهودي سورس-، توجه بخطابه نحو شعبه، وحثهم على حماية بلدهم ودعمه، وطلب منهم أن يأتوا بالعملة الصعبة الموجودة لدى كل فرد منهم. وبالفعل وقف الماليزيون طوابير بالآلاف، وسلم كل منهم ما لديه من دولارات وجنيهات استرلينية وغيرها، وفي ظرف أسبوع كان لدى الحكومة مبلغاً ضخماً ساهم في حماية البلد من الانهيار والإفلاس، وأعادت الحكومة هذه المبالغ للناس بعد الاستقرار المالي، لقد أرسى مهاتير محمد مبدأ الاعتماد على الذات ورفض الاستدانة من البنك الدولي، وما هي إلا فترة زمنية قصيرة حتى صعد بها من موضع كانت فيه رقم 3 في معدل الفقر إلي دولة في مقدمة الدول الصناعية المتقدمة انخفض فيها الفقر من 52% إلي 5% فقط ,, وصادراتها من السلع المصنعة 85% من اجمالي صادراتها ,, و80% من السيارات التي تسير في شوارعها صناعة ماليزية.
    إن الالتجاء إلى الله تعالى أولاً بترك الحرام والتعامل بالربا وأكل المال بالباطل، ومن ثم اللجوء إلى الشعب وعامة الناس، لهو كفيل بحماية البلد ومقدراته، والنهوض به، فهذا الأستاذ الدكتور حسين حامد الخبير الاقتصادي الإسلامي، يتحدث عن تجربة الإمارات، في إصدار صك بقيمة 10 دراهم فقط في إمارة دبي، لجمع 5 مليارات درهم في أقرب وقت، بناء على فكرة طرحها حاكم دبي، وتشجيعا للانتماء الوطني، فساهم كل المواطنين وتم جمع المبلغ واستثماره في مشروعات خدمية شعر المواطنون بأنهم مساهمون فيها.
    فأين المسؤولين في بلدنا ليلتفتوا إلى مثل هذه المبادرات، ولو طرح على الناس أن يساهم كل مواطن بمبلغ خمسين دينار أو بسقف يبلغ خمسمائة دينار؛ لتكوين محفظة وطنية تشغل في مشاريع داخل البلد في الصناعة والزراعة، وتشغل أكبر عدد ممكن من العمالة المحلية، بدون محسوبيات، وبدون واسطات، وبدون سرقات، وبإدارة خبراء ثقات صادقين، وفق نظام الاستثمار الإسلامي،  والله إني لأجزم بأن مثل هذا المشروع سيحدث نقلة كبيرة في البلد، وسيعزز ثقة الناس بوطنهم، وسيعمق انتماءهم، على أن تكون الأمور في غاية الشفافية، وأن يمكن كل شخص من الاطلاع عبر الإنترنت على تفاصيل العمل، وأن يكون التعيين والاستثمار وفق دراسة وحاجة، وضوابط علمية بحتة.
    إنني أدعو لمبادرة "الاستثمار الأردني الوطني"، وتكوين محفظة يتراوح مبلغ المشاركة فيها من المواطنين بين خمسين دينار وخمسمائة دينار، وإذا أخذنا المتوسط المنخفض لذلك بمائتي دينار، فإننا سنجمع من خمسة ملايين مواطن مبلغ مليار دينار تقريباً، يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير، وتستثمر في صندوق للحج وصندوق للزراعة وصندوق للصناعة وهكذا، فهل من قائد يتلقف هذه المبادرة ؟!