الجمعة 3 مايو 2024 08:35 مـ 24 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الضرورات العشر للحركة الإسلامية || الضرورة الثانية

    رابطة علماء أهل السنة

     

    تاريخ الإضافة : مـ 2/3/2016 - هـ  12/5/1437

    2- إنشاء وتفعيل جهاز علمي وفكري للحركة :
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

     

    الأول : هل للحركة الإسلامية جهاز علمي وفكري ؟؟

    الثاني: هل تدرك الحركة الإسلامية أن الدنيا اليوم تدار بالعلم والتخصص ؟؟

    أما السؤال الأول : فأغلب الظن أن الحركة الإسلامية لا تمتلك جهازا علميا وفكريا وظيفته التنظير والتأطير والتأصيل والتفكير والإلهام للحركة ، في الوقت الذي تذخر فيه الحركة بآلاف العلماء والمفكرين ، لكنهم صاروا بحكم طبيعة التنظيمات الإدارية مجرد أرقام فاقدة لكثير من قيمتها الوظيفية والرسالية ، وسواء في ذلك علماء الشرع وغيرهم من أصحاب التخصصات العلمية الأخرى ، ترتب على هذا أن خاضت الحركة الإسلامية مواقف خطيرة وفاصلة بصورة هي أقرب إلى عمل الهواة ، بعيدة عن العلم والمنطق والتفكير بسبب غياب هذا الجهاز .

    والسؤال الثاني : ويكفي أن نسوق نموذجا واحدا في هذا السياق، هو أن مؤسسة "راند" الأمريكية تنفق في العام الواحد (150) مليون دولار على تقريرها السنوي الذي لا يتجاوز – غالبا- (120) صفحة ، وهو تقرير علمي يعمل في جمع مادته وتحليلها وإخراجها جيش من العلماء والباحثين والمفكرين في تخصصات عديدة، وتبني الإدارة الأمريكية كثيرا من استراتيجياتها على معطيات هذا التقرير وتوجيهاته.

    ولو أنفقت الحركة الإسلامية ربع هذا أو نصفه في تأسيس مراكز علمية وتأهيل كوادر فكرية لكان حالها أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

    مظاهر عبثية

    بالتأمل الواقعي في حال الحركة نقف مع جملة مظاهر يمكن وصفها بالعبثية منها :

    1. الكثير من قيادات الحركة الإسلامية والمتصدرين فيها لا يقرأ ، اللهم إلا قراءات سطحية لا تليق بوضعيته ، وجل أحاديث هؤلاء ارتجالية تعتمد على الخبرة الشخصية والرؤي الفردية التي لا تصدّر فكرة ولا تلهم إنسانا .

    2. لم تبن القرارات الكبرى في الحركة على دراسات علمية متخصصة توفرت لها معايير العلم والموضوعية، وإنما أُقرت بتصويت مجالس شورية أعضاؤها متفاوتون جدا في كل شيء، وأكثرهم غير متخصص في موضوع القرار.

    3. فقدان مراكز البحوث والدراسات المتخصصة داخل الحركة، وقد يأخذنا العجب عندما نسمع أن كبرى الحركات الإسلامية (الإخوان) لا تملك مراكز بحوث ودراسات متخصصة ، وتعتمد في تنظيرها على أفراد أو فرق صغيرة لا يرقى منتجها أن يكون تنظيرا لجماعة كبرى .

    4. تخلو لوائح الحركة الإسلامية من تحديد المواصفات العلمية لأعضاء مجالسها العليا ، أو الوسطى ، مع كون هذه المجالس منوطا بها مهام عالمية أو قطرية لا يمكن أن يقوم بها إلا أصحاب علم وفكر ورؤى .

    5. لا يجمع العلماء والمفكرين داخل الحركات الإسلامية جامعٌ يجعل لهم تأثيرا وفاعلية قيادية داخلها .

    6. سطحية التفكير والرؤى في كثير من الأعضاء مرده عدم تقديم رؤى ودراسات معمقة ، والسبب في ذلك تعطيل "عقل الحركة" وهم العلماء والمفكرون داخل الحركة وإساءة توظيفهم .

    7. لا يشترط في أعضاء مجالس الشورى في الحركة الإسلامية إلا أن يكونوا منتخبين، دون مواصفات علمية تخصصية تؤهلهم ليكونوا محلا للشورى، ثم يُستشار هؤلاء فيما يعرفون وفيما لا يعرفون.

    وما أنتجه أبناء الحركة من إصدارات متميزة كان في الغالب عملا فرديا بعيدا عن التوجيه والتوظيف الجمعي .

    حاجة الحركة إلى إنشاء جهاز علمي وفكري

    وبناءً على ما تقدم , فليس هناك فقر في عدد ما تذخر به الحركة الإسلامية من علماء ومفكرين، فهم بالآلاف، ولكن التوصيف الحقيقي لهذه الحالة ما قاله عمر بن الخطاب في مقام الاستعاذة إنه "عجز الثقة" ، حيث لم تتمكن الحركة إلى وقتها هذا من حسن إدارة هذا المورد البشري الثمين والخطير من العلماء والمفكرين داخلها الذين أسميهم "عقل الحركة" , وكان يمكن للحركة أن تحقق نجاحات كبيرة في كل مكان وفي كل مجال لو قدمت علماءها ومفكريها وأعطت هذا العقل المساحة اللائقة به في التفكير والتخطيط والإلهام والإلزام بدلا من تقديم غير الأكفاء ممن تأتي بهم ما تسمى الانتخابات .

    لماذا الحاجة إلى إنشاء وتفعيل جهاز علمي وفكري للحركة؟

    •  لأن الإسلام دين العلم والمعرفة والفكر ، ولأن مفتاح الصلاح والإصلاح في العالم هو العلم والفكر .

    • لأن كل نهضة حضارية لا بد أن تسبقها أقلام ، وتمهد لها عقول ، ولم تقم يوما دولة ولا نهضة على إفلاس في العلم وضحالة في الفكر .

    •  لأن الأمة والحركة دائما في حاجة إلى ملهمين ينقلونها من التقليد إلى التجديد ، ومن الركود إلى الحركة ، ومن السطحية إلى العمق، ولا يمكن أن يخلق ذلك إلا في إطار علمي متكامل يمثله جهاز داخل الحركة .

    • يقول عبدالله النفيسي "تحدد المادة (24) من النظام العام مهام مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان المسلمين في:

    • تحديد مواقف الجماعة الفكرية والسياسية من كافة الأحداث العالمية...

    • الإشراف على سير الدعوة وتوجيه سياستها...

    • رسم الخطوات اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الشورى العام في جميع الأقطار .

    • تكوين اللجان والأقسام المتخصصة في المجالات اللازمة...

    • وضع الخطة العامة...

    • إعداد التقرير السنوي العام (القيادة- الأحوال العامة- المالية)

    ثم يقول بعد ذلك معلقا : "من يقرأ هذه المهام الضخمة ويستعرض أسماء وشخوص أعضاء مكتب الإرشاد العام للتنظيم الدولي للإخوان لا يسعه إلا أن يصاب بالإحباط لأن هذه المهام أكبر بكثير من قدراتهم الذاتية .

    • تثقيف وتعليم الأمة بدءًا بأبناء الحركة ثم عموم المسلمين ، ودعوة غير المسلمين يقتضي علما وفكرا متخصصا في ظل هذه الثورة الهائلة من المعلومات والتقنيات .

    •  ملء الفراغات الفكرية والإجابة عن التساؤلات الكبرى في النوازل الحالية للحركة وإزالة المساحات الرمادية في فكر الحركة , كل ذلك يحتاج إلى علم وفكر ورؤية .

    نحو العمل

    لابد للحركة إن أرادت نجاحا أن تقيّم مواقفها وتصرفاتها تجاه علمائها ومفكريها ، ثم تضع خطة لتوظيفهم بأفضل ما يكون ، ثم تصغى لإنتاجهم وتعتمده ، ثم تصوغ خططها وفق هذا الإنتاج ، وتهدر كل فكرة وعمل وخطة لا تقوم على دراسة متخصصة تتوافر لها شروط العلمية والموضوعية ، وهذه خطوات نحو تحقيق هذه الضرورة عمليا :

    • حصر شامل لكل العلماء والمختصين وحاملي الشهادات العليا في كافة المجالات العلمية .

    • تصنيف هؤلاء وفق تخصصاتهم ومجالاتهم العلمية والفكرية ، ثم توظيفهم ؛ كلٌ في مجاله وتخصصه وعدم إشغاله بشيء على حساب تخصصه .

    • تأسيس مراكز بحوث ودراسات في المجالات الرئيسة في إدارة الحياة والحركة ، ويمكن الاقتصار مبدئيا على خمسة مجالات هي : (الشرعي – السياسي والأمني – الاقتصادي – الإعلامي – التخطيط الاستراتيجي) .

    •  ضرورة تفعيل البحوث والدراسات الإنسانية من علوم الاجتماع وعلم النفس والتربية وغيرها ، وكذلك الدراسات العسكرية والمعلوماتية وإمداد مراكز البحوث بها .

    • تفريغ القيادات الفكرية والعلمية في كافة التخصصات تفريغا تاما للعمل العلمي والفكري بدلا عن العمل التطوعي المؤقت .

    • وضع خطط الجماعة ورؤاها ونظرياتها وكل ما يتصل بها تحت الاختبار العلمي الشامل بحيث يراعي فيها كل الأبعاد المذكورة في التخصصات المختلفة .

    •  أن ترسم الحركة واقعها وتحدد قسمات مستقبلها بناءً على تلك الدراسات المتخصصة بعيدا عن الارتجال والانطباعات الشخصية .

    فهل نتجه نحو التركيز والعلمية ، بعد أن وقعت علي رؤوسنا  محن وكوارث ؟؟

    مقالات