السبت 4 مايو 2024 08:45 صـ 25 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الضرورات العشر للحركة الإسلامية || الضرورة الثالثة

    رابطة علماء أهل السنة


     

    تاريخ الإضافة : مـ 10/3/2016 - هـ 20/5/1437

    3- القدرة على إدارة الصراع :
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    هذا المقال يكثف النظر حول مسألة محورية في مسيرة الحركة الإسلامية وهي:" إدارة الصراع"، وأفكاره إنما هي استقراء للخطوط العامة التي راعاها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لإقامة الدولة والحضارة الإسلامية، ولم أرغب في سرد الأدلة والمواقف وإنما خلاصات الأفكار فقط.

    لسنا دعاة صراع ولكنه قانون كوني:

    الإسلاميون ليسوا دعاة صراع، ولكن الصراع والتدافع سنة كونية قَدرية ذات مستويات ومساحات مختلفة، تقع بين الأفراد، كما تقع بين الجماعات، وتتوسع حتى تقع بين الدول والأمم، ويرجع وقوع الصراع لأسباب منها: اختلاف الإرادات والمصالح والأفكار، بل والموارد والإمكانات، ولا أريد الدخول في معترك الفروق بين مصطلحي النزاع والصراع وهل هما متحدا المعنى؟ إلا أن من يبحث في تعاريف الصراع سيقف على عدة معانٍ منها "المعركة" و"القتال" متى كان الصراع قصيرا، و"النضال" و"الكفاح" في حالة استمر وطال، وقد عرَّفه لويس كوسر " أنه تنافس على القيم وعلى القوة والموارد، يكون الهدف فيه بين تحييد أو تصفية أو إيذاء الخصوم".

    الصراع مع الحركة الإسلامية .. لماذا؟

    من البدهي أن الحركة الإسلامية بحكم ما تحمله من مشروع إسلامي حضاري، وتوجه فكري وعملي يخالف إرادات داخلية وخارجية ستدخل بحكم القدر الإلهي، وبحكم التدافع البشري في صراع عنيف أو خفيف، متقطع أو دائم، طويل أو قصير، وهذا أمر إن لم تستوعبه الحركة عبر مفكريها وقادتها وأجهزتها، وتقدره في كل حساباتها ستتأخر كثيرا، وربما كانت عرضة للخسائر الفادحة والتضحيات الباهظة التي قد تصل بها إلى الاندثار والفناء أو على الأقل عدم الفاعلية والمبادرة.

    صراع الإرادات والمشاريع بين الحركة الإسلامية وخصومها

    وفي سياق الحديث عن الصراع يتحتم على الحركة الإسلامية أن تدرك طبيعة الموقف الصراعي من حيث:

    1-      أطراف الصراع: هي المشروعات العالمية الظاهرة التي تناوئ الإسلام في صورة الحركة الإسلامية وتتمثل في ثلاثة مشاريع كبرى: (المشروع الصهيوني – المشروع الشيعي – المشروع الغربي)، إضافة إلى العقبات الخطيرة التي تمثل أجزاءً أو أطرافا أو أدوات في الصراع مع الحركة مثل ( التيارات العلمانية، وأجهزة القمع المستبدة في دولنا العربية والإسلامية) ومهم جدا تصور العلاقات التعاونية بين هذه المشروعات وانعكاساتها على مسيرة المشروع الإسلامي.

    2-      مستوى الصراع: إذا كانت مستويات الصراع تتصاعد من الأفراد إلى الجماعات إلى الدول، فإن مستوى الصراع الذي ينبغي أن تعيه الحركة الإسلامية أصبح على مستوى دول بل تكتلات دولية، وهذا يحتم التفكير الجاد في كل قرار أو موقف للحركة، لأنها تتحرك وسط أعاصير وخصومات وأعداء، ولا تتحرك في فراغ.

    3-      طبيعة الصراع ونهايته: للصراع طبيعة سلبية (وهي الخلافات المفضية إلى القتال والحرب والإيذاء) وهذه ليست حتمية دائما، فهناك طبيعة أخرى للصراع يمكن أن نصفها بالإيجابية وفيها يمكن (الوصول إلى تفاهمات ومساحات مشتركة نتوصل من خلالها إلى كيفيات في التعامل يمكن الوصول بها إلى نتائج أفضل، تقلل من المخاطر وتمنع وقوع غير المرغوب فيه)، وكل ذلك مرهون بأشياء عديدة منها الجدوى، والقدرة، والمآلات، وطبيعة الموقف والقرار، وبالتالي فليس بالضرورة أن تدير الحركة الصراع في دائرة واحدة وبمفهوم واحد وهو المفهوم السلبي فقط، وبخاصة في حالات عدم التكافؤ بينها وبين الأطراف الأخرى.

    4-      إدارة الصراع: وذلك بتحييد أطراف، والتحالف مع أخرى، والكمون أحيانا، والنشاط أحيانا أخرى، والتنازل في مواقف، والتصلب في أخرى، وهكذا.

     

    الحركة الإسلامية وإدارة الصراع

    بناء على ما سبق فإن من الضرورات المصيرية الوجودية للحركة أن تمتلك فقهًا وقدرة على إدارة هذا الصراع، وأسوق هنا جملة من الأدوات والآليات العملية اللازمة لإدارة الصراع:

    1)      التقدير الحقيقي للذات: والمقصود به وقوف الحركة على كل مواردها البشرية، وإمكاناتها المالية وسائر مقدراتها وقواها، مع معرفة تامة بنقاط ضعفها وثغراتها الداخلية، والموازنة بين نقاط القوة ومكامن الضعف، ولا يمكن فعل ذلك بدقة عبر الطريقة التي تستعملها الحركة الآن في التقييم وحساب القوى، بل لابد من الطريقة العلمية وفق المقاييس العالمية في هذا السياق.

    2)      تخصيص جهاز داخل الحركة لا عمل لها إلا متابعة الشأن الدولي والوقوف على متغيراته وتأثيراته على الحركة والأمة، لمعرفة ثغراته وكيفيات التعاطي معه، وتحديد القرار المناسب لكل متغير، وهذا الأمر يقتضي إيجاد أهل التخصص من علماء السياسة والعسكرية والمعلوماتية والدبلوماسية، وتأهيل وتدريب هذه الكوادر، والإنفاق على هذه الأولوية بما يتناسب معها، وأما ما يعرف بـ (اللجان السياسية) داخل الحركة وأكثر أعضائها هواة؛ كل مؤهلهم أنهم ممارسون للعمل السياسي بصورة أو بأخرى، وليسوا علماء سياسة ولا مختصين فيها ، فهذا مسلك لا يرضاه الله.

    3)      دراسات علمية متخصصة (للآخر) للوقوف على تفاصيل خططه واستشراف بدائله، وإضعاف نقاط قوته، والاستفادة من نقاط ضعفه.

    4)      ضرورة امتلاك الحركة (جهاز معلومات) معاصر يمدها بما تحتاجه من معلومات، والحركة قادرة على ذلك إن شاء الله، بحكم امتدادها في أقطار الدنيا.

    5)      التعامل باحترافية ومهنية ودقة مع المعلومات التي تمتلكها الحركة، بحيث تستفيد منها على الوجه الأكثر فاعلية وتأثيرا.

    6)      ضرورة  التفكير في صناعة أوراق قوة للحركة يمكن الاستفادة منها وسط هذا الصراع العالمي.

    7)      صناعة تحالفات وأصدقاء مع الغير، وإدارة اللعبة السياسية مع الحلفاء ولو في قدر مشترك بيننا وبينهم.

    8)      التفكير في امتلاك (القوة الراشدة) وهذا أمر يحتاج إلى فرق عمل مختصة لإيجاده وتحديد كيفياته ومحاذيره، والشرط أن تكون قوة راشدة منضبطة لا منفلته.

    9)      استبعاد الهواة والانطباعات الشخصية المبنية على الرؤى غير العلمية، وعدم الاعتماد في هذا الخضم إلا على الخبراء وأهل التخصص، أما الصالحون غير المختصين فلا يعتد برأيهم إلا استئناسا لا أصالة.

    10)    الاستفادة من تجارب التاريخ والواقع القريب والحاضر المعيش في إدارة الصراعات.

    11)    تأسيس فقه سياسي شرعي موجه في هذا النوع من العمل  للتفريق بين ثوابته ومتغيراته، حتى لا نتصلب فيما شأنه المرونة، أو نلين فيما شأنه الثبات.

    هذه فقط خطوط عريضة لا يحتمل النشر العام ذكر تفاصيل ودقائق فيها، ولعل اعتماد الفكرة كنقطة محورية وضرورة عاجلة للحركة تكون بداية الانطلاق نحو استكمال النقص.

    مقالات