الجمعة 3 مايو 2024 10:13 صـ 24 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    رفع المسلم الصليب في مظاهرة تضامن مع النصارى

    رابطة علماء أهل السنة

    السؤال:


    لعلكم تابعتم ما حصل في مصر من تفجير سيارة مفخخة أمام كنيسة بالإسكندرية، قتل فيها عدد وجرح عدد أكبر، وتعاطف الشعب المصري مع ما حصل، وخرجوا في مظاهرات وتسارع الجميع لتأكيد الوحدة الوطنية، فرفعت أعلام بها الهلال مع الصليب، ووضع البعض هذا الشعار على صفحاتهم الخاصة على الإنترنت. فما الحكم الشرعي في مثل هذا الفعل؟

    الفتوى


    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:
    فنقرر بدءا أن ما حصل من تفجير سيارة مفخخة أمام كنيسة (القديسين) بمدينة الإسكندرية بمصر حرام شرعا، وهو داخل في عموم القتل المحرم الذي هو من أكبر الكبائر، والأدلة على حرمة هذا الفعل كثيرة، من أهمها: عموم الآيات التي تحرم قتل النفس.
    وما أخرجه الإمام  الترمذي عن أبي هريرة بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا من قتل نفساً معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله، فلا يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا".
    وقوله صلى الله عليه وسلم :" من آذى ذميا فقد آذاني".
    وإنه من الجميل أن يتعقل المسلمون والنصارى الموقف، وأنه يستهدف الوحدة الوطنية بالمجتمع المصري، وأن يتبادر المسلمون بالتعاطف مع النصارى في هذا، وأنه سيحمونهم بأجسادهم كما نقلت وسائل الإعلام عن بعض المواطنين.
    أما رفع الصليب مع الهلال لبيان وحدة الشعب المصري، فهو مقصود محمود؛ لبين تماسك الوطن الواحد ضد أعمال التخريب والإرجاف، ولكن الأمر لا يجوز بإطلاق، بل لابد فيه من التفصيل:
    وقبل بيان التفصيل لابد أن نؤكد أن شعار الهلال كرمز للإسلام ليس أمرا تشريعيا، فلم يكن الهلال شعارا لدولة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء في الخلافة الأموية والعباسية ولا حتى الخلافة العثمانية، وأول وضع هلال على علم كان للدولة التركية الحديثة بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، وبعد توغل الماسونية في الدولة العثمانية المريضة، وذلك بفعل جماعة ( الاتحاد والترقي) التي تنتمي إلى الحركة الماسونية.
    إلا أنه من الحق أن يقال: إنه ليس كل من يستعمل الهلال يعني به هذه الظلال العقدية للحركات الماسونية وعبدة الشيطان. لكن النتيجة تقول: إن الهلال ليس رمزا للإسلام.
    ولا شك أن الصليب هو رمز من رموز النصرانية، وهو أحد معتقداتهم التي نؤمن ببطلانها وانحرافها عن العقيدة التي جاء بها عيسى عليه السلام، فالصليب من شعار الكفر الذي لا نؤمن به، وقد أنكر القرآن الكريم عقيدة الصلب، وجعلها من العقائد الباطلة، فقال تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) النساء: 157.
    وبعد هذا البيان نقول:
    فيحرم على المسلم أن يعرف علما فيه صليب؛ لأنه رفع لشعار الكفر، وكل ما أدى إلى الكفر فهو حرام، ولا يعني هذا كفر الفاعل، ولكنه يعني أنه أتى فعلا من أفعال الكفر دون الحكم عليه بالكفر.
    أما الخروج في مظاهرات فيها مسلمون ونصارى ويرفع فيها النصارى الأعلام التي بها صلبان، وكان المقصود من هذا بيان وحدة المجتمع المسلم، وأنه وحدة متماسكة، مسلمين ومسيحيين، فمثل هذا الخروج جائز شرعا، بل قد يكون مستحبا؛ لوأد الفتنة، والحفاظ على وحدة المجتمع المصري، مع إنكار المسلم بقلبه الصليب؛ إذ فيه اعتقاد بخلاف ما جاء به القرآن الكريم .
    والقول بالجواز هنا مبني على قصد المسلم من نصرة المظلوم ولو كان غير مسلم، وهو أمر حثه عليه الشرع، واستنادا لما قاله العلماء في قواعدهم: " الأمور بمقاصدها"، كما أن مشاركة المسلمين هنا ليس المقصود منها نصرة الصليب، ولكنه تطبيق لمبادئ الإسلام للحفاظ على كل نفس محترمة، وأن واجب الحفاظ على أهل الذمة جزء من ديننا وتشريعنا.
    وليس شرطا للمشاركة في المظاهرات أن يحمل المسلم شيئا، أو يمكن أن يحمل علم بلده، فيمكن للمتظاهرين أن يرفعوا علم مصر، فهو المظلة التي يجتمع تحتها الجميع، ورفعه أولى من أي شعار آخر.
    والخلاصة: أن قتل النصارى بغير حق حرام شرعا، وهو من أكبر الكبائر، لكن هذا لا يجيز للمسلم أن يرفع علما فيه صليب؛ لأن الصليب من شعار الكفر، ويمكن الاستعاضة عنها برفع علم مصر.
    والله أعلم
    دكتور مسعود صبري
    الكويت في 28 محرم 1432هـ

    مسعود صبري