الجمعة 19 أبريل 2024 11:22 مـ 10 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    بحوث ودراسات التزكية

    ذكر الله عز وجل سبيل : لتطهير النفس وطمأنينة القلب

    رابطة علماء أهل السنة

     

    ذكر الله عز وجل 
    سبيل : لتطهير النفس وطمأنينة القلب 

    أسطر كلمات أذكر بها نفسي، وإخواني: بحقيقة إيمانية ذكرها الله عزوجل في كتابه الكريم، وتعد لونا من ألوان تزكية النفس، وطمأنينة القلب ألا وهي: ذكر الله عزوجل. وهي حقيقية لاريب فيها؛ لإنها إخبار من العليم الخبير، الذي خلق النفوس والقلوب، وجعل لها مايسعدها ،ويطهرها ويهديها ويطمئنها ،ويشفيها من أدرانها، وأدوائها العارضة (ألا يعلم من خلق ،وهو اللطيف الخبير )ويقول سبحانه: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )واطمئنان القلب بذكر الله؛ يجعل المرء يحيا في حصن حصين .يحميه من اليأس والقنوط ،والإحباط والخمول ،ويقيه من الشعور بالعجز والإنهزام، ويبدد من سمائه ضباب الخوف والقلق، ويجعله يشق طريقه في الحياة غير هياب ولاوجل. فيصدع بالحق، ويعلن- الصدق، ولايخشى في الله لومة لائم .

    فذكر الله عزوجل :أداة مهمة لتصفية النفس من كافة الأكدار ،وهو كفيل بأن يجمل الإنسان، ويزينه بكل جميل وجليل من الصفات والخصال، ولذا أمر الله عزوجل به في آيات كثيرة من كتابه الكريم فقال في سورة الأعراف (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال، ولاتكن من الغافلين )وحث على الذكر الكثير .وهو: العبادة الوحيدة التي جاء الأمر بالإكثار منها فقال عزوجل آمرا عباده المؤمنين في سورة الأحزاب بقوله تعالى : (ياأيها الذين آمنوا أذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا) ووصف سبحانه أولي الألباب وهم "أصحاب العقول السليمة ،والأفهام المستقيمة" ومدحهم بكثرة ذكرهم لربهم؛ بعد نظرهم وإعتبارهم وتأملهم في عجائب خلق الله، وبديع صنعه. فقال سبحانه في أخريات سورة آل عمران : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) ونعت سبحانه المؤمنين" الذاكرين لربهم" برقة القلوب، ولين الجلود، ورهافة الحس، وسمو المشاعر. فقال سبحانه :(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته؛ زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )
    وبين تبارك وتعالى: ماأعده للذاكرين، وهيأه لهم من النعيم المقيم في جنات عرضها السموات والأرض. فيها مالاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فقال عزوجل :(والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما )
    والقرآن الكريم كذلك يغرس في نفوس المؤمنين :هذا الشعور الإيماني المطمئن، من خلال المواقف التي تعترض الإنسان في حياته ،والتي ربما لو لم ينتبه ،ويتماسك أمامها بالصبر والثبات؛ لأحدثت شروخا في أسوار حصنه الإيماني المتين. فإذا أحاطت بالإنسان الشدائد ،ونزلت به النوازل، وظن أنه ليس من منقذ أو منفذ : جاءه النداء الإلهي الحاني :(أمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويجعلكم خلفاء الارضءاله مع الله قليلا ماتذكرون)وإذا إستشعر الإنسان أن هناك أمورا تدبر له في الخفاء" كأن وجد من يحاربه في رزقه مثلا ويضع الأشواك في طريقه" وربما أعتراه من ذلك هم يؤرقه ،وقلق لايفارقه. فإن هذا الشعور العارض يتبدد سريعا في ضوء الخطاب الإلهي المؤنس (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو )
    وأما الذين فقدوا طمأنينة القلب، وسكينة النفس بظلمهم ،وغفلتهم ،وغشمهم وكثرة ذنوبهم ،فإنه يمكنهم وبوسعهم أن يعيدوا إلى قلوبهم الطمأنينة الغائبة ،والسكينة المفتقدة؛ إذا هم ذكروا ربهم عزوجل و تابوا إليه ، وأنابوا إستجابة لدعوته لهم ،ووعده بغفران ذنوبهم، ورضاه عنهم وإدخالهم دار كرامته . فهو القائل سبحانه :(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ،ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون )وقد فتح الله لهم :باب التوبة على مصراعيه ،وبابها لايصد عنه قاصد، ولايمنع من دخوله قادم نادم ( قل يعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )
    ولقد جاءت الأحاديث القدسية والنبوية تبين: فضل الذكر، ومنزلة الذاكرين يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة سبحانه يقول الله تعالى ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي )الحديث. 
    وشبه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : الذاكر لربه بالحي ، والغافل بالميت والمراد هو :حياة القلب وموته. يقول صلى الله عليه وسلم ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري مثل الذي يذكر الله والذي لايذكره كمثل الحي والميت).
    إن الإعراض والغفلة عن ذكر الله عزوجل : أمر له مابعده وعواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا يجلب الشقاء والشؤم، ويأتي بالتعاسة والغم، وفي الآخرة يوجب : الذل والمهانة، مع شدة العذاب، وأليم العقاب .فيحشر الغافل والمعرض عن ذكر ربه :أعمى البصر والبصيرة، محروما متروكا من رحمة الله ورضوانه . قال عزوجل ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ،ونحشره يوم القيامة أعمى ،قال رب لم حشرتني أعمى ،وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها ،وكذلك اليوم تنسى )
    ولذا من أراد السلامة، والحياة الطيبة الكريمة، وجب عليه: أن يتمسك بمنهج الله عزوجل، ويلتزم بالسير عليه. فالعيش في ظل المنهج الرباني ؛فيه الضمان والأمان، وسلامة الدنيا ونعيم الآخرة. أما من يبتعد عن المنهج الإيماني المبارك، ويتنكب الطريق؛ فإن له معيشة الضنك في الدنيا وهي" ليست قاصرة على قلة المال، أو عدمه" لكنها والعياذ بالله: حياة الألم ،والتعاسة والشقاء مهما إمتلك الإنسان معها من أموال ومتاع، ومهما حصل من حظوظ الوجاهة والشهرة، والمنصب والسلطان. إنها حياة صعبة شديدة قاسية، مليئة بالأحزان والهموم. 
    وصفها بعض أهل العلم بقوله :أن لايجد الإنسان فيها من واقع حياته ما يستطيع به أن يدفع عن نفسه مهما كانت قوته ،ووسعت شهرته وعظمت سطوته )"نسأل الله السلامةوالنجاة " وهذه الحالة تكون لمن يعرض عن ذكر ربه لمن يعلم الحق من الباطل فيترك الحق ،ويذهب إلى الباطل .
    لمن يهتم بدنياه، وينسى أو يتناسى أخراه، لمن يفرط في طاعة ربه، ولم يؤد ماأفترض عليه. وهذا الصنف البائس التعيس إن لم تدركه رحمة ،ويتدارك نفسه قبل فوات الأوان؛ لن يجد أعوانا على الخير ؛لأنه رغب حياة الغفلة، والبعد عن ذكر الرحمن، وأقترن بالشيطان يقول عزوجل ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين )
    وبعد هذا البيان يمكننا القول: بأن ذكر الله عزوجل نعمة كبرى، ومنة عظمى، به تستجلب النعم ،وتستدفع النقم. إنه قوت القلوب، وقرة العيون ،وسرور النفوس، وروح الحياة ،وحياة الأرواح. 
    ماأشد حاجة العباد إليه، وماأعظم ضرورتهم إليه. لايستغني عنه المسلم بحال من الأحوال. 
    إنه جلاء القلوب من صدئها.فالقلب يصدأ كما تصدأ المعادن من الحديد والنحاس ،والفضة وغيرها. وجلاء صدأ القلب يكون: بذكر الله فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء الصافية اللامعة .فإذا ترك الذكرصدئ فإذا ذكر الله جلاه. 
    وصدأ القلب يحدث بأمرين: بالغفلة والذنب. وجلاؤه يكون بأمرين: بالإستغفار والذكر. 
    ولما كان أمر الذكر كذلك فجدير بالمسلم الواعي أن يكثر منه، ويحرص عليه، ويتعرف على أنواعه، وفضله ومكانة الذاكرين الله كثيرا والذاكرات. 
    قال صلى الله عليه وسلم ‏‎frown‎‏ رمز تعبيري ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ،وأرفعها في درجاتكم ،وخير لكم من إنفاق الذهب، والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم قالوا:بلى يارسول الله قال:ذكر الله.
    وذكر الله عزوجل: أنواع فمنه الحمد والثناء، والتمجيد له جل شأنه .
    ومن أنواع ذكره عزوجل: ذكره عند أمره ونهيه، وأحكامه. بأداء ماأمر والإبتعاد عن مانهى عنه وزجر ،وتحكيم شرعه، وذكر آلائه ونعمه، وإحسانه وأياديه ،ومواقع فضله على عباده. وهذه الأنواع من الذكر تكون: بالقلب واللسان والجوارح . وكما يقول الإمام النووي رحمه الله في كتابه العظيم المبارك الأذكار، والذي قال فيه بعض أهل العلم قديما لأهميته وبركته :(بع الدار وإشتري الأذكار). 
    يقول رحمه الله : الذكر أنواع منه ما يكون بالقلب، ومنه مايكون باللسان. والأفضل منه أي" من الذكر" ماكان بالقلب واللسان جميعا. 
    جعلنا الله وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، وأعاننا دوما على ذكره وشكره وحسن عبادته. 
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

    الراجي عفو ربه 
    فايز النوبيA

    بحوث ودراسات