قِصّة أمِّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في حجّة الوداع (1)
الدكتور عادل الحمد رابطة علماء أهل السنةالحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالحج بالنسبة للمرأة همُّ كبير، لكثرة العوارض التي تعتريها وتؤثر على أدائها للنسك، أو لاختيارها لزمن أدائه؛ فمن قضية المحرم وتوفره في وقتها المناسب، إلى قضية الطهر ومناسبة وقته لأيام النسك، إلى الحمل بعد الزواج وثقله، إلى الأطفال الصغار الذين يصعب عليها تركهم لأداء النسك، إلى غير ذلك من العوارض.
ثم إذا حجت، قد تتأثر نفسيتها بمؤثرات مختلفة، تترك بصماتها على حجها؛ فمن خشية نزول الدورة الشهرية قبل وقتها، إلى مفاجأتها بنزولها قبل وقتها، إلى التعب والإرهاق من أداء المناسك، إلى الضعف العام في جسدها، إلى أن تنتهي أيام الحج، فتفرح بأدائها للنسك، وشوقها لإعادته مرة ثانية، وكأنها لم تمر بتعب قط.
إن أجمل قصة مرت بها امرأة في الحج، هي قصة أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا في حجة الوداع؛ جمالها في شخصيات وتفاصيل القصة، وفي زمن القصة، وفي أرقى تعامل بين زوجين في الحياة؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع أحب الناس إليه، وفي الحلول التي طرحها النبي الرؤوف الرحيم للصعوبات التي مرت بها زوجه الصِّدِيقة بنت الصِّديق.
وتوج هذا الجمال في هذه القصة حوادث أخرى وقعت لأمهات المؤمنين، ولصحابيات تشرفن برؤية وجه نبينا الكريم، وصحبنه في حجة الوداع.
وفي هذه القصة عبر ودروس تجمل حياة كل امرأة تأخذ بها في حياتها، وتستنير بها في طريقها.
وفي هذه القصة تسلية لكل امرأة تمر ببعض ما مرت به أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، أو مرت به بعض أمهات المؤمنين.
وهي قصة تحتاجها كل امرأة مُقبلة على الحج، لتتأسى بالنساء الصالحات، والقدوات الجليلات، اللاتي تربين على يد أفضل المربين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وعشن في أفضل زمان يُتقدى بأهله في هذه الأمة.
جمع القصة ومنهج كتابتها:
من جميل قصة أُمّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا أن لها روايات كثيرة متناثرة، وهذا يسهل معرفة تفاصيل القصة، ولكن لابد من جمع كل هذه الروايات حتى أستطيع فهم جوانب القصة.
وهذه طريقة علماء الحديث، فإنهم يجمعون الروايات كلها لتكتمل عندهم صورة المسألة قبل استنباط الحكم. ومن أمثلة ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في (كتاب الحج / باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت)، قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ أَهْلَ المَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ، قَالُوا: لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ المَدِينَةَ فَسَلُوا، فَقَدِمُوا المَدِينَةَ، فَسَأَلُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ، وَقَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
علق ابن حجر على هذه الرواية بقوله: ((وَلَقَدِ اخْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عِكْرِمَةَ جِدًّا، وَلَوْلَا تَخْرِيجُ هَذِهِ الطُّرُقِ لَمَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ وَتَفَضَّلَ)). (فتح الباري 3/588.)
يقول ابن حجر هذه العبارة بعد أن جمع روايات الحديث التي تبين تفاصيل كثيرة للقصة الواقعة بين ابن عباس وزيد ابن ثابت رضي الله عنهما في موضوع طواف الوداع للحائض.
وعلى هذا المنهاج سرت في كتابة القصة.
وقد قسمت كتابة القصة إلى قسمين:
الأول: ذكرت فيه حجة عائشة رضي الله عنها على شكل قصة، وأشير لكل فقرة في الهامش إلى مصدرها من الأحاديث بذكر رقم الحديث.
الثاني: ذكرت فيه الأحاديث الواردة في القصة مخرجة بطريقة مفصلة بحسب الرواة، وبحسب من رواها من علماء الحديث في كتبهم. ورقمتها ليسهل الإحالة عليها في ثنايا القصة.
وفي هذه السلسلة اليومية سأنشر القسم الأول فقط، وأما القسم الثاني فسأنشره مع طباعة الكتاب، والذي أرجو أن يكون قريبا.
وقد كنت فرغت من كتابة هذه القصة في السادس من ربيع الآخر عام 1441ه
والله أسأل أن يتقبلها مني، وأن يجعلها في ميزان حسناتي، وأن ينفع بها كل من قرأها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.