الرباط في المسجد الأقصى والمرابطون فيه
الدكتور محمود سعيد الشجراوي - باحث متخصص في شؤون القدس رابطة علماء أهل السنةالجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام وأحد أهم فرائضه وعباداته وأشرفها، والمسجد الأقصى المبارك هو أحد أعظم 3 مقدسات عند المسلمين. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى). صحيح البخاري.
فكيف إذا اجتمع شرف الجهاد في سبيل الله تعالى مع شرف المكان في المسجد الأقصى المبارك؟؟
لعمري إن اجتماع الجهاد في سبيل الله مع شرف المكان في المسجد الأقصى المبارك يذكر بفتح مكة؛ أحد أعظم فتوح الإسلام، وأحد أعظم أيام السيرة النبوية المطهرة، وأحد أكثر الأعمال عظمة وإدخالا للسرور على قلب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكذلك الجهاد في سبيل الله لاستنقاذ المسجد الأقصى المبارك.
هذا، وأحسب أن الرباط في القدس والمسجد الأقصى المبارك له درجة فوق الرباط في سبيل الله تعالى بشكل عام؛ فالمرابط في سبيل الله تعالى حابس نفسه للجهاد، يستعد للقاء العدو، يحرس بيضة الإسلام ويحمي ثغور دولة المسلمين.
والرباط في المسجد الأقصى المبارك له كل مواصفات الرباط في سبيل الله تعالى، ويزيد عليها أن فيه لقاء للعدو ومراغمة له، فهو: رباط وجهاد في وقت واحد، إذ نسمع عن استشهاد شاب هنا، وعملية فدائية هناك، إصابات بالعشرات في مسرى محمد، صلى الله عليه وسلم، في المسجد الأقصى المبارك، وجروح وفقد للعيون، وسالت الدماء دفاعا عن قبلة المسلمين الأولى.
لقد شرّف الله المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المبارك أن جمع الله لهم أجر عبادة الجهاد في سبيل الله، وأجر عبادة الرباط في سبيل الله تعالى، وأجر الحراسة في سبيل الله تعالى، وأجر الصلاة والاعتكاف والمكث في المسجد الأقصى المبارك، الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وأجر مراغمة أعداء الله تعالى بعمارة بيت الله وحراسته وحمايته.
فرصة عظيمة وعمل عظيم
ومن فاته من المسلمين أجر هذه العبادات المجتمعة وهو حريص على أجرها، فليس أقل من أن يكفل مرابطا في سبيل الله تعالى؛ ليكون له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء.
وقد جاء في الحديث الذي رواه زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا). صحيح البخاري.
فرصة عظيمة وعمل عظيم؛ حين نطلب ونتوقع من أهلنا في القدس المحتلة والداخل الفلسطيني المحتل أن يتفرغوا للرباط في سبيل الله، بالمسجد الأقصى المبارك؛ فليس أقل من أن نشاركهم هذه الأجور العظيمة، من خلال كفالتهم وإخلافهم في بيوتهم وأهليهم بخير.
فكما أن مَن جهّز حاجا فقد حج وله مثل أجر حجته، ومن جهّز غازيا فقد غزا وله مثل أجر غزوته، ومن كفل مجاهدا فقد جاهد وله مثل أجر جهاده، فمن كفل مرابطا فقد رابط مثله وله مثل أجر رباطه، وعليه فإن كفالة المرابطين في سبيل الله تعالى في المسجد الأقصى المبارك؛ هو من أعظم القربات إلى الله تعالى، ومن أعظم العبادات في ديننا الحنيف.
ولعل الرباط في القدس الآن يصل في أجره كأجر من يغمس نفسه في العدو حاسرا، فهذا الذي يدخل المسجد الأقصى المبارك مرابطا؛ يلاقي جيش العدو وحده دون جيش ودون عدة عظيمة.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم لإخواننا المجاهدين المرابطين أعظم الأجور والثواب وأن يكتب لنا مثل أجورهم، اللهم آمين.