الخميس 2 مايو 2024 09:18 مـ 23 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ”مسلكيات” 65      ”تقمُّص الآخر” 

    رابطة علماء أهل السنة

    "مسلكيات" 65

         "تقمُّص الآخر" 

        جميلٌ أن تقتبس من الآخرين ما لديهم من الصفات الحسنة، لكن من غير الجميل أن تتلاشى شخصيتُك فيهم فلا يعود لك شخصيتُك ولا خصوصيتُك. 

      إنَّ سلوك التقمص في مرحلة التكوين والبناء لا يُعدُّ مُستهجنا، فالإنسان يولد ولا شخصيةَ له، ثم تتشكل له شخصيةٌ تقليديةٌ، من أظهرِ معالمها محاكاةُ الآخرين من حوله ممن لهم تأثيرٌ مباشرٌ في حياته إلى درجة تقمُّص تلك الشخصيات واستدعائها الدائم في سائر تصرفاته وانفعالاته. 

       يكبرُ الصغير ويكبر معه الجنوح نحو تحديد الهوية والاستقلالية التي يُثبت معها وجوده ويحقق بها ذاته.

       وبين المبدأ والمُنتهى نستطيع أن نحصرَ أنماط الشخصية من هذه الحيثية في ثلاثة أصناف: 

    ـ صاحب الأنا المتضخمة، وشخصيتُه متصلبة، فهو لا يرى الآخر شيئا، ويرى نفسه أرفع من أن تقتبس خيرًا من أحد، فضلا عن محاكاته وتقمُّصه، ومن مخرجاتها النكدة بطرُ الحق واجترارُ الذات واستنفاد الرصيد. 

    يقابله الضعيفُ المهزوز الذي يمكن وصف شخصيته بالمائعة الرخوة، سريعة التأثر بالآخر إلى درجة الذوبان فيه والتقَولُب في نمط سلوكه وأسلوب حياته، ويدخل في ذلك طريقةُ كلامه، تعابيرُ وجهه، لغةُ جسده، ذوقه في لباسه، أفكاره واختياراته!! 
    وقد لا يكون عَسِرًا عليك تخمينُ الشخصية التي تقمَّصها وانصهر بها.
    وسبب ذلك هو تضاؤل الذات الحقيقية لديه وتضخم صورة الآخر وانطباعها في مرآة قلبه لتكون هي المحرك لانفعالاته. 
    فإذا قوي هذا الوصف أصبحت الشخصية مضطربةً لتقلبها بين صور متعددةٍ لا تكاد تستقرُّ على صورة.

    والشخصية الثالثة هي الشخصية المعتدلة، ويمكننا تسميتها بالمرنة، فليست صلبةً ولا مائعةً بل في منزلةٍ بين المنزلتين، فيها من الصلابة ما يمنعها من التقولُب، وفيها من التواضع واللين ما يجعلها تنتفعُ من محاسن سلوك الآخرين، ولا تجدُ غضاضةً في محاكاتها وإسقاطها على ممارساتها العملية، مع الاحتفاظ بخصوصيات الشخصية الأصلية.

    المحمود في هذه الشخصية التجدد المستمرُّ والترقي المتواصل في مراتب السلوك، والإفادة من خلاصات تجارب الآخرين في كل مجال ممكن.
    ومع كثرة المخالطة والملازمة للقدوات الصالحة سوف تتشرَّبُ شخصيةَ كلِّ واحدٍ منهم في أظهر صفةٍ تفوَّق بها، وعندها سوف تتبلور للمرء شخصيةٌ فذةٌ يجتمع فيها صفوةُ صفات الصفوة. 

        أيها المكرم.. 

    تقمَّص من الآخرين ما ينفعك ولا تخسَر ذاتك، فكن أنت، ولا تكن غيرك، فأنت تستحقُّ أن تكون لك شخصيتُك الخاصةُ التي يُقدِّرك الناس لأجلها.. لأنك أنت، لا لأنك هو، أو لأنك هم!!

       د. جمال الباشا

    تقمص الآخر الشخصية التميز

    مقالات