الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:50 مـ 21 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    تحدث حتى أراك

    رابطة علماء أهل السنة

    الرجل كلمة و موقف  ، فإذا تحدث ظهر مكنون نفسه ليفصح عن شخصية يخلدها التاريخ ، أو شخصية يواريها التاريخ التراب .

     و قد عبّر عن هذا المعنى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال : ( تكلموا تُعرفوا، فإن المرء مخبوءٌ تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر ) .

    و من الرجال الذين خلّدهم التاريخ بكلماتهم و مواقفهم ، الملك فيصل بن عبد العزيز العاهل السعودي رحمه الله وقد جرى هذا الحوار بينه و بين الجنرال شارل ديجول الرئيس الفرنسي.

    نعرض هذا الحوار لنتعرف على التطور الحادث في شخصية القيادات العربية و كيف تحولت من فاعل الى مفعول به ، ومن أصحاب قرارات الى منفذي قرارات.

    هذا اللقاء الهام 
    بين الجنرال شارل ديجول الرئيس الفرنسي والملك فيصل بن عبد العزيز العاهل السعودي يرحمه الله 
    قبيل حرب حزيران 
    و بدأ الاجتماع بين الرجلين فيصل وديجول ومترجم: 
    قال الرئيس ديجول محادثا الملك فيصل : 
    - يتحدث الناس أنكم ياجلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر وإسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً 
    ولايقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع .. 
    أجاب الملك فيصل : 
    - يافخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا 
    إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً 
    وكل فرنسا استسلمت إلا ( أنت ) انسحبت مع الجيش الانجليزي وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه ، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ، ولا شعبك رضخ .
    فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع 
    والويل يافخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول : 
    أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً ... فقد أصبح مشروعاً 

    دهـش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركزة بهذا الشكل فغير لهجته وقال : 
    - يا جلالة الملك يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي 

    وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك ... 
    أجاب الملك فيصل : 
    - فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك 
    وأنت بلاشك تقرأ الكتاب المقدس 
    أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر !!؟ غـزاة فاتحيـن .... 
    حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال 
    فكيف تقول أن فلسطين بلدهم ، وهي للكنعانيين العرب ، واليهود مستعمرون 
    وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة 
    فلماذا لاتعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط !!؟ 
    أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود ، ولانصلحها لمصلحة روما !!؟ 
    ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا 
    في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها ..... 
    قال ديجول : 
    - ولكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها !!!... 
    أجاب الفيصل : 
    - غريب !!! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس 
    وأكثر السفراء يولد لهم أطفال في باريس 
    فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس !! 
    فمسكينة باريس !! لا أدري لمن ســـتكون !!؟ 
    سكت ديجول ، وضرب الجرس مستدعياً ( بومبيدو) 
    وكان جالساً مع الأمير سلطان ورشاد فرعون في الخارج 
    وقال ديجول : 
    -الآن فهمت القضية الفلسطينية ..أوقفوا السلاح المصدر لاسرائيل. 

    وكانت إسرائيل يومها تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية ... 

    واستقبل الملك فيصل في الظهران عند رجوعه من هذه المقابلة 
    وفي صباح اليوم التالي استدعى الملك فيصل رئيس شركة التابلاين الأمريكية 
    وقال له : 
    - إن أي نقطة بترول تذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم 

    ولما علم بعد ذلك أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع عنها البترول 
    وقامت المظاهرات في أمريكا 
    ووقف الناس مصطفين أمام محطات الوقود 
    وهتف المتظاهرون : 
    - نريد البترول ولا نريد إسرائيل 
    و عندما التقى وزير خارجية امريكا بالملك فيصل في الرياض في السبعينيات وحين طلب كيسنجر من الملك تزويد الطائرة الرئاسية التي اقلتة للمملكة بالوقود لنفاذ وقودها أجابه الملك فيصل رحمه الله في حينها بأنه شيخ كبير وطاعن في السن وأنّه يتمنى ان يصلي ركعتين في المسجد الاقصى وطلب من كيسنجر مساعدته في تحقيق رغبتة، وعندها فهم كيسنجر الرسالة ، وخرج من عند الملك مطأطأ الراس!! 

    وهكذا استطاع هذا الرجل ( الملك فيصل يرحمه الله ) بنتيجة حديثه مع ديجول وبموقفه البطولي في قطع النفط أن يقلب الموازين كلها . 

    ويظن حكام اليوم أنهم بطاعتهم للغرب والسير في ركابهم يحافظون على ملكهم وأوطانهم ، وإنهم واهمون ، فالله تعالى قال : ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) فهم دائما سيطلبون المزيد، ما تستطيع تحقيقه و ما لا تستطيع ، فإذا رأوا أن هذا الحاكم أو الملك انتهت صلاحيته ، فسيقومون بتغييره ، وما أسهل ، ليحضروا دمية جديدة يحكموا من خلالها وتحقق مطالبهم.


    رحم الله فيصل و المحترمين من الرجال ، الذين قضوا نحبهم ومن ينتظر ، الذين رسموا لوحات الكرامة بكلماتهم ومواقفهم على صفحات التاريخ ، ولم ولن ينساهم التاريخ.

    الرجال الموقف الكلمة الصمت

    مقالات