الخميس 2 مايو 2024 07:00 مـ 23 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    حلبُ الشهباء :شامةُ الشامِ

    رابطة علماء أهل السنة

    حلبُ الشهباء :شامةُ الشامِ


     مدينةُ التدينِ  والعلمِ ، والأدبِ والفنِ ، والصناعةِ والتجارةِ ، والبهاءوالجمال. أعرفها جيدا أكرمني الله عزوجل : بزيارتها- خمس مرات، خلال أربع سنوات تقريبا -في منتصف  وأواخر التسعينات ،وفي كل زيارة لاتقل إقامتي بهاعن شهر ،وزيادة. صليت في مسجده وجبت في أزقتها ،وشوارعها وحواريها ،وطفت بأسواقها ،وشاهدت قلعتها، وآثارها،ومبانيها، أكلت في مطاعمها ،وجلستُ على مقَاهيها. فما أجْمَلها من بلد، وماأعْرَقَها من مدينة.
    وشاءت إرادة الله عزوجل ،وقدره الحكيم أن أتزوج من حلب .فأهلها أصهاري، وأخوال أولادي، ومن هنا قويت صلتي بالشهباء. 
    وحلب مدينة عجيبة ترى  القديم، والجديد في أحيائها ،ومبانيها. تبهرك مناطقها العتيقة؛ بعبقها ،وأصالتها، وتراثها. وتريحك أحيائها الجديدة ؛بحدائقها، وجمالها، وهدوئها. وماأجمل لحظات الجلوس في الحديقة العامة ،و متنزه السبيل ،وحدائق المحلق. 
    وأهل حلب  في غالبهم متدينون، وإن كان يغلب على الكثير منهم طابع التصوف، وفيهم المُغَالي ُوالمعتدل ،  يغارون على أعراضهم، ونسائهم "اللاتي في معظمهن محتشمات محجبات منتقبات"  أو مُغطيات كما يقولون هم في وصف الحجاب الشرعي، والذي يكثر في نساء حلب المسلمات، حتى ولو كن أُمّيات. يفْصِلون الرجال عن النساء في الأعراس والحفلات والإستقبالات ، فلكل فريق مكانه المستقل والبعيد عن الآخر؛  منعا "للإختلاط المذموم" وماينجم عنه من مساوئ ، وهذا من أخلاق الإسلام، و شيم الكرام.
     يعشقون مدينتهم ،ويتعصبون لها ،"وهذا حقهم " طريقتهم في الكلام ولهجتهم معروفة، و مميزة ،طعامهم طيب لذيذ يتفنون في صنعه، وإعداده ،بل يتباهَون به، ويفخرون ، وكذلك بفنونهم ،وآدابهم فمن أقوالهم المأثورة :حلب بلد المحاشي، والكِبَب والفن ،والأدب، والمَعَالي، والرُتب. 
    بلد يَظَلُ به الغريبُ كأنه من أهله .
    تمشي في شوارعها ،وأزِقَتِها وأحيائها العتيقة ؛ فتظن أنك في بلاد الهند بل وصفها بذلك بعض الأقْدمين قال عنها "الحَمَوي "-- والذي كان مغرما بها --  : حلب كأنها الهند الصغيرة ؛ بخاناتها  وعطورها، وبهارها، وطعامها، وتُجَّارِها الأغنياء، ومَبَانيها الجميلة، وأسواقها المَسْقوفة بالخشب ، فأهلها دائما في ظل ممدود. وقال أيضا : إن الله خصَّها بالبركة، وفضَّلها على كثير من البلدان. 
    وقال في وصفها "عز الدين بن شدَّاد ": حلب من أعظم البلاد جمالا ،وأفخرها زينة وجلالا ،مشهورة بالفخار ،عليَّةَ البناء،والمنار ،ظلها ضَافٍ، ومَاؤُها صافٍ، وسعدُها وافٍ ،لم تَزَل منهلا لكل وارد، وملجأً لكل قاصد، لم تَرَ العينُ أجملَ من بهائِها ،ولاأطيبَ من هوائِها ،ولاأظرف من أبنائها. 
    وقال فيها ابن بطُوطة :حلب من أعز البلاد التي لانظير لها في حُسْنِ الوضع، وإتقان الترتيب، وهي من المدن التي تصلح  (عاصمة ) للخلافة .
    ووصفها ابن جبير قائلا : قَدْرُها خطير، وذِكْرُها في كل مكان يطير، خُطَّابُها من الملوك كثير ،ومَحِلُها في النفوس أثير، فكم هاجت من كفاح ، وسلَّ عليها من بيضِ الصِفاح، هذه حلب : كم أدخلت ملوكها في خبر كان ، ونسخت صَرْف الزمان بالمكان. 
    وقال شاجِم وهو شاعر  سيف الدولة المقرب. :
    وماامتعت جارها بلدةٌ ...  كما أمتعت حلب جارها....   هي الخُلدُ بجميع ماتشتهي....   فَزُرْها فطوبى لمن زارها
    وأكثر الشعراء وبالغوا  في وصفها .حتى قال أحدهم  :  كل يوم في غيرها فغير محسوب من العمر .
    وقال عنها المستشرق "جون دافيد" في كتاب الكون العجيب: 
    على عكس مايحسه الأجنبي في أية ناحية أخرى ،من نواحي الإمبراطورية العثمانية، فإنه لايشعر بحلب؛ أنه متكدر أبدا .
    وفي الختام أقول :هذا غيضٌ من فيضٍ. مماقيل في وصف حلب الشهباء. 
    والتي تتعرض لعدوان :صفوي صليبي مجوسي إلحادي غاشم .هتك عرضها، وحطم بنيانها، وشوه جمالها ،وقتل أطفالها ،ونسائها، وشتت شمل أهلها. 
    اللهم انصر حلب، وأهلها ،وانتقم ممن كاد لها، و أحرقها، ودمرها، وقتل العباد وشردها ،اللهم عليك بالوغد المجرم بشار ، وجنده الأشرار، أرنا فيهم عجائب قدرتك، وإجعلهم للناس عبرة، فإنهم لا يعجزونك وأنت على كل شيء قدير.
    #فايز_النوبي

    حلب الشهباء القديم الحديث

    مقالات