الثلاثاء 7 مايو 2024 05:28 مـ 28 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مستقبل اليهود على ضوء سورة آل عمران

    رابطة علماء أهل السنة

    زعم اليهود أنَّ وجودهم في فلسطين دائم، وأن كيانهم باقٍ، لأنَّ الله أعطاهم لها إلى يوم القيامة ولهذا أطلقوا شعارهم: (إسرائيل وجدت لتبقى(.
    أوهموا الناس في الغرب بصحة هذه المزاعم، فصدَّقوهم وساعدوهم... وسَرَتْ المزاعم الإسرائيلية إلى عقول بعض العرب والمسلمين فصدقوهم وأيقنوا أن وجود اليهود على فلسطين باقٍ دائم، فتحركوا وفق هذه القناعة.
    ورفض المسلمون هذه المزاعم والإشاعات، وأيقنوا أنَّ وجود اليهود على أرض فلسطين موقوت، وأن كيانهم إلى زوال واندحار. فرفعوا شعارهم الداحض لشعار اليهود: (دولة اليهود وجدت لتبقى)..
    وإزالة هذا الكيان اليهودي وعودة فلسطين للإسلام والمسلمين تحتاج إلى جهده وجهاد، وتضحيات وآلام وأن الطريق طويلة صعبة مريرة، ولكنها هي الطريق الوحيد الموصل إلى تحقيق الغاية.
    سورة آل عمران تحدِّد مستقبلهم:
    هذه الحقيقة الحازمة يؤكدها القرآن قررتها ثلاث سور: آل عمران، والأعراف، والإسراء، وسنقف الآن مع آيات من سورة آل عمران، متدبرين لها، مسجلين هذه الحقيقة (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ(115) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(117) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120) . (آل عمران)..
    لن يضروكم: سيحاربنا اليهود حرباً شرسة، وسيحرصون على القضاء علينا... إنهم يريدون ردتنا عن ديننا، لحسدهم لنا :(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ) البقرة:109.
    ولن يرضوا عنا إلا إذا تخلينا عن ديننا واتبعنا ملتهم(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) البقرة:120.
    فإذا تمسكنا بديننا، وحافظنا على قرآننا، فإنهم سيحاربوننا(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ القَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)البقرة:217 . فالحرب بيننا وبينهم مستمرة والقتال دائم بماذا يوحي لنا قوله تعالى(لَنْ يَضُرُّوكُمْ)آل عمران:111}. إنه وعد قرآني جازم، وحقيقة قاطعة، صيغ بهذه الجملة المنفية بحرف (لن) الذي يدل على التأبيد: أي: لن ينجح اليهود في إيقاع الضرر بكم ولن ينجحوا في تفريغ فلسطين منكم، ولن تكون فلسطين لهم، ولن يستريحوا فيها ويتمكنوا منها.
    إنهم بعد أكثر من ستين سنة على إقامة كيانهم لم ينجحوا بتحقيق أهدافهم، لم يلغوا الهوية الإسلامية لمسلمين فلسطين، لقد انبثقت انتفاضات للشعب هناك من ضمير الشعب المجاهدة.
    إلا أذى: استثناء من الجمة الأولى: تقرر حقيقة قاطعة، وهي نجاح اليهود في إيذائنا... وهذا الأذى يقع على الأجساد والأبدان... تنزف منه دماء... 
    اليهود أرادوا النفوذ إلى أعماقنا، وإماتة أرواحنا، والسيطرة على نفوسنا، واجتثاث وجودنا... إنهم لن يتمكنوا من النفوذ إلى الأعماق... إن المسلمين يزدادون صموداً وتحدياً وثباتاً... وكلما صعَّد اليهود من بطشهم وتنكيلهم كلما ازداد المسلمون استعلاء وتصحيحاً وجهاداً...
    نجاح اليهود في إيذائنا: آذى اليهود في فلسطين الشعب المجاهد، تمثيل في الشهداء الأبرار، والجرحى والموقوفين والمطاردين، تمثل في الدماء التي نزفت، بالأبدان التي شوهت والبيوت التي هدمت... فليزيدوا من أذاهم لنا.. ولنستعلي على الجراح والآلام والدماء.
    اليهود لم يقاتلوا الربانيين: (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُون)] آل عمران:111}. هذه حقيقة قرآنية، إنهم إذا ما قاتلونا سيولون الأدبار وينهزمون... ويشكك بعض الناس في هذه الآية، ويراها غير منطبقة على الواقع... يقولون: لقد قاتلنا اليهود أكثر من ثلاثة حروب؟ ألم ننهزم أمام اليهود عام 48و56و76... لكن السؤال: قاتلوا من؟
    ما هي صفاتهم وشعاراتهم وطروحاتهم!.. لم نحارب اليهود حرباً إسلامية حتى الآن، ولم يواجه اليهود الجنود الربانيين حتى الآن، ولم يدخل الإسلام المعركة حتى الآن... 
    إن قومنا أصروا على إبعاد الإسلام عن الواقع والمجتمع، وعن ميدان المواجهة... لقد حارب قومنا دعاة الإسلام، وجنوده، وغدروا بهم واعتقلوهم...
    حارب قومنا اليهود بقوميتهم واشتراكيتهم ويساريتهم ويمينهم، فانهزمت هذه الرايات أمام اليهود... لقد تغلب اليهود على القومية والقوميين... والاشتراكية واليسارية... والثورية...
    هذه الآية: (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ) (آل عمران:111}. تخاطب المؤمنين المسلمين المجاهدين الربانيين وعندما نسلم حقاً، ونلتزم بدين الله، ونجاهد في سبيل الله سنرى مصداق هذا الوعد...
    ضربت عليهم الذلة والمسكنة : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) آل عمران:112
    الذلة ملازمة لليهود أينما حلوا في أي زمان ومكان، الذلة مضروبة عليهم ضرباً تلازمهم ملازمة، تحيط بهم ولا تفارقهم، والذي ضربها هو الله الحكيم الفعال لما يريد، وكذلك المسكنة: الهوان، الضعف، والجبن... أينما ثقفوا، حيثما صلوا وأقاموا...
    سواء كانوا مضطهدين مستضعفين، أو كانوا مسيطرين متمكنين... سواء عاشوا مشتتين في بقاع الأرض، أو كانوا في عز وسلطان وكيان..
    إلا بحبل من الله: إن الاستثناء يتمثل في حبل الله وحبل الناس... هناك زمن قصير ترفع عنهم الذلة... وهو قصير ولذلك سماه الله حبلاً؟ وجعل الله الممتد لليهود ليس من باب حبه لهم ورضاه عنهم... إنه إرادته النافذة ومشيئته المطلقة أن يرفع عنهم الذلة زمناً قصيراً، ويجعل لهم كياناً وسلطاناً... وسيقطع الله هذا الحبل، وينهي هذه الخطة اليهودية، ونرى الذلة والمسكنة تنتظرهم.
    حبل من الناس: حبل الناس: التي اعتمد عليها اليهود في إقامة دولتهم.. فحبال الناس هي سبب وجودهم واستمرارهم وكيانهم.
    وأبرز هذه الحبال البشرية: الحبل الأوروبي بفرعيه: الإنكليزي، والفرنسي... 
    لقد كان لأوروبا الفضل الكبير في تمكين اليهود على أرض فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث قضوا على الخلافة الإسلامية، واحتلوا بلاد المسلمين احتلاً مباشراً، وتقاسم الإنجليز والفرنسيون بلاد الشام... وجعلوا فلسطين تحت الانتداب الانكليزي وأصدر بلفور وعده لليهود، وامتدَّ الحبل الإنجليزي... وما زال الحبل الأوروبي ممتداً لهم بكل فروعه وألوانه...
    وقبل أن يضعف الحبل الأوروبي صار اليهود يعملون على تأمين حبال أخرى... لأنهم يعلمون أنهم لا يعيشون إلا بتلك الحبال البشرية... فقاموا بتأمين الحبل الأمريكي، الذي هو أقوى وأعتى الحبال... يقدم لهم كل ما يطلبون... المال والسلاح والتأييد... والحبل الروسي الشيوعي... ويمثل في قدوم اليهود من روسيا ودول أوروبا الشرعية إلى دولة اليهود...
    وهناك الحبل العربي الممتد لليهود... من دول تزعم أنها تعادي اليهود وتدعي الحرص على تحرير فلسطين...
    وستنقطع الحبال كلها: لأن اليهود لا يملكون قوة ذاتية... إن كيانهم مصطنع، وجودهم مرهون بتلك الحبال... باستمرار المساعدات... وإذا ما انقطعت تلك الحبال فسيفقدون أسباب الحياة، وينهار بنيانهم الذي أقيم على باطل بعونه الله تعالى...
    إن الحبل العربي سينقطع... يوم تهتدي الأمة إلى رسالتها وتعتصم بربها...
    ولقطع هذه الحبال يحتاج إلى سعي وجهد وجهاد... لا بمجرد الأمنيات والأحلام، بالاعتصام الجاد بحبل الله المتين.
    وأما آيات سورة الأعراف التي تتحدث عن الهيمنة اليهودية فستكون في حلقة قادمة بعون الله تعالى.