الجمعة 19 أبريل 2024 10:35 مـ 10 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    خصائص فريدة لسورة الحج

    رابطة علماء أهل السنة

    عندما ركزتُ النظر والتأمل في سورة الحج، بدا لي من الوهلة الأولى أن هذه السورة تنفرد بخصائص عديدة أهمها ما يلي:

    1- اسم السورة "الحج" يعتبر بذاته خاصية فريدة حيث لا توجد سورة في القرآن الكريم باسم شعيرة أخرى مثل الصلاة أو الزكاة أو الصيام، رغم أهمية هذه الشعائر كلها، ولعل الله تعالى أراد لهذه الشعيرة التي تجمع الأمة كلها في مكان واحد حول المسجد الحرام والكعبة المشرفة وبأرض عرفة؛ لكي تحقق من المقاصد ما لا تحققه عبادة أخرى، وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية العبادات الأخرى، فالصلاة عماد الدين ولا تسقط إلا عن حائض أو مجنون، أما بقية العبادات فقد لا يستطيع أن يؤديها المسلم كأن يكون مريضًا مرضًا مزمنًا فلا يستطيع الصيام فيخرج الفدية، أو أن يكون فقيرًا فقرًا مدقعًا فلا يستطيع أداء الزكاة بل هو من مستحقيها، وهناك ملايين المسلمين لا يجدون إلى الحج سبيلاً إما لفقر أو لمرض أو عدم وجود محرم، ومع هذا فقد أراد الله –تعالى- أن يجعل لهذه الشعيرة العظيمة سورة باسمها لحكم ربانية يعلمها سبحانه، وقد ندرك بعضها بتوفيقه ومنته.

    2- في هذه السورة سجدتان في الآيتين (18 و77)، على الرغم من أن أول سجدة في القرآن الكريم وردت في الجزء التاسع في سورة من طوال المفصل وهي سورة الأعراف، إلا أن سورة الحج خصَّها الله تبارك وتعالى بسجدتين دون بقية السور، والسجود عند المؤمنين ذروة التعبد والتقرب إلى الله –تعالى-، كما أن الامتناع عن السجود كان أول معصية حدثت في تاريخ الخلق من الشيطان الرجيم.

    3- لم يرد في أية سورة من القرآن الكريم وصف الله تعالى بأنه القوي العزيز مرتين إلا في سورة الحج بأعلى درجات التوكيد في قوله -تعالى-: "إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" في الآيتين [40 و74] باستعمال إنَّ للتوكيد، واللام قبل الخبر في "لَقَوِيٌّ" على حين ورد هذا الوصف مؤكدًا مرة واحدة في سورة الأهوال "هود"، في قوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" [هود : 66] ، والتوكيد هنا ب"إنَّ" و"ال" التعريف التي تدل على انفراده –سبحانه وتعالى- بالقوة والعزة الكاملتين، وورد مرة واحد أيضا في سور الأحزاب (25)، والشورى (19)، والحديد (25)، والمجادلة (21). وبهذا يكتمل وصف الله –تعالى- أنه القوي العزيز سبع مرات في القرآن الكريم كله، وانفردت سورة الحج منها بمرتين، وهذا يؤكد أن سياق الآيات في التدافع بين الحق والباطل مضمون فيه الغلبة للمؤمنين إذا أحسنوا التوكل -لا التواكل- على الله القوي العزيز.

    4- هذه أول سورة ورد فيها الإذن بالقتال في القرآن الكريم كله، وذلك في قوله -سبحانه وتعالى "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج : 39] ، وقد أورد الإمام القرطبي: "وهي أول آية نزلت في القتال. قال ابن عباس وابن جبير : نزلت عند هجرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة. وروى النسائي والترمذي عن ابن عباس قال: "لما أُخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ليهلكن ؛ فأنزل الله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ"، فقال أبو بكر : لقد علمت أنه سيكون قتال". قال الترمذي: هذا حديث حسن".

    وما إن نزلت هذه الآيات في شعبان من السنة الأولى من الهجرة حتى حرَّك النبي –صلى الله عليه وسلم- ثمان سرايا وغزوات بعضها وراء بعض، وهي على الترتيب: سرية سيف البحر بقيادة حمزة بن عبد المطلب –رضي الله عنه- في رمضان 1 هـ، وسرية رابغ بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب –رضي الله عنه- في شوال 1 هـ، وسرية الخرار بقيادة سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- في ذي القعدة 1 هـ، وغزوة الأبواء بقيادة النبي –صلى الله عليه وسلم- في صفر 2 هـ،، وغزوة بواط بقيادة النبي –صلى الله عليه وسلم- ربيع الأول 2 هـ، وغزوة سفوان بقيادة النبي –صلى الله عليه وسلم- ربيع الأول 2 هـ، وغزوة ذي العشيرة في جمادى الأولى والآخرة 2 هـ، وسرية نخلة في رجب 2 هـ بقيادة عبد الله بن جحش، ثم جاءت غزوة بدر الكبرى في رمضان سنة 2 هـ، واستمر الجهاد حتى توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورحى الجهاد دائرة، ولم ولن تنقطع حتى قيام الساعة، لكن الشرارة الأولى لكتائب الجهاد والقتال والنزال بدأت من سورة الحج .

    5- لم يرد في أية سورة مرتين التعبير عن "تذوق عذاب الحريق" إلا في سورة الحج، في الآيتين: "ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ" –الآية:9- ، "وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" -الآية:22- ، على حين ورد مرة واحدة في آل عمران (181)، والأنفال (50)، والبروج (10)، ففي القرآن الكريم كله ورد عذاب الحريق 3 مرات، وانفردت سورة الحج وحدها بمرتين.

    6- لم يرد في القرآن الكريم كله وصف لعذاب الكافرين، كما جاء في هذه الآيات: "هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" (الآيات: 19-22)، هذا المشهد لم يتكرر في القرآن الكريم سواء بالنسبة إلى الثياب التي تُفصَّل وتُقطَّع من نار، و المقامع من حديد، كما لم يرد ذكر العذاب المعنوي بالغم في جهنم إلا في هذه الصورة الرهيبة في جزاء المجادلين في الله تعالى.

    7- لم يرد ذكر للمجوس في القرآن كله في معرض ذكر المِلل والنِحل سوى في سورة الحج، على حين وردت الآيات المشابهة في قوله-سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة : 62] وقوله –سبحانه وتعالى- "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" [المائدة : 69]، تورد الآيتان المِلل الكبرى دون ذكر المجوس عبدة النيران فذكرهم هنا في قوله –سبحانه وتعالى- "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " [الحج : 17].