الجمعة 9 مايو 2025 10:53 مـ 11 ذو القعدة 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    سؤال وجواب عن رأي الشرع في حكم “أحمد الشرع”

    رابطة علماء أهل السنة

    السؤال: ما قول العلماء في التكييف الشرعيّ للحكومة السورية الجديدة ولحكم القائد “أحمد الشرع”؟ فهل هو حاكم شرعيٌّ له واجب السمع والطاعة ويحرُم الخروج عليه ويجب الجهاد معه والدفاع عنه برغم أنّه لم يطبق الشريعة ولم يُقم النظام الإسلامي ويكفّ عن قتال الصهاينة؟

    الجواب

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد ..

    فإنّ الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بشريعة ربّانيّةٍ تَتَّسم بالشمول والعموم والكمال، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّته على المحجة البيضاء في أمرها كلّه: (الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3)، فما من أمر من أمور الإسلام إلا وفي الشريعة بيانُه؛ لذلك فإنّه من الواجب على المسلمين السعيُ لمعرفة حكم الشرع في كلّ نازلة تحلّ بالأمة، سواء كانت في أبواب العبادات والمعاملات، أو في أبواب السياسة، ومن هذا المنطلق نجيب على السؤال المطروح على هذا النحو:

    أولًا:

    يجب أن يعلم المسلمون أنّ للإسلام نظامًا في الحكم والسياسة، يختلف عن جميع النظم السائدة اليوم في العالم كلّه، هذا النظام يقوم بحراسة الدين وسياسة الدنيا به، وله أُسُسٌ ومؤسساتٌ وأدواتٌ تنظمها أحكامٌ شرعية مفصَّلة، ويتسم بالجمع بين الثبات والمرونة، وأنّه يجب على الأمة – وجوبًا كفائيًّا – السعيُ لإقامة النظام الإسلاميّ، وهذا حكم ثابت بالإجماع، ومستند هذا الإجماع – إضافةً إلى الأدلة الجزئية – هو الاستقراء التام لنصوص الشرع وأحكامه ومصادره وموارده ومقاصده، والاستقراء التام يفيد القطع واليقين.

    ثانيًا:

    هذا الواجب – كسائر الواجبات – منوط بالاستطاعة والقدرة، فإذا استطاع ذلك قوم وجب عليهم، وإن لم يستطيعوا عُلّق الواحب لوقت الاستطاعة، وبقي واجب الإعداد والتمهيد له مع تطبيق ما يمكن تطبيقه من الشريعة وإقامة ما يمكن إقامته من الدين، وينبغي التفريق بين حال الاختيار وحال الاضطرار، ففي حال الاختيار وجب الدخول في عموم الشريعة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا ‌فِي ‌السِّلْمِ ‌كَافَّةً) (البقرة: 208)، أي: ادخلوا في شرائع الإسلام كافّة، وفي حال الاضطرار يُشرع التدرج في إقامة النظام الإسلاميّ وتطبيق الشريعة، وذلك بشرط عدم التسويف مع اعتماد خطة عملية من البداية، والقول بمشروعية التدرج والمرحلية يُبني على أصول ثابتة،

    أولها: أن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا بما أمكن علمُه والعملُ به، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وقد وضع العلماء جملة من القواعد الكلية، تدخل تحت هذه القاعدة الجامعة “المشقة تجلب التيسير”()؛ مثل: “لا واجب مع العجز ولا حرام مع الضرورة”()، ومثل: “الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة”()،

    ثانيها: أنّ الاستقراء التاريخي لعملية التشريع يثبت بيقين أن الشارع الحكيم أخذ الناس على تؤدة وأناة، فعلمهم الإيمان والتوحيد وأصول الأخلاق وبعض الشعائر التعبدية وبعض أحكام الحلال والحرام، ثم نقلهم شيئا فشيئا وصعد بهم في درج التشريع،

    قال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106)، وعن عائشة: “إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ”()، وإذا كان التدرج في التشريع غرضه التمكين للشريعة بتثبيت أحكامها على تؤدة وروية؛ لئلا ينقلب الناس عليها وينفروا منها، فإنَ الغرضَ ذاتَهُ والقصدَ عينَهُ يَسْتَدْعِى التدرج في التطبيق إذا وجدت نفس الظروف ونفس الأسباب في أي زمان أو مكان، أي أنّ التدرج في التشريع دليلٌ على مشروعية التدرج في التطبيق وأصلٌ له.

    ثالث هذه الأصول: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شرع التدرج في التطبيق؛ إذْ إنّه لما بعث معاذا إلى اليمن قال : «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، …»().

    ثالثًا:

    يجب على المسلمين في الحالين – حال الاختيار وتطبيق الشريعة وإقامة الحكم الإسلاميّ وحال الاضطرار والتدرج في تطبيق الشريعة والمرحلية في إقامة النظام الإسلاميّ – أن يسمعوا للأمير ويطيعوه وأن يجاهدوا معه، ويقوموا بحماية حكمه ممن خرج عليه، وذلك بشرطين: الأول أن يقيم فيهم كتاب الله وألّا يظهر في حكمه الكفر البواح بسبب حكمه، الثاني: أن يكون قد تولى إمارته برضى المسلمين واختيارهم، للأحاديث الكثيرة الوفيرة، منها حديث عبادة بن الصامت: «دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ، قُلْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ : دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»()، وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»()، وحديث يحيى بن حصين عن أمه قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخطب في حجة الوادع يقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ»()، وفي المقابل على الرعية أن تأمر الأمير بالمعروف وتنهاه عن المنكر وتناصحه؛ فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال “()، ويحرم الخروج عليه ونزع اليد من طاعته؛ عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ نَزَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، فَلَا حُجَّةَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَاتَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ، فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»()، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»().

    رابعًا:

    وبتطبيق الأصول الشرعية السابقة على القائد السوريّ “أحمد الشرع” وعلى حكومته وجيشه ونظامه يتبين بوضوح – أنّه إلى الآن – قائد وأمير يتوافر فيه الشرطان، فإنّه قاد جموع المجاهدين الثوار لتحرير سوريا من حكم الطاغية بشّار وعائلة الأسد المجرمة المتزندقة، فأسقط حاكمًا زنديقًا مجرمًا، وخرج على نظام من الأنظمة المحاربة لله ورسوله وللإسلام والمسلمين، وهذا الذي قاموا به واجب ثابت بالإجماع، يقول القاضي عياض: “فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة – أي مكفرة – خرج من حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه”()، وقال ابن حجر: “ينعزل بالكفر إجماعاً فيجب على كل مسلم القيام في ذلك”()، وقال ابن بطال: “إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها”()، وقال الرملي: “لو طرأ عليه كفر فإنه يخرج عن حكم الولاية وتسقط طاعته ويجب على المسلمين القيام عليه وقتاله ونصب غيره إن أمكنهم ذلك”()، وبهذا يكون ثوار سورية – وفي القلب منهم هيئة تحرير الشام وعلى رأسهم القائد أحمد الشرع – قد قاموا بالواجب الشرعيّ نيابة عن جميع المسلمين، وقادوا شعبهم بكتاب الله في جهاده حال الحرب، وهم اليوم – بعد أن صاروا دولة ونظامًا – يقودون شعبهم بكتاب الله، وقد رضيهم حكومة انتقالية ورضي قائدهم رئيسًا للمرحلة الانتقالية، يقودون شعبهم في جهاد من نوع جديد، إذْ يسعون معه وبه في إعادة بناء سوريا وسط محيط من العداوات وتلال من التحديات، وفي التمهيد والتوطيد لإقامة الدين وتحكيم شريعة ربّ العالمين، وفي تحقيق الاستقرار الذي لابد منه لعمارة الأرض وإقامة الدين، وهذا كلُّه من صميم العمل بكتاب الله، وإنّ ما يقوم به القائد أحمد الشرع اليوم – هو ومن حوله من الرجال الأفذاذ – لَجِهَاد، يبدّد النوم ويستديم السُّهاد، ويقطّع القلوب ويفري الأكباد، وإنّهم ليسيرون على طريق أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة وعلى جانبيه كلاليب المجتمع الدوليّ والإقليميّ والمحلّي، وهذا الذي يفعلونه هو عين قيادة الأمة بكتاب الله في هذه المرحلة، أمّا إقامة النظام الإسلاميّ بتمامه والإعلان عن تطبيق الشريعة بكاملها فهذا مما ينبغي في هذه المرحلة التمهيد والتوطيد والعمل على تهيئة أسبابه؛ فالميسور لا يسقط بالمعسور.

    خامسًا:

    وبناء على ما سبق فإنّه من الواجب على أهل سوريا جيشًا وشعبًا أن يلتفوا حول قائدهم، وأن ينصروه على جميع من يكيد له ويتربص به، ولاسيما العدو الصهيونيّ الذي يتحالف سرًّا وجهرًا مع الطائفيين وأهل الفتن وفلول النظام السابق؛ من أجل تعويق مسيرة الأمة السورية وإيقاف سيرها نحو التمكين والاستقرار، ومن الواجب على الأمة الإسلامية – شعوبًا وحكومات – أن ترفد الشعب السوريّ وحكومته بما تستطيع من جميع صور الدعم السياسي والاقتصاديّ والعسكريّ، فإنّ المسلمين أمّة واحدة، حربها وسلمها واحدة، كما يجب التصدي لدعوة الغلاة المتنطعين للخروج؛ فإنّها دعوةٌ مارقة منحرفة ضالة، تستهدف استقطاب القاعدة الجهادية الصلبة وإقصائها عن قيادتها، وإثارة القلاقل؛ خدمةً لأعداء الأمة، يجب التصدّي لها ومواجهته ودفعها، عملًا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ»()، وليس المقصود بجميع هنا: الإجماع، وإنّما المقصود: الاجتماع، وهو حاصل برضى سواد المسلمين في سوريا، وعلى رأسهم علماء سوريا ودعاتها، بل والعلماء الواعون الصادقون في الأمة بأسرها، ولا يؤخر هذا الواجب هنات تقع هنا وهناك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ»()، فيجب على الشعب السوريّ وعلى كافّة المجاهدين بل – وعلى الأمة بأسرها – حماية هذه التجربة المباركة، والسعي لترشيدها، والحيلولة دون إخفاقها بسبب من داخلها أو بسبب خارج عنها.

    وليست الأنظمة المجرمة المحاربة لله ورسوله والموالية للكيان الصهيونيّ في هذا الحقّ كالنظام السوريّ الجديد؛ إذْ لا يستوي من يسعى لتمكين الشريعة فيضطرّ للتدرج، ومن يحارب الشريعة ويضادها، فإنّ القاعدة العامّة في الشريعة أنّ: (الأمور بمقاصدها)، والمقاصد تعرف يقينًا بدلائل الواقع المشهود، فواقع هذه الأنظمة أنّها محاربة لله ورسوله ومشاققة لدينه وشرعه؛ فكيف تستوي مع الفئة المجاهدة التي كابدت وتعرضت مع الشعب السوريّ لبطش وإرهاب النظام السوريّ والقوى المجرمة التي جلبها من إيران وروسيا، وظلّت صامدة حتى تحقق لها النصر والفتح، في مشهد أسطوريّ لا يتحقق إلا لمن صدقوا ما عاهدوا الله عليه؟ كيف تستوي هذه الأنظمة المجرمة مع هذه الفئة المجاهدة الصابرة المحتسبة، لمجرد أنّها تتئد وتتريث لتبصر طريقها، وتتخلص من الفخاخ التي نصبت لها؟ كلّا والله لا يستويان.

    سادسًا:

    ويجب في المقابل على الحكومة السورية الجديدة وقيادتها أن يستشيروا، وأن يلتمسوا النصح من أهله، وأن يلينوا بأيدي الصادقين، وأن يصارحوا إخوانهم من المجاهدين، وأن يجتهدوا في إعطاء العلماء والدعاة والمصلحين دورهم في بناء الأمة، وأن يفسحوا المجال لبناء مؤسسات المجتمع؛ فإنّه ظهير للدولة ومقوم لها، وإنّ الدولة إذا تغولت على مؤسسات المجتمع أضعفته وفقدت بذلك ظهيرًا أمينًا، وعليهم ألَّا يقعوا في أخطاء استراتيجية تغتال مشروعهم الإسلاميّ وتعوق مسيرته، ولْيجعلوا التنازلات التي يضطرون إليها في مساحات لا تضرّ بالمشروع في المستقبل، كما يجب أن تكون الضرورة مقدرة بقدرها، فليس هناك – على سبيل المثال – ضرورة تلجئ الحكومة السورية إلى الدخول في العقد الإبراهيميّ المزعوم.

    سابعًا:

    للتدرج في إقامة النظام الإسلاميّ وتطبيق الشريعة تقنياتٌ تُيَسِّر الانطلاق المبكر، منها البدء بإقامة النظام الاجتماعي وبناء مؤسسات المجتمع المستقلة، ولاسيما العلمائية والتربوية والدعوية، والبدء بتطبيق أحكام العدالة الانتقالية الناجزة الصارمة، والشروع في تطبيق الأحكام المحققة للعدالة الاجتماعية.. والله أعلم.

    رأي الشرع حكم أحمد الشرع الشرعية الأصول

    مقالات