الخميس 9 مايو 2024 02:53 صـ 29 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    طوفان الأقصى ” اليوم ال 215 ”.. استمرار القصف وارتفاع عدد الشهداء واستمرار إغلاق معبري...فلسطين.. الاحتلال يسيطر على معبر رفح ويوقف دخول المساعدات الإنسانيةطوفان الأقصى ” اليوم ال 214 ”.. حماس توافق على مقترح وقف إطلاق النار والاحتلال...الفصل بين الدعوي والسياسي .. نقطة نظامالسودان .. تحذيرات من كارثة إنسانية متوقعة إذا حاول الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشرطوفان الأقصى ” اليوم ال 213 ”.. الاحتلال يكثف القصف على شرق رفح ويعمل...فقه الدعوة بين الصحابي أبي الدرداء والشيخ محمد الغزاليالسلطات الفرنسية تمنع رئيس جامعة غلاسكو من الدخول لأنه فلسطينيوزير خارجية الاحتلال يشكل ”فريق تركيا” لاتخاذ قرارات تضر بالاقتصاد التركينعم.. أخطأنا الطريق !  وعلى علمائنا تحمل المسؤولية طوفان الأقصى ” اليوم ال 209 ”.. الاحتلال يستمر في قصف المدنيين وعائلات الأسرى يتظاهرون...طوفان الأقصى ” اليوم ال 207 ” .. شهداء بقصف وسط القطاع وجنوبه وتكثيف مفاوضات...
    مقالات

    أصحاب الهمم العالية والمطالب الغالية 

    رابطة علماء أهل السنة

    أصحاب الهمم العالية والمطالب الغالية 

     عن ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ خادِمِ رَسُول الله ﷺ ، قَالَ : كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رسولِ الله ﷺ فآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ،
     فَقَالَ : سَلْنِي 
    فقُلْتُ : أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ . 
    فَقَالَ :أَوَ غَيرَ ذلِكَ
    قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، 
    قَالَ : فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ... رواه مسلمٌ في صحيحهِ.


    وقد جاء الحديث أيضا مطولاً عند الإمام أحمد في المُسندِ ، عن ربيعة بن كعب -- رضي الله عنه -- قال: كنتُ أَخدُم رسولَ -- صلى الله عليه وسلم -- وأقومُ له في حوائِجهِ نهاري أَجمع ، حتى يُصلي رسولُ الله --  صلى الله عليه وسلم -- العِشاء الآخرة ، فأجلسُ ببابهِ ! إذا دخل بيته ، أقول : لعلها أن تَحدثَ لرسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- حاجة ، فما أزال أسمعه يقول : سبحان الله ! سبحان الله ! سبحان الله ! وبحمده حتى أمل ، فأرجع أوتَغلِبني عَيْنَي فأرقد ، قال : فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه : " سلني يا ربيعة أعطك " قال : فقلت : أنظرُ في أمري يا رسول الله ، ثم أُعلِمك ذلك؟ قال : ففكرتُ في نفسي فعرفتُ أن الدنيا منقطِعةٌ زائلةٌ ، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني ، قال : فقلت : اسألُ رسولَ الله -- صلى الله عليه وسلم -- لآخرتي فإنّه من الله -- عز وجل – بالمنزِل الذي هو به ، قال : فجئتُ فقال : " ما فعلت يا ربيعة ؟ " قال : فقلت: نعم يا رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- أسألُك أن تشفعَ لي إلى ربك ؛ فيعتقني من النار ، قال : فقال : " من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال : فقلت : لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحدٌ ولكنّك لمَّا قلتَ : سلني أُعطِك وكنتَ من اللهِ بالمنزلِ الذي أنت به ، نظرتُ في أمري وعرفتُ أن الدنيا منقطعةٌ وزائلة ، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي ، قال : فصَمَتَ رسولُ الله -- صلى الله عليه وسلم -- طويلاً ، ثم قال لي : " إني فاعل ، فأعنِّي على نفسِك بكثرةِ السجودِ ".

    راوي الحديث  : الصحابيُ الجليلُ ربيعةُ بن كعبٍ الأسْلَمِي وكُنيتُه أبو فِراس ، وهو أحد خُدَّام النبي -- صلى الله عليه وسلم -- وكان من أهلِ الصُفة ، وهم : مجموعة من فقراءِ المسلمين المهاجرين وغيرهِم ، الذين يأَتُون من القبائلِ المُختلفةِ كغِفَارٍ وجُهَيْنَة وقُريش وغيرها ، فيُهاجرون بدِينهم ، ولم يكن لهم محلٌ ولاسَكنٌ يأْوُون إليه ، ولربما ليس للواحد منهم إلا لباسٌ يستره ، ولايملك شيئا من حطامِ الدنيا ، فجلسوا في المسجد للعبادةِ والتَعلمِ وانتظارِ أمرِ الندبِ للجهادِ والغزوِ ، وكان كلُ من يأْوِّي إلى هذهِ الصُفةِ ، أو تلك المجموعة يُعَدُ من أهلها.


    وكان ربيعة -- رضي الله عنه -- أحد هؤلاء ، وكان يحرصُ أيضاً على خدمة رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- في السفرِ والحَضرِ ، ومعلومٌ أنّ بعض الصحابة الكرام كان : يَختَصُ بنوع من الخدمة لرسول الله --  صلى الله عليه وسلم -- كعبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، مثلا كان لسواكه ونعله وطهوره ، يعني : كان يهتمُ بإعدادِ وتهيئةِ هذه الأشياء للنبي -- صلى الله عليه وسلم -- السواك والنعلُ والماء الذي يتوضأ به النبي -- صلى الله عليه وسلم -- ومن الصحابة الكرام --  رضوان الله عليهم جميعا --  من كان يحرصُ على خدمةِ النبي -- صلى الله عليه وسلم -- في كلِ مايحتاجُ إليه كأنسٍ وغيرهِ.


    ولم يكن ربيعة الأسلمي من المُكْثِرين لروايةِ الحديثِ عن النبي -- صلى الله عليه وسلم -- ولم يُعْلَم له على المشهور إلا أربعة أحاديث فقط ، ومن العلماء من عَدَّه فيمن روى عن النبي -- صلى الله عليه وسلم -- اثْنَي عشر حديثا ، المهم والمقصود : أنّه كان مُقِلاً من الروايةِ عن رسول الله -- صلى الله عليه وسلم --
    تُوفِي -- رضي الله عنه -- بعد الحِرّة سنة ثلاث وستين من الهجرة . 


    يقول -- رضي الله عنه -- : كنتُ أبِيتُ مع النبي -- صلى الله عليه وسلم -- فآتيه بوَضُوئِه يعني : يُجَهِزُ الماءَ الذي يَتوضأ به فلفظ الوَضُوء بفتح الواو يعني : الماء الذي يُتَوضأ به ، وبضمها يعني : فعل الوضوء نفسه . 
    وقوله : أنه كان يَبِيتُ مع النبي -- صلى الله عليه وسلم -- لا يعني أنّهُ يَبِيتُ معهُ في حُجرته ، إِنّما كان يبِيتُ على بابهِ بحيث يكون قريبا من بيته وحجرته حتى يَسْهُل عليه الأمر ، ويُسرِع في خدمته -- صلى الله عليه وسلم -- 
    يقول : فآتيه بوَضُوئه وحاجتِه فقال : (سَلْنِي) يعني : اطلب مني شيئا أُكافِئك به ، فمعلومٌ أن رسول الله العظيم ونبيه الكريم -- صلى الله عليه وسلم -- أكرم الخلق جميعا ، وأجودَهم وأكثرَهم عطاءً ومُكافأةً على المعروفِ وهذا الرجل ربيعة - رضي الله عنه - يقومُ على خدمتهِ ومُعاونتهِ ، فأراد -- صلى الله عليه وسلم -- أن يَجْزِيه بالإحسانِ إحساناً وأن يُكرِمَه ويُكافِأه ويُحسنَ إليهِ ، أليس هو القائل -- بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم --  : ( من أسدى اليكم معروفا فكافِؤه فإن لم تجدوا ماتكافؤوه فادعو له ) ؟!!!


    يقول ربيعة : فقلت : "أسألك مُرافقتَك في الجنةِ " سبحان الله العظيم ! هذا الرجل قويُ الإيمانِ ، ثاقبُ النظرِ ، عميقُ الفكرِ ، عالي الهمة ، حريصٌ على الخيرِ ، مشتاقٌ إلى الجنةِ ، وراغبٌ في الدرجات العلا ورُفقة النبي -- صلى الله عليه وسلم -- وماأعظمها من مَطالب وأماني ورغبات ، وشتانَ بين صاحبِ هذه الهمة العالية العظيمة ، وبين غيرهِ ممن يَتطلعون إلى حُطامِ الدنيا ، ويطلبون متاعها الفاني ، فقد حَدَث : أن سأل النبيُ -- صلى الله عليه وسلم -- غيرَ ربيعة نفس السؤال ، فكانت الإِجابةُ وكان الطلبُ شيئاً تافِهاً من متاع الدنيا -- بعيراً أو مالاً أو بيتاً أو نحوِ ذلك -- ،
    إنّهُ التفاوتُ في درجاتِ الإيمانِ وعُلُوِّ الهمّةِ ، وفهمِ الحقيقةِ بين البشر .


    وقد حَدَث فيمن قبلنا -- كما جاء في الحديثِ الذي خَرّجه الحاكمُ في المستدركِ وابنُ حِبانٍ في صحيحهِ --  : أخبر النبيُ -- صلى الله عليه وسلم -- عن عجوزِ بني إسرائيل ، وذلك أنّ يوسف -- صلى الله عليه وسلم -- مات بأرضِ مصر ، وكان قد أَوْصَى أن يُنقلَ إلى الأرض المُقدسة -- في فلسطين -- فلما كان زمن موسى -- صلى الله عليه وسلم -- وهي مدة طويلة من الزمن بين  يوسف وموسى عليهما السلام  -- ومعلومٌ أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض ، فسأَل عن موضع قبرِ يوسف -- صلى الله عليه وسلم -- فما وجدوا خَبَرَه إلا عند امرأةٍ عجوزٍ من بني إسرائيل ،  فأَبَت أن تُخبر موسى --  صلى الله عليه وسلم -- إلا أن يدعوَ الله لها أن تكونَ رفيقتَه في الجنة ، ثم دلَّتهم بعد ذلك على القبر ، وكان في مكانٍ اجتمع فيه الماءُ فنزحُوه فوجدوا قبرَ يوسف -- صلى الله عليه وسلم -- 


    فهذه أيضا امرأةٌ صاحبةُ همةٍ عاليةٍ ، وهذا الصحابيُ الجليلُ ربيعة لم يقلْ : أريدُ جَمَلاً ولامالاً ولابيتاً أو متاعاً أو نحو ذلك ، وإنّما قال : أريدُ مُرافقتَك في الجَنّة ، وهذا هو الفهم العميقُ والوَعي الكاملُ الصحيحُ للدنيا والآخرة ، وهذه هي قمةُ الإيمانِ وقوةُ الصلةِ باللهِ -- عزوجل -- لأنَّ الجنةَ هي غايةُ مايرجوه المسلمُ ويُؤَمِل فيه ، فهي دار كرامةِ اللهِ -- عزوجل -- لعبادهِ المؤمنين ، وهي دارُ السلام ودارُ النعيمِ ، وهي الحُسنى التي أَعدَّها الله -- عزوجل -- وهَيأَها للمحسنين ، كما قال سبحانه : (وتعالى  للذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) فالحُسنى هي الجنة ، والزيادةُ هي النظرُ إلى وجه الله الكريم .


    والنبي -- صلى الله عليه  وسلم -- يقول : (إذا سألتمُ اللهَ الجنة فاسأَلُوه الفردوسَ الأعلى ، فإنّه أعلى الجنة وسقفُها عرشُ الرحمن ، ومنه تُفجَّرُ أنهارُ الجنةِ) . ولذلك ينبغي أن تَعلُوَ همةُ المسلمِ دائماً ولاتَدْنُوا وتَهبِط أبداً ، حتى في الدُعاءِ ، فعطاءُ اللهِ -- عزوجل -- واسعٌ ،  وخيرُه كثيرٌ ، وفضلهُ عميمٌ ، فهو يُعطي عطاءً بلا حدودٍ ، فلا تُثقِلهُ المطالبُ ، ولايُتعِبهُ أمرٌ ولايَعجزُ عن شئٍ -- حاشاه -- ، ولذلك نعجبُ لبعض البسطاءِ والعجائزِ -- الذين يحتاجون إلى تعليمٍ وتفهيمٍ --  حينما يَدْعُون اللهَ -- عزوجل -- بدَعَواتٍ عجيبةٍ وبسيطةٍ فيقولُ أحدهم مثلا :  اللهم أَدخِلني الجنَّة واجعلني ولو خلفَ البابِ ، وآخرٌ يقول : أَعطني في الجنّة ولو ثقب إبرةٍ ، وطبعا موضِع ثقبَ الإبرةِ في الجنة شئٌ عظيمٌ ، لكن لاينبغي أبداً أن يكونَ طلبُ الجنة من الله -- عزوجل -- هكذا فالله عظيم وعظمته لاتدانيها عظمة ، ولايَتعاظم شئ أمام قدرته وعطائه ، -- سبحانه وتعالى -- ولذلك وجب على المسلمِ أن يسألَ ربَهُ من فضلهِ الواسع ، ويُعْلي الطلب لأن المُعطي غنيٌ قادر وجوادٌ كريمٌ.


    ولما طلب ربيعة الأسلمي هذا الطلب -- وهو مرافقةُ النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة -- قال له -- صلى الله عليه وسلم -- : (أو غير ذلك ؟)  يعني : ما تطلب شيئا آخر غير هذا المطلب؟ يقول : قلتُ : هو ذاك . يعني : ليس لي مطلوب آخر . فقال له النبي -- صلى الله عليه وسلم  -- : (فأَعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السجودِ) فأرشده الحبيب المصطفى -- صلى الله عليه وسلم -- إلى أحدِ الأسباب المهمة والقوية لتحقيق هذا المطلب ، وهو كثرةُ السجود ، وهذا يعني : كثرةُ الصلاةِ بالليل والنهار لأن السجودَ إمّا أن يكونَ في الصلاةِ ، أو خارجها مثل سجود التلاوة وسجود الشكر ، ولكن هذا يحدث قليلا ، لأنه إنما يوجد مع وجود سببه ، وأما قصده -- صلى الله عليه وسلم -- بكثرة السجود : فهو أن يكثر الإنسان من الصلاة وخصَ السجودَ بالذكرِ لأنه من أعظم أركان الصلاة ، ويكونُ الإنسان فيه قريباً من ربهِ -- عزوجل-- 


    ولذا اختلف العلماء أيهما أفضل في أركان الصلاة طول القيام أم كثرة السجود؟ فمن أخذ بهذا الحديث قال : كثرة السجود أفضل ، ومعناه : أننا نصلي ركعاتٍ كثيرة في اليوم والليلةِ فنقرأُ قراءةً يسيرةً في القيامِ ونُصَلي مثلا ثلاثين ركعة أو خمسين أو حتى مائة في اليوم والليلة ، وتكون القراءة قصيرةً لكن السجود كثيرٌ ؛ لأنه  في كل ركعة بها سجدتان ، فهذا له مزية وعليه دل الحديث. 


    وكذلك أيضا القيام والركوع هو أنشط للمصلي ويطرد عنه النوم ، 


    ولكن كثرةَ طولِ القيام فيه معنىً آخر ، وهو أن النبي -- صلى الله عليه وسلم -- قال : أفضل طول القنوت يعني طول القيام أفضل الصلاة طول القيام يعني : فهذا أدعى للتدبرِ في القراءةِ وكان النبي -- صلى الله عليه وسلم -- يطيل القراءة خاصة إذا صلى وحده ، أو صلى خلفه من يتحملون ويعلمون أنه سيطيلُ بهم  القراءة فقد ورد أن النبي -- صلى الله عليه وسلم --  كان يقرأ في ركعة واحدة البقرة وآل عمران والنساء ، وعلى كلٍ فطول القيام له مِزية ، وكثرة السجود له مِزية كذلك ، ولذلك توسط العلماء في المسألة فقال بعضهم : لكل فضيلة . فإذا أمكن أن يفعل المسلم ما كان يعمله النبي -- صلى الله عليه وسلم -- فهو الأكملُ فقد كان يصلي إحدى عشرة ركعة لكنها طويلة إلى حد ما ، وليس التطويل قراءة صفحةٍ أو نصف ، وإنما أكثر من ذلك ؛ لأن البعض يعتبرُ التطويل هكذا قراءة ربعٍ أو نصفَ ربعٍ في الركعة الواحدة ، نقول لهؤلاء : هذا تطويل زماننا أما في زمن النبي -- صلى الله عليه وسلم -- والصحابة الكرام فكان تطويلهم أكثر من ذلك ، خاصة في صلاة الليل والقيام نسأل الله -- عزوجل -- أن يغفر لنا عجزنا وضَعفنا وتقصيرنا. 


    هذا وقد ورد أيضا : حديث آخر في صحيح مسلم في نفس المعنى وهو حديث ثوبان -- رضي الله عنه -- وهو مولى رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- والذي كان أصلُه من اليمن أو من أرض يقال لها السُراة بين مكة واليمن ، وكان قد سُبِيَ وجِئ به في السبي ، فاشتراه النبي -- صلى الله عليه وسلم -- وأعتقه وكان يخدم النبي -- صلى الله عليه وسلم -- وتوفي -- رضي الله عنه -- بالشام زمن معاوية .
    يقول : سمعت النبي -- صلى الله عليه وسلم -- يقول : (عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحَطَّ عنك بها خطيئة) .


    ودرجاتُ الجنةِ لا يُقادرُ قَدْرُها ، ولا يمكن أن ندرك حدها ، فقد أخبر النبي -- صلى الله عليه وسلم -- عن تفاوتِ أهل الجنة في عُلوِ الدرجات بأمر لايخطر على بال ، فهم يتراءون في الدرجات العلا كما نتراءى نحن الكوكب الغابر في الأُفق . 


    فحديث ربيعة وثوبان كلاهما يدل على :  أن السجودَ فيه مزيدٌ من القُرب من اللهِ -- عزوجل -- فكلما ازداد الإنسان سجودا ازداد لله قربا قربا ، ومن أراد حَطَّ الخطايا وغفران الذنوب ، فعليه كذلك بكثرةِ الصلاة والسجود ،
    وذكر الإمامُ النّوَوِي -- رحمه الله -- في شرحه : أنّ فيه الحث على كثرة السجود والترغيب فيه.


    وينبغي أن يُفهم قوله -- صلى الله عليه وسلم -- : كثرة السجود في إطارِ القاعدةِ التي تُبين كثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في ترتيب الأجور على الأعمال ، بمعنى : أنّ من زاد في أعماله زاد الله في حسناته ، ومن نقصَ نال من الأجرِ على قَدْرِ  الأعمال التي قام بها ، فمن يستكثر فالله -- عزوجل -- يُكثِر له الخير والثواب ، كما قال أحد الصحابة الكرام للنبي -- صلى الله عليه وسلم -- : إذاً نكثر . فقال  صلى الله عليه وسلم : الله أكثر .


    يفيدُ الحديثُ كذلك : أنه  كلما كثر السجود تكون فرصةَ مرافقة النبي -- صلى الله عليه وسلم -- أكبر وأعظم وآكد ومدتها أطول ، 
    فكثرة السجود تجلب كرامةَ مرافقة النبي -- صلى الله عليه وسلم -- ومُلازمته في الجنة والتي هي درجات بحسب كثرة العمل وإتقانه وإخلاصه. 
    يُبين الحديثُ كذلك أنه لا حد للركعات التي يتطوع بها الإنسان من النوافل المطلقة في ليلٍ أو نهارٍ ، فكلما كان السجودُ أكثر كانت المرافقة والإجابة أقرب.


    وينبغي على  الإنسان أن تكون همته عالية ، وأن يكون همُّهُ هم الآخرة ، بأن تكون رِجْلُه في الثَرى وهِمَّته في الثُريا ، وأن يكونَ ذا عزمٍ أكيدٍ وبأسٍ شديدٍ ، والتزامٍ حميدٍ  بدين الله -- عزوجل -- فلا  يَخمُل ويتكاسل ولايلين ولايَحيد .


    فهذا الصحابي الجليل ربيعة -- رضي الله عنه -- علم أن الدنيا منقطعةٌ زائلةٌ ، وأنها لاتساوي شيئا ، وأن نفساً لن تموت حتى تَستوفِيَ رزقها وأجلها ، فما كان من ربيعة إلا أن سأل رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- أن يحققَ له ذلك الهدف النبيل والغاية المحمودة والتي كان يسعى دائما لتحقيقها ، وهي : مرافقة النبي -- صلى الله عليه وسلم -- وأنِعم بها من رُفقة وأنعم بهم من رِفاق.


    وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) النساء 


    إنه حقا طلبٌ غالٍ وهدفٌ عظيمٌ ، لايسعى إلى تحقيقه إلا أصحاب الهمم العالية ، والنفوس الزكية ، والقلوب الطيبة المطمئنة الذين باعوا أنفسهم لله - عزوجل --


    يفيد الحديث أيضا أن السجود سمةٌ من سمات الصالحين ، فالله -- سبحانه وتعالى -- وصفهم بقوله : ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود . 


    نفهم  كذلك أن الجنة تحتاج إلى كثرة العبادة ومجاهدة النفس على شهواتها وملذاتها ، وتَذَكُر الآخرةِ دَوماً ، وأن الإنسان راحلٌ عن الدنيا ومقبلٌ على ربه -- عزوجل --


    والسجود يُذَكِر العبدَ بالبدايةِ والنهايةِ ، ففيه التصاق بالأرض وتمريغٌ  الوجه في التراب ، فيتذكُر الإنسانُ أصلَ خِلقَتِه ، فهو من التراب وإلى الترابِ يعود . 


    نسألُ الله -- عزوجل -- أن يُعِيننا على ذكره وشكره ، وحسن عبادته ، وأن يوفقنا لمَرْضاته ، ويرزقنا صحبةَ ومرافقةَ  النبيِ الأعظمِ والرسولِ الأكرم ، في جناته جنات النعيم . 


    الراجي عفو ربه 
    فايز النوبي.

    أصحاب الهمم العالية المطالب الغالية 

    مقالات