السبت 20 أبريل 2024 11:49 صـ 11 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    علّمني المونديال

    رابطة علماء أهل السنة

    رغم أني أمسكت عن الكتابة أو التعليق على أي شيء يخص مونديال كأس العالم لأسباب خاصة، فإن نهايته حفزتني أن أكتب خواطري، ومن غير المنطقي أن نكون بمعزل عن واقعنا، توافقنا معه أو اختلفنا، وإن كانت تلك الخواطر حاضرة في كل مونديال إلا أنها في حالتنا هذه أكثر وضوحا وأقرب فهما.

    وحقيقة، لقد تعلمت من هذا المونديال الكثير مما نحن بحاجة إليه على كل المستويات، وأسوق بعضا مما يتيسر منه:
    في تواصل مع كثير من الأجناس والأعراق والبيئات وجدت قاسما مشتركا يجمعهم، فأكثرهم -رغم تنوع ثقافاتهم واهتماماتهم ومشاكلهم- يُبدون قدرا مشتركا من الاهتمام والمتابعة لكأس العالم، فأدركت أن غياب القضايا الكلية أحد أبرز أساب تفرّق أمتنا، وأن من وسائل النهوض إيجاد قضية جامعة تلتف الشعوب حولها وتتفاعل مع تداعياتها.
    وجدت أن التحديات والمعوقات ليست شرّا كلها، ولكن يمكن أن تكون دافعا للنجاح، وقوة معينة على النهوض، فقد وُضعت أمام دولة قطر من العقبات والتحديات ما لم يخطر ببال أحد، ولكنها تعالت عليها جميعا، وانتصرت عليها كلها انتصارا كاسحا، فكان للنجاح طعم آخر ومذاق مختلف.
    تعلمت أن التأخر الحضاري ليس قدرنا المحتوم، بل يمكننا أن نكون قدر النجاح والتفوق، بالاجتهاد والبذل، فنتحول من التبعية إلى الريادة، ومن عقدة النقص إلى عزة التميز.
    تعلمت أن العالم يحترم من يتمسك بهويته ويقدّره لاعتزازه بها حتى وإن خالفه الرأي، ويحتقر من يتنازل عن هويته وإن أبدى له صورا زائفة من الإعجاب.
    رأيت أن جمهور الأمة متعطش إلى نصر مهما كان صغيرا، ومتطلع إلى نجاح أيّا كان صاحبه، وأن الانتماء إلى الأمة بهويتها ما زال في النفوس حاضرا زاهيا متالقا رغم كل محاولات التفتيت والتفريق.


    حصاد لجهد طويل

    تعلمت ان المباراة حصاد لجهد طويل، ونتيجة لتدريبات شاقة، وخطط علمية دقيقة، ومعرفة عميقة بطبيعة المنافس، وإحاطة بمراكز قوته ومواطن ضعفه، وكيفية هزيمته، فلا مفاجأة بإمكاناته ولا صدمة من قدراته، فقد أعدوا لكل ميدان رجاله، ولكل موقع جنوده.
    تعلمت من المونديال أن التخصص من أبرز معالم النجاح، فالمدرب لا ينزل إلى ساحة الملعب بغية إحراز هدف، ولا الحارس ينشغل بالتدريب، ولا الفريق ينشغل بأعمال ومهام خارج ساحة الملعب، ولا فوز بدون قائد مُلهم، ولا انتصار بدون مهاجم أريب.
    تعلمت أن الفريق المدافع لن يفوز دون أن يكون عنده خط هجوم، ولا نجاح لهما بدون حارس أمين، وكلاهما في حاجة ماسّة إلى خط وسط يكون حصنا للأمان، ومصدرا للدعم، وحماية للتماسك والاتزان.
    تعلمت من الجماهير كيف يكون صدق الانتماء، فمن يشجع فريقا تراه محيطا بنجومه وتاريخهم، متابعا لمسيرتهم، يعرف نقاط قوة فريقه، ويعتز بزيه، ويرفع شعاره، في الوقت الذي رأيت فيه حشودا من المنتسبين إلى الإسلام يفرّطون في فرائضه، ويجهلون سننه، ولا يعلمون شيئا عن تاريخ رواده من الصحابة الكرام، والتابعين لهم بإحسان، ولا عن العلماء والفقهاء والمصلحين، بل إنهم يتجاهلون ما يقع عليهم من ظلم، وما يتعرضون له من طغيان واستبداد!


    الهزيمة ليست نهاية العالم

    تعلمت أن التنافس لن يصلح بدون جمهور، فهو من يرفع الهمم، ويقوي الأداء، وينفخ في فريقه روحا وثابة يتخطى بها العقبات، ويحقق بها البطولات، ففي الهزيمة يدعم فريقه للتعويض ويقاوم اليأس، وفي النصر يجعل للفوز قيمه بفرحته الغامرة وسعادته البالغة.
    تعلمت كذلك أن الهزيمة لا تعني نهاية العالم فتلك طبيعة الصراع، ولكن على المهزوم أن يدرس أسباب إخفاقه دون تدليس، وأن يعترف بالأخطاء دون تبرير، وأن يُعِد العدّة للقاءات قادمة بأدوات ومنهجية وطرق مختلفة، فمن يتعلم من هزيمة اليوم يمكن أن يكون الفائز غدا.
    تعلمت أن نجاح المدرب يُقاس بإنجازه وليس باسمه أو تاريخه أو سابق تضحياته، فإذا خسر الفريق فإنه سرعان ما يعتذر للمدرب أو ينهي عقده بصرف النظر عن اسمه ومكانته، وما رأيت أحدا يسمي الفشل نصرا غيرنا، ويأنف أن يعترف بمسؤوليته عن خسارة صراع، أو سوء إدارة فريق، بل إننا رغم فشل المدربين نزداد تمسكا بهم، ولو أدى الأمر إلى تغيير اللاعبين والنادي والجمهور!! بل يمكن أن نستغني عن الأشبال المميزين والنجوم الواعدين مِن أجل مَن لم يحرزوا هدفا إلا في أنفسهم، ولم يشنوا هجوما كاسحا إلا على من ينتقدهم، ولم يكونوا أسودا مغاوير إلا على أهلهم!!


    أخيرا أقول:

    لا قيمة للأهداف بعد صافرة النهاية، وأخطاء الخصم لا تهب لك الفوز ما لم تكن مستعدا، والوقت ليس جزءا من العلاج في كل الأحوال، بل ربما يكون سببا لتفاقم الهزائم، والاغترار بالتاريخ الناصع أو النيات الصادقة لا يحقق بطولة، واللعب بالجرحى والمصابين جريمة لا تُغتفر، وعدم إدراك طبيعة الخصم بلاهة.

    علمني المونديال نصر هزيمة الأرجنتين كأس العالم الهوية قطر

    مقالات