الإثنين 15 سبتمبر 2025 08:59 صـ 22 ربيع أول 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    إلى أي مستوى يصل التقارب الروسي الأمريكي؟

    رابطة علماء أهل السنة

    ليس من قبيل الترف الإعلامي والرفاهية الفكرية أن يسأل المسلم أو المواطن في منطقتنا العربية والإسلامية عن المصير الذي سيؤول إليه الصراع في أوكرانيا؛ فلم تعد الأحداث الكبرى -بل لم تكن في يوم من الأيام- متمايزة ومتحاجزة إلى حدّ انعدام التأثير المتبادل بينها، وهل -على سبيل المثال- يملك أحد أن يتجاهل أثر الغرق الروسي في مستنقع أوكرانيا على مسار الثورة السورية؟ وإذا ما نجحت روسيا في تخليص أقدامها من ذلك الفخّ على أيّ نحو من الأنحاء؛ فهل يملك أحد من المتابعين أن يحدّ من سيل الهواجس التي تهجم على القلب؛ مُنذرةً بتمدد الطموح التوسعي للدبّ الروسي؟ ولو وقع -لا قدّر الله- قَدْر من التفاهم والانسجام بين التوجهات الأمريكية والأحلام الروسية؛ فما الذي يعصم أهل الأرض وقتئذٍ من فتنة تقاسم الهيمنة، بين قطبين يسعى أحدهما لاستدامة القمة، ويسعى الآخر لاستلابها أو تقاسمها، عبر مراهنات تدور رحاها فوق رؤوس الأمم المستضعفة، التي تتبوأ منطقتُنا سويداء القلب منها؟

    انعكاس الواقع على الساحة الأوكرانية ودلالاته

    ربما -وبغض النظر عمّا نُسب لترامب سابقا من اتهامات بهذا الصدد- يتجلى التقارب الروسي الأمريكي تحت مظلة الرئاسة الحالية لأمريكا في النظر إلى واقع ومستقبل الحرب الأوكرانية، فإذا كان (بايدن) هو من أشعل من وراء الجدار فتيلها، فإنّ خَلَفَهُ (ترامب) يسعى لإطفاء حريقها وإخماد جذوتها، لكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من محاولات دونالد ترامب عقد مفاوضات مباشرة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي؛ فإنّ تدهور الأوضاع على الساحة الأوكرانية في ازدياد مستمر، فقد شنت روسيا مساء السبت الماضي أكبر هجوم بالطائرات المسيرة على أوكرانيا؛ مما أدى لاشتعال النيران بمقر الحكومة في العاصمة كييف، وخلّف أعدادا من القتلى والجرحى، بينما -في المقابل- استهدفت مسيّرات أوكرانية منشآت للطاقة في روسيا؛ فهل هذا محض تعثُّر وانكفاء؟ أم إنّه الحرث في الماء؟

    مؤتمرات تمهد الطريق نحو تعددية قطبية

    على حين غفلة من الأحلام الترامبية عُقدت قمة شنغهاي، ولمع في سمائها ثلاثة نجوم تستمدّ بريقها من التقارب الثلاثيّ الطموح: الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) والرئيس الصيني (شي جين بينغ) ورئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي)، وقد تمخضت القمة عن منظمة تضم في عضويتها: الصين وروسيا والهند وباكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وإيران، كما تضم أربع دول مراقبة: أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا وسريلانكا، إضافة إلى ست دول التحقت بها كشركاء حوار: أذربيجان، وألبانيا وكمبوديا ونيبال وقطر وتركيا، فإذا كنّا نتوقع بغلبة الظنّ تكاملا واندماجًا بين منظمة شنغهاي للتعاون وتكتل البريكس الذي يمثل محورا قويًّا للدول الآسيوية؛ فإنّنا سنكون حتما أمام تكتل تطيش أمامه التكتلات الأخرى ولا سيما بعد ظهور الخروقات في العلاقات الأوروبية الأمريكية.
    إن مجرد قيام شراكة بين الصين والهند وروسيا -وهي ثلاث قوى نووية تضم بين جوانحها قرابة ثلث سكان العالم- كفيلة بإحداث تغييرات كبيرة في النظام العالميّ، فكيف إذا أضيف إليها دول تبرز في مجال الطاقة، تبرز كلاعبين رئيسيين في السوق العالمي، كإيران وكازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان وقطر، أما إن نظرنا إليها عسكريا فإنّ روسيا والصين وباكستان وتركيا تُعَدُّ من بين أقوى الدول على المستوى العالميّ؛ فهل يسوغ -حيال هذا التوجه القويّ في الشرق- أن نطلق للخيال العنان ليبني جبالا من الأوهام فوق أطلال قمة ألاسكا التي خرج منها بوتين رابحا؛ ونقول إنّ طريق السلام في أوكرانيا قد بات مفتوحا، وما على أوروبا إلا أن تمضي طوعا أو كرها خلف الزعيمتين أمريكا وروسيا؛ لتعود من جديد حالة الوفاق الباهتة التي أعقبت الحرب الباردة وفتحت أمام أمريكا الطريق نحو الانفراد بالقمة؟ وهل نتوقع من أوروبا على ضعفها عسكريّا أن تستسلم لما يجري؛ فتعكس على أرض الواقع صورة زعمائها وهم جلوس أمام ترامب صفّا واحدا، كأنّه استدعاء لمشهد الإمبراطور الروماني وهو مجتمع مع زعماء الأمصار؟ أم إنّها لحظة غبيّة تنبئ عن انفراط عقد الغرب؛ لينفسح الطريق أمام تعددية قطبية تنتظرها الكافّة؟

    وللسنن الإلهية كلمتها

    ثَمَّت قوانين صارمة لا تتغير ولا تتبدل تحكم العمران البشريّ، سنن إلهية ماضية تتسم بالمضاء والحيادية والعدل، وتتميز باستعصائها على التحول والتبدل: (وَلَنْ ‌تَجِدَ ‌لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)، وقد اختصّت أمّة أهل الكتاب -التي تشمل الجناحين المتنافرين أبدا الأرثوذكس الذي تتزعمه روسيا والبروتستنت الذي تتزعمه أمريكا- اختصَّتْ بسنة من هذه السنن الإلهية الماضية، قال تعالى: (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)، وإنّ الفترة التي عاشتها أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة لم تكن سوى هدنة بسيطة؛ لتعود العداوة والبغضاء التي كُتبت عليهم إلى يوم القيامة؛ حسب هذه السنّة الإلهية الجارية فيهم، ولعل الأمر الذي جعلنا نغفل عن هذه السنة هو نسياننا لتلك الأهوال التي عاشتها أوروبا في تاريخها المديد غير المجيد، ففي العصر الحديث -فقط- دارت رحى الحرب الكبرى مرتين بين أقطاب أوربية دينها واحد، وحصدت الملايين من أبناء البشر من قلب القارة الأوروبية ومن غيرها، ممن لا ذنب لهم إلا أنّهم يعيشون تحت مظلة أنظمة مجرمة؛ قادت العالم -ولا تزال- إلى الدمار والخراب، هذا بخلاف حرب السنوات السبع (1756-1763)، وقبلها حرب السنوات التسع (1688-1697)، وقبلهما حرب الثلاثين عاما (1618-1648)، وبخلاف الحروب الدينية الكاثوليكية البروستانتينية، والحروب الأهلية إبان الثورات الكبرى، وغير ذلك من الحروب الجهنمية التي دارت رحاها على الساحة الأوروبية قبل غيرها من الساحات، إنّ هذا كله لدليل على أنّ السعي الذي يسعاه ترامب سعي غير مبارك وغير موفق، ومن المرجح ألا تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية -أو بالأحرى الأوروبية- ولو فرض أنّ الحرب توقفت في أوكرانيا مؤقتا فمن المرجح أن تعود للاشتعال في أقرب وقت، لأنّ صمود الحكمة السياسية مع اضطراب حدود الجيو سياسي والجيو استراتيجي أمر غير ممكن في الواقع البشريّ.. والله أعلم

    التقارب الروسي الأمريكي السنن الإلهية الصصين تركيا الهند

    مقالات