الأحد 21 ديسمبر 2025 01:10 صـ 29 جمادى آخر 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة

    رابطة علماء أهل السنة

    يقوم منهج أهل السنة والجماعة في الدعوة إلى الله تعالى على الأصول المستمدة من الكتاب والسنة، ويحقق فيها توحيد الله تعالى أساسًا ومنطلقًا يهدف إلى إخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل إلى نور الإيمان بالله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه.
    ويعتمد أهل السنة والجماعة على العلم والحكمة والموعظة الحسنة، وعدم التعصب للآراء الاجتهادية ويقرّون مبدأ الاختلاف المعتبر في الفروع

    الاعتماد على الكتاب والسنة
    المنهج بأكمله مستمد من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وهما المرجعان الأساسيان في كل شيء، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: {تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه}

    الدعوة للتوحيد
    أول ما يجب على الداعية هو الدعوة إلى توحيد العبادة لله، وهو أساس الدين، وقد أمر الله سبحانه وتعالي به جميع الرسل وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا عند بعثه لليمن.


    الدعوة بالعلم والبصيرة
    إن الدعوة لا تقوم إلا على العلم والمعرفة بأصول الدين وفروعه، لأن الدعوة بغير علم دعوة فاسدة وباطلة.

    ‎تقوم الدعوة عند أهل السنة على الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.


    أولاً: الاعتماد في المنهج على الكتاب والسنة
    إن مما يميز منهج أهل السنة والجماعة هو اعتماده على الكتاب والسنة في كل شيء، اتباعا واستدلالاً واجتهادا واستنباطا، ومن أراد أن يعرف صحيح المنهج من سقيمه؛ فلينظر إلى محلها وموقعها من الكتاب والسنة بُعدًا أو قرُبًا، ففي الاعتصام بالكتاب والسنة حصنٌ حصين والركن الواقي من كل انحراف وكل زيغ وزيف.
    إن الاستدلال بالكتاب والسنة والتحاكم إليهما منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين، وكل دعوة أو منهج قام على غير الكتاب أو السنة فهو منهجٌ منحرف مرفوض من أهل السنة والجماعة، ممن كان ومهما كان جهد أصحابه، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾(1)، وقال الحق سبحانه: ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(2)، وقال الله تعالى: ﴿ثمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾، وقال ﷺ: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)( 4).

    ثانيًا: التركيز على المحكمات لا المتشابهات
    من المعلوم أن في القرآن الكريم من الآيات ما هو محكَمٌ وما هو متشابه، (والمحكَم منه ما دل عليه نصٌّ محكم قطعي الثبوت قطعي الدلالة، والمتشابه ما كان ظنيَّ الدلالة أو أشكل معناه، ولم يتبين مغزاه) (5)، ومنهج أهل السنة في الإيمان بالمحكم والمتشابه أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، عملاً بقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾(6)، قال ابن كثير في تفسيره: (تَتَالَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ آيَات مُحْكَمَات، هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، أَي: بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتُ الدلالة لا التباس فيها على أحد، وَمِنْهُ آيَاتٌ أُخَرُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ، فَمَنْ رد ما اشتبه إِلَى الْوَاضِحِ مِنْهُ وَحَكَّمَ مُحْكَمَهُ عَلَى مُتَشَابِهِهِ عِنْدَهُ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ عَكَسَ انْعَكَسَ) (7).
    وإن من مسلك أهل الزيغ ومن تبعهم من أهل الباطل أنهم يبحثون عن المتشابه ابتغاء الفتنة والتشويش على الناس، وهذا المسلك ليس مسلك أهل الحق وليس منهجا ولا طريقة لأهل الإيمان الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة، والله المستعان.


    ثالثا: التدرج وترتب الأولويات
    لقد كانت طريقة الدعوة الإسلامية في صدر الإسلام الأول مغايرة بعض الشيء لما كان العمل عليه في العهد المدني، والناظر لأحكام التشريع يجد الأمر بينًا واضحًا في ذلك، ومن أمثلة ذلك: أحكام الجهاد والتدرج في حرمة الخمر، وفرض الحجاب، وتشريع الصلاة وأحكامها، كصلاة المقيم والمسافر، فضلًا عن الأمر بدعوة الناس كافة، وغير ذلك مما ليس هذا موطن ذكره؛ وكل ذلك يدل بوضوح على أهمية التدرج في الدعوة إلى الله، والنظر في ذلك وهو ما وضعه أهل السنة بعين الاعتبار وجعلوه منهجهم في الدعوة إلى الله تعالى، ولذا فإن منهج أهل السنة في الدعوة راعى ذلك لا لبس فيه، من خلال وضع ضوابط شرعية وقواعد محكمة تضبط طريق العمل في الدعوة وتتقيد بمنهجه، لجلب المصالح ودرء المفاسد.

    رابعا: إحسان الظن بالآخرين
    من السمات التي تميز منهج أهل السنة عن غيره من مناهج الفرق الأخرى إحسان الظن بالآخرين، وعدم إساءة الظن بهم، فإن الأصل هو إحسان الظن حتى يتبين الخطأ، أو تكون هناك قرينة ظاهرة دالة على العمل السيئ. لأن سو الظن ينبت الشقاق والبغض والضغينة، وهو ما لا يقبله ولا يعمل أهل السنة به لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ (9).

    خامسًا: إنزال الناس منازلهم
    ومن الخصائص التي يسير عليها منهم أهل السنة في الدعوة المهمة في الدعوة هو معرفة مكانة الناس وإنزالهم منازلهم من حيث المكانة والسمعة وافق ما أمر وعمل به الرسول الكريم. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :(أَمرَنا رسولُ اللهِ ﷺ أنْ نُنزِّلَ الناسَ مَنازلَهُمْ) (10).

    سادسًا: التحرر من التعصب للأشخاص

    عمل أهل السنة وفق المنهج الذي ربَّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه فلم يحيدوا عن: التحرر من التعصب الأعمى للأفراد أو القبائل أو الأعراق أو غير ذلك، فقد أوصاهم بترك عُبية الجاهلية، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتْنَ) (11).
    وأكد ذلك في وصيته الأخيرة في حجة الوداع، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قال: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟) قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.(12)

    فهذه بعض مقومات ومرتكزات وأسس منهجِ الدعوة عند أهل السنة والجماعة، التي من تمسك بها وعمل إخلاصًا وصدقًا لله تعالى كانت دعوته على بصيرة وعلى نهجٍ قويم، ووجد البركة والتوفيق في عمله والانتشار والذيوع لدعوته.

    منهج أهل السنة الجماعة الدعوة القران السنة الحكمة الموعظة

    مقالات