الجمعة 26 أبريل 2024 11:41 مـ 17 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    زمن التساقط

    رابطة علماء أهل السنة

    أراد الله للأمة أن ينتصر الحق فيها أبلج، صافياً واضح الرؤية، قال تعالى : الذين إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ? وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). 

    ومن سنن الله الثابتة: أنه سبحانه لا ينصر الصف المؤمن إلا إذا تحقق بالإيمان حتى لا يكون فتنة،  ومن أجل هذا كان لابد من التمحيص.

    والتمحيص يعني الانتقاء والاعتناء والتنقيح ، لذا لا تأسفن كثيراً إذا جاء زمن التساقط ، وحان فصل السقوط .
     فإذا رأيت وجوهاً أظهر الله للخلق قبحها، ونفوساً أظهر الله للخلق  دنسها، ومناهج أظهر الله للناس فسادها، ورايات أظهر الله للخلق خبثها فاعلم أنك في زمن التساقط المؤلم.
    فلا تيأسن، ولكن تيقن أن زمن التساقط يتبعه زمن الإنبات والتجديد، وكثرة السقوط يتبعه كثرة الصعود.

    وما عليك إلا أن تتعرف على الأوراق الذابلة  لتعتبر بسقوطها، وتتجنب أمراضها، وتسأل الله الثبات .
    ستسقط حتماً كل الأنظمة التي خانت الأمة، وتآمرت على دينها وثرواتها وكرامتها ووحدتها، وإن زعمت أنها حامية اللواء، وحارسة الملة.

    أبشر بسقوط كل الدعوات والمؤسسات التي استخدمت الدين ليكون مصدراً للرزق، وسلماً لمناصب الهوى، ووجاهة الكبر، ودافعاً لتصعير الخد للناس، والمشي في الأرض مرحاً. 

    أبشر بسقوط كل النفوس المدخولة بحب الدنيا وكراهية الموت، والقلوب المشربة بعبادة عجل الهوى والشهوات الخفية.

    فلتسقط بكل ترحاب كل الرايات ادعت الزهادة، وزعمت أنها تُحلق في آفاق التزكية، ونقاء السريرة، وحلاوة الذكر، وآهات المحبة، ولوعة الشوق، ونفضات الوجد ثم ترى دعاتها على أبواب السلاطين، يتسولون نظرات الرضى ، يتهاوشون الدنيا كما تتهاوش الكلاب على الجيف، ولو كان الثمن تحليل حرام أو تحريم حلال ، أو شرعنة باطل أو إبطال شرع!!! 

    فلتسقط كل الدعاوى التي قدمت الإسلام للبشرية  مصادماً لفطرتهم مناقضاً لصحيح عقولهم، مفصولاً عن واقع حياتهم، متجاهلاً لمتطلبات عصورهم ، متباعداً عن صناعة حياتهم.

    فلتسقط كل الدعوات التي زعمت أنها بصحيح الإسلام ملتزمة، وبتشريع القران منضبطة، وبهدي الرسول مرتبطة، وعلى طريق رعيل الإسلام الأول منطلقة ، ثم تراها تنقض يدها من كل هذا إذا طلبها الناس في الأزمات، وبحثوا عنها لتأخذ بيدهم في النكبات، وتنافس روادها على الخلود إلى الأرض واتباع الهوى، وإذا حل بالناس خطب تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت.

    المفرطون المقصرون
    فلتسقط كل المنهجيات التي لم تدرس سنن الله في خلقه ولم تأخذ بأسبابها، ولم تتعلم من حتميتها، ولم ترسم خططها وفق قواعدها وضوابطها، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

    فلتسقط كل منهجية لم تأخذ بالأسباب كما أمر  رب البرية،  وفعل قدوة البشرية صلى لله عليه وسلم ، لأن الله تعالى يعاقب المفرطين المقصرين كما يعاقب المجرمين المعتدين.
    فلتسقط كل منهجية لا تسمع من أين لك هذا، ولا تفرح بصرخة أتباعها : لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا.
    فلتسقط منهجيات ترى أن الجهاد الدستوري واجب كل الأوقات، وعلاج كل الأزمات، حتى ولو كان ذلك على حساب مبادئ الاسلام وثوابته، في الوقت الذي تُسقط فيه جهاد الميدان إعداداً ومواجهة بحجج واهية وتطلعات حالمة، وأحلام يقظة ،أو أوهام طفولة !!
    فلتسقط كل المنهجيات التي لم تتخذ من آيات الاحكام وسنة خير الأنام قوانين حاكمة لمنهجها، وضوابط حارسة لمسلكها، ومرجعية ضابطة لحركتها .
    فلتسقط كل الدعوات التي لم تجعل عليها من أهل العلم في شتى المجالات نجوماً يضيئون ليلها، وهداة يرشدون سيرها، ورواداً يستشرفون مستقبلها، واتخذت رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
     ليبقى الإسلام محفوظاً بحفظ الله له ، مصلحاً لكل زمان ومكان ، ناهضاً بالأمة مجدداً لها فكرها، ومستوعبا لمستجداتها، ومعالجا لأمراضها.
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".
    وفي الحديث: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، والأمة في حالة تأهب لانتصار وليست في حالة انكسار ، فمن لم يكن مستحقاً لشرف الدفاع عن الإسلام العظيم سيسقط حتما في مهاوي الفتن .
    فلا تلتفت خلفك أين فلان ، ولكن اسال نفسك أين أنا ، وقديما قال علماؤنا : إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله.
    إنها سنة التمحيص التي نص الله عليها في كتابه فلم يعرها الاهتمام كثير من العاملين ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ 
    فلنراجع أنفسنا ولنتحسس مواضع أقدامنا ، ولنتأهب لسنة الله فينا ولنسال الله الثبات ولنستبشر بتقدير الله للدعوات وحفظه للدين ولنجدد معه سبحانه العهد والميثاق . ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا .
    وماذا بعد فصل السقوط؟  في المقال القادم بإذن الله تعالى.

    التساقط سنن الكون الاسلام الثبات النصر

    مقالات