السبت 20 أبريل 2024 06:52 مـ 11 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الضرورات العشر للحركة الإسلامية || الضرورة الرابعة

    رابطة علماء أهل السنة



    تاريخ الإضافة : مـ 10/3/2016 - هـ 20/5/1437

    4- حماية المنجزات والحفاظ على المكتسبات :

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    تقدمت الحركة الإسلامية بمشروعها الإصلاحي النهضوي في لحظة كانت الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إليه، فجاءت الحركة في اللحظة المناسبة ، وهذا محض فضل الله تعالى على أمة الإسلام؛ أن تبقى طائفةٌ ظاهرة على الحق إلى قيام الساعة ، كما صح في السنة الشريفة ، ومنذ ولادة الحركة الإسلامية وعبر امتداداتها شرقا وغربا، شمالا وجنوبا تقبل الملايين من أبناء هذه الأمة مشروع الحركة الإسلامية بقبول حسن، وأنبته الله تعالى نباتا حسنا ، فآتي أكله وغدا شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ولا شك أن هذا مُنجزٌ هائل ينبغي حمايته والمحافظة عليه ، وبخاصة أن هناك خصوما وأعداءً متربصين يعملون على إطفاء نور الله، ويدأبون ليل نهار في هدم هذا المشروع وإيقاف مسيرته .

    فهل أدركت الحركة الإسلامية أن الحماية والحفاظ على المكتسبات بعدٌ أصيل، وضرورة كبرى ينبغي أن تكون حاضرة في كل مراحل عملها، واستراتيجية مصاحبة  لكل تصرفاتها ؟؟

    وهل سلكت بالفعل (منهج الحماية) ، عمليا ، أم خاطرت في أحايين كثيرة وأماكن متفرقة ببعض أو بكثير من منجزاتها بغفلة أحيانا وسوء تخطيط وضعف وعي أحيانا أخرى ؟؟

    وفي هذا المقال بيان وشرح لأهمية هذه الضرورة للحركة الإسلامية ، وكيفيات تحقيقها عمليا .

    رأس مال الحركة الإسلامية :

    إن رأس مال الحركة يتمثل في عدة أشياء منها :

    • الفكرة الصحيحة :( بشمولها وكمالها ووسطيتها) .

    • الإنسان : (حامل الرسالة، المؤمن بها والداعي إليها، والمؤيد والمناصر لها) .

    •  الأشياء :( وهي تلك الإمكانات والقدرات الاقتصادية من الأموال والمدارس والجمعيات والشركات وغير ذلك) .

    •  سمعة الحركة ومكانتها :( والمتمثل في حب الجماهير للحركة، وثقتها بها، وتأييدها...إلخ) .

    وهذه الجوانب الأربعة حققت الحركة فيها الكثير والكثير من المنجزات ، فامتلكت بذلك رأس مال قيما ثمينا ، فعملت وتحركت وانتشرت حتى غدت صمام أمان للأمة ، وعامل توازن في مسيرتها .

    والعقلاء يقررون : أن رأس المال لا ينبغي أن يعرضه صاحبه للخسارة ، فلا تصح المساومة عليه ، أو المخاطرة به ، وفي عالم الاقتصاد ربما قبل أصحاب رؤوس الأموال فقدان بعض المكتسبات والأرباح التي لا تتصل برؤوس أموالهم ، لكنهم لا يقبلون بالخسارة مطلقا إن كانت ستطال رأس المال .

    نجاحات الحركة الإسلامية ومنجزاتها

    شاركتُ منذ ثلاثة أعوام في مؤتمر إسلامي بورقة تحت عنوان : ( أثر الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي.... الإخوان المسلمين نموذجا) .
    تناولت فيها أهم المنجزات والنجاحات التي حققتها جماعة الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي ، ومن أبرزها :

    •  استيعاب عشرات الملايين في العالم الإسلامي وغيره، من الشباب والفتيات والرجال والنساء والأطفال داخل الأجواء التربوية الملتزمة بعيدا عن الانحرافات العقائدية والفكرية والسلوكية، فكان ذلك رصيدا للأمة تميز بالصحة ونجا من العطن والفساد .

    • تحقيق السلم الاجتماعي داخل المجتمعات التي انتشرت فيها الجماعة .

    • تحقيق الأمن الفكري بنشر الوسطية والاعتدال ومقاومة العنف والتطرف .

    • حماية الأخلاق وإحداث توازن إسلامي في مواجهة العتو والطغيان العلماني .

    فضلا عن إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ، وفي مجال المقاومة والجهاد ، إلى غير ذلك من الإنجازات المعلومة للقاصي والداني ، وقد اكتسبت الحركة بذلك سمعة طيبة في الأمة ، ونالت ثقتها ، واطمأن الجمهور العام من المسلمين للحركة حتى إن الحركة كانت الخيار الأكثر حظًا لدى الجماهير  في الانتخابات بدءًا من المحليات والبلديات مرورا بالبرلمانات ووصولا إلى الرئاسة في بعض البلدان .

    لكن السؤال الكبير هو : هل حافظت الحركة الإسلامية على منجزاتها ؟؟ وحمت مكتسباتها ؟؟

    الجواب : أن الحركة أخفقت في مواقف فاصلة ومهمة في حماية مكتسباتها ، وغفلت عن : (ضرورة منهج الحماية) فدخلت بذلك في صراعات كانت في غنى عنها ، أفقدتها الكثير من رأس مالها :

    • فعلى مستوى الإنسان : دخلت معارك لا قبل لها بها فقدت بسببها آلافا من خيرة أبنائها .

    • وعلى مستوى السمعة والمكانة : دخلت مجالات شوهت سمعتها وعرضت رصيدها الشعبي للتآكل .

    • وعلى المستوى الاقتصادي : دخلت معارك فقدت بسببها كثيرا من مقدراتها المالية ومشاريعها الاقتصادية .

    • وعلى مستوى الفكرة عرضت فكرتها لكثير من الالتباس والتشويه والغموض .

    وكان السبب في ذلك في تقديري :

    • تجاوز المراحل واستعجال الثمرة، وقد قرر العلماء أن:( من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه).

    • سوء تقدير المواقف، وضعف الرؤية للواقع، ومراعاة ما لا ينبغي مراعاته.

    وكل ذلك لعدم الاعتماد على أهل العلم والفكر والاختصاص ، والاعتماد على غيرهم، ومحاولة البعض تبرير ذلك بفقه الابتلاء لا تستقيم، حيث تبين في مواقف كثيرة أن الحركة دخلت في مواقف عديدة وفاصلة بلا رؤية ولا استراتيجية , وحينئذ يكون جزاؤها وفق قانون الله وسننه الصارمة : العقوبة ، وفق قول الله تعالى :" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وقوله سبحانه": قل هو من عند أنفسكم" 

    هذه مقدمة لازمة للحديث عن (الضرورة الرابعة من ضرورات الحركة الإسلامية) وهي :(حماية المنجزات والحفاظ على المكتسبات)

    لكن السؤال هل حافظت الحركة على تلك المكتسبات وحمتها وحفظتها من المخاطرات والمغامرات غير المحسوبة ؟؟
    الجواب يحتاج إلى شيء من التفصيل ، لأن الحركة ممتدة في أقطار عديدة فيمكن أن نقول إنها حمت منجزاتها في بلدان وغامرت ببعضها في أماكن أخرى ، وما غامرت فيه كان الثمن فيه فادحا والتضحيات بل الخسائر كثيرة لا تقارن بحال مع المكاسب المرجوة ، لذا وجب أن ننبه إلى كيفيات حماية المنجزات كصورة تطبيقية لهذه الضرورة ، ونتناول في هذا المقال (حماية الفكرة والإنسان)

    أولا : حماية الفكرة :

    قدمت الحركة الإسلامية فكرا وسطيا ناضحا ، سبق في كثير من الأحيان المؤسسات الدينية والعلمية الرسمية .

     وفي خضم التغيرات الفكرية العالمية ومع كثافة الأفكار وسرعة تداولها عبر وسائل الاتصال الحديثة ، إضافة إلى متغيرات الواقع المحلي والإقليمي في كافة المجالات وبخاصة متغير التطرف والإرهاب الذي لا يمثل الصورة الصحيحة للإسلام، والذي تواكبه دائما حملات التشويه المنظمة لفكر الحركة، تحتاج الحركة مع كل ذلك إلى حماية فكرتها على عدة محاور :

    - التركيز على توضيح المشروع الإصلاحي الدعوي، فمن واجب الحركة توضيح مشروعها لأتباعها ولجمهورها وضوحا يفصح عن أهداف المشروع ، وخطواته ، وآليات عمله ، وثمراته المرجوة إلى غير ذلك ، فالجماهير لا تطمئن لشيء غامض ملتبس ، وتقبل بقوة على المشروع الواضح المحدد المقنع .

    - المحافظة علي الفكرة من التحريف أو الانحراف ، لأن عامل الزمن كفيل دائما بإحداث حالات من التحريف والانحراف في كل فكرة ورسالة، لذا جعل الله تعالى من سننه بعث المجددين للدين على رأس كل مائة سنة ، والحركة اليوم في حاجة إلى حركة تجديدية في أفكارها وآليات عملها بعد مضي قريب من مائة عام من ظهورها ، وتلك مدة كفيلة بإحداث تشوهات وانحرافات ، إضافة إلى كثير من المتغيرات المعاصرة التي لا ينبغي معها الوقوف مع أفكار مؤسسيها فقط دون تعديلات وإضافات وتجديد .

    - المحافظة علي الفكرة  من الشبهات ، بالرد عليها وتفنيدها .

    • المحافظة عليها من الاندثار أو التوقف أو الاستبدال .

    وهذا كله يتطلب مجموعة من الأعمال أبرزها : العناية بالعلماء والمفكرين والمنظرين إعدادا وتأهيلا ودعما وتطويرا وتفعيلا ، والتركيز على أصول الفكرة وثوابتها ، وإبراز خصائصها ومميزاتها ، وانتهاج منهج التوريث الفكري والعلمي المستمر لها ، مع ضرورة التجديد والتطوير الدائم في آليات عملها ومتغيراتها .

    • حماية الإنسان (قائدا وجنديا) :

    ويشمل ذلك حماية القادة والمسئولين وحماية الأتباع ، أما حماية القادة ؛ فقد اتخذ الرسول الكريم حراسة له لم ترفع إلا بقوله تعالى "والله يعصمك من الناس" ، وأنا أعتبر أن التفريط في ذلك كان سببا رئيسا في تيسير مهمة اغتيال الخفاء الثلاثة الراشدين الفاروق عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا ، وفي أزمة الانقلاب في مصر فشلت الحركة الإسلامية في حماية أبرز قادتها وأبنائها على السواء ، بينما نجحت الحركة في اليمن في حماية قادتها وأبنائها وعدم الدخول بهم في معارك خاسرة .
    وحرص الحركة على حياة قادتها ليس لأن دماءهم أغلى من تابعيهم وإنما لخصوصية موقعهم وارتباط سير الحركة غالبا بوجودهم تفكيرا وتخطيطا وإدارة ، وكذلك على الحركة حماية كافة أبنائها فذلك مقصد شرعي ، وهنا نؤكد على بعض المفاهيم الشرعية في مجال حماية الإنسان المسلم : 

    • الإنسان خلق ليحيا لا ليموت ، لأن رسالته تقتضي الحياة ، وبالتالي فإن إدخاله في خطر تزهق به نفسه من غير عائد مسلك غير شرعي .

    • الموت في سبيل الله ليس مقصودا لذاته في الشريعة ، ولا يصح إلا في سبيل نكاية يحدثها الشهيد في عدوه ,  حيث قال تعالى" فيَقتلون ويُقتلون" ، فالتضحية ليست غاية مقصودة ولكنها فضيلة يفرضها الواقع لتحقيق مطلب أعظم ، وإلا فالتضحية دون هدف عظيم مفسدة ، وبخاصة التضحية بالنفوس ، وقد قال العز في قواعد الأحكام :"التولي يوم الزحف مفسدة كبيرة ، لكنه واجب إذا عَلم أنه يُقتل من غير نكاية في الكفار ، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين ، فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام لما في الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام , وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة" ، لأجل هذا أُمر المسلمون بكف أيديهم في مكة ، وخفف الله تعالى الأمر بعد بدر ، فغدا المطلوب من المسلم المجاهد مقابلة مشركين منعا للوقوع في الهلكة .

    • إذا حافظت الحركة على حياة أبنائها واستبْقت أرواحهم ، وجب عليها بعد ذلك حمايتهم من كل ما يهدد وجودهم المعنوي ؛ فتحافظ على دورهم الإيجابي من البطالة الدعوية ، وتحميهم من حالة فقدان الثقة في المنهج أو في القيادة ، كما يجب أن تحافظ على بقائهم في دائرة الدعوة ، فلا يتحولوا إلى خصوم أو مناوئين .

    ومتطلبات منهج الحماية فيما أرى جملة من الأشياء منها :

    - الحفاظ على سرية المعلومات والحركة بصورة تتناسب مع معطيات التقنيات الحديثة التي باتت تكشف وتصل إلى كل شيء غالبا ، وهناك تهور وسذاجة كبيرة من بعض أبناء الحركة في الحفاظ على خصوصياتهم .

    - الهجرة أحيانا : فقد تضطر الحركة من أجل الحفاظ على أبنائها أو بعضهم ببعثهم إلى أماكن أو بلدان غير أماكنهم المألوفة ، إبقاءً على الرصيد البشري للحركة ، وللهجرة أحكام ومبررات وصور معروفة في كتب الشرع الحنيف .

    -امتلاك القوة والسلاح : وهذه مسألة شائكة لم تحدد الحركة الإسلامية موقفها بجلاء ووضوح إزاءها ، وينبغي أن تحدد ذلك جيدا لخطورة المسألة ، ولئلا يستعمل السلاح بصورة غير شرعية كما تستعمله بعض الجماعات المتطرفة التي تكفر المسلمين وتهدر دماءهم .

     

    • كذلك من حماية صاحب الدعوة أن توظف طاقاته ، وتحسن تربيته ، وتتحقق استيعابه حتى لا يمل ولا يفقد الثقة في الطريق ، فتخسر الحركة أبناءها أو يكون وجودهم كعدمهم .

    مقالات