الثلاثاء 23 أبريل 2024 05:06 مـ 14 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الأيام دول.. والدول أيام

    رابطة علماء أهل السنة

    مهما قويت الدول أو اتسع نفوذها فإن لها آجالا وأعمارا، تنتهي إذا استوفت أيامها وحلت آجالها، ومن السنن الكونية في زوال الدول وتفكك الممالك اقتران ذلك بالحرب الداخلية داخل بيت الحكم، أو تغيير نظام انتقال السلطة الذي تأسس عليه نظام الحكم لهذه الدولة أو تلك.

    ولو أخذنا مثلا على ذلك من الدولة الأموية – أقوى دولة حكمت في الإسلام – سنجد أن زوالها بدأ بإصرار يزيد بن عبد الملك على جعل ولاية العهد بعد أخيه هشام في ابنه الوليد بن يزيد الذي لم يكن أهلا لهذه الولاية فخلعه أبناء عمومته وقتلوه، وتولى بعده ابن عمه يزيد بن الوليد الذي عرف بيزيد الناقص،

    واستمرت الصراعات داخل البيت المرواني حتى أجهز عليهم العباسيون الذين قال خطيبهم داود بن علي بن عبد الله بن عباس في مسجد الكوفة في أول ايام الخلافة العباسية: (واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج عنا حتى نُسلمه إلى عيسى بن مريم عليه السلام) ودامت خلافتهم أكثر من خمسمائة سنة ثم جرت عليهم سنة التغيير والتبديل!

    جعلت هذه اللمحة التاريخية السريعة بين يدي كلمتي، حتى لا يستكثر القارئ فكرة تفكيك الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت على يد الرئيس دونالد ترمب، الذي تنكر للعملية الديمقراطية وسلطة صندوق الاختيار الّذَين تعدُهما أمريكا عنونا لحضارتها وريادتها.

    حيث دعا أنصاره للاحتجاج أمام الكونجرس أثناء اعتماد نتيجة الانتخابات، فاجتمع فئام من الغوغاء والدهماء اقتحموا قاعة المجلس وعبثوا بمحتوياته بنفس الصورة التي تعاملوا بها مع القصور العراقية إبان الغزو!

    وظهرت الشرطة الأمريكية بصورة تخالف المعهود والمألوف من تعاملها الخشن مع المحتجين أو المطلوبين، وما قصص تعاملهم مع الأمريكان السود عنا ببعيد، حتى أصبح اسم “جورج فلويد” أيقونة لعنصرية الشرطة تجاه أصحاب البشرة السمراء، ورمزية للنازية الغربية تجاه الأجانب، وعبر عن هذا “جو سكاربورو” المذيع في قناة MSNBC الأمريكية بقوله: (لوكان هذا التمرد من السود لأطلقت الشرطة النار في وجهوهم، ويا إلهي لو كان هذا التمرد من المسلمين لأطلق القناصة الرصاص عليهم من فوق أسقف المباني)

    اعتبر ترمب في بداية الأمر ما قام به أنصاره عملا مشروعا ووصفهم بالوطنيين، حتى انهالت تعبيرات الاستنكار والاستهجان من كل مكان، بداية من رؤساء أوربا، ورؤساء أمريكا السابقين حتى قال جورج بوش الابن: ما حدث أشبه بما يحدث في جمهوريات الموز !

    بل استنكر ذلك بعض الجمهوريين من حزب ترمب وفي مقدمتهم نائبه “مايك بنس”، واحتج فريق من معاونيه بتقديم استقالتهم، واتجهت أصوات أخرى للمطالبة بتفعيل التعديل 25 من الدستور الأمريكي الذي يمكن من عزله، حيث بدا أنه غير مؤهل لإكمال الأيام الباقية في السلطة، وهو ما قامت به بالفعل إدارة وسائل التواصل الاجتماعي حيث حجب فيس بوك وانستجرام صفحات ترمب عن الظهور، ومنعوه من الكتابة والنشر باعتبار أن محتوى ما ينشره ضار وغير آمن على المجتمع، في أكبر عملية امتهان يتعرض لها رئيس أقوى دولة على وجه الأرض، بل سمعنا لأول مرة إطلاق وصف الإرهابيين على قطاع من الشعب الأمريكي مَثَّلهم من احتشد أمام الكونجرس، وفي مقدمة من استعمل هذا الوصف الرئيس المنتخب جو بايدن نفسه.

    لا يمكن وصف ما حدث إلا بالإرهاب، وهو ما كان يمارسه ترمب خلال فترة ولايته مخلوطا بأعمال البلطجة والسمسرة، حيث جمع في سياسته بين منهج “الكاو بوي” وجشع التاجر الذي لا ينظر إلا إلى مضاعفة مكسبه من أي طريق، وأصبحت خلطة “تاجر البقر” هي التي تحكم تصرفات ترمب لاسيما في العلاقات الدولية، وبنفس عقلية تاجر المواشي الجشع تخلى عن أنصاره، ووصف أعمالهم بالعنف وتعهد بتسليم السلطة، وأسدل بنفسه الستار على أسوأ خاتمة لقصته على مسرح السياسية، بل ربما يصل الأمر إلى محاكمته.

    لكن المؤسف أن عقلية ترمب وسياسته ليست ظاهرة فردية، وإنما هو يمثل قطاعا يصل إلى نصف الأمريكيين، وإن أردت الدقة فقل نصف الناخبين الذين اختاروه رئيسا، وصوتوا له لولاية ثانية، واستجاب فريق منهم لدعوته للحشد والتظاهر على طريقة السيسي “ديكتاتوره المفضل”، ولو وجد في الجيش ومؤسسات الدولة من يدعمه لطلب تفويضا لمحاربة الإرهاب المحتمل، فقد بدا إعجاب الرئيس ترمب بالنموذج العربي كبيرا، وتمنى لو واتته الفرصة لتطبيقه.

    عبر النائب الجمهوري “آدم كينز ينغر” عما يقوم به ترمب وأنصاره بأنها محاولة انقلاب! وهي كذلك، لكنها أضعف وأفشل محاولة تمت في العصر الحديث، حيث تصدت لها كل مؤسسات الدولة بقوة، ومع ذلك فهي تؤسس لما بعدها، لأنها أقوى ضربة وجهت إلى نظام الولايات المتحدة وديمقراطيتها، حيث شككت في نزاهة عملية الاقتراع ووصفتها بالتزوير، مع اتهام واضح للإعلام بعدم النزاهة.

    كما كان عام 1991 تاريخا هاما في تفكيك الاتحاد السوفيتي وانفصال الجمهوريات المكونة له، وقيادة “بوريس يلتسن” لمرحلة روسيا الجديدة، فإن 6 يناير 2021 سيُسجل كلحظة فارقة في تاريخ أمريكا، وكما أن الأيام دول، فإن الدول أيام، وقد تفردت أمريكا بقيادة العالم حتى تفرعنت، وعلت في الأرض وتجبرت، واستنفذت مدى القوة وسطوة السلطة، وما حدث علو وازدهار إلا تلاه سقوط واندحار، روى البخارى أن رسول اللهﷺ قال: حَقٌّ علَى الله ِ أنْ لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَه.

    الأيام دول الدول أيام ترامب أمريكا الجمهوريين الديمقراطيين

    مقالات